ما يجري اليوم في أمريكا هو الحصاد الفاسد لسياسة دونالد ترامب، المقاول الفاشي الذي اجتاح البيت الأبيض عبر رصيد الحزب الجمهوري، وأخفق في إضافة اللبنة الإيجابية في تجربة وتاريخ هذا الحزب، على ما فعل أقرانه في السابق، الذين حققوا عهدة ثانية، كشاهد على نجاح سياساتهم.
أمريكا في عهد ترامب، آلت إلى مَجرّة سياسية غريبة عن تاريخ الولايات المتحدة ومكانتها في العالم المعاصر. فأمريكا قوة تاريخية معاصرة، تكثف الزمن الراهن في كل كيانها، بالقدر الذي تختصر العالم كله في لحظتها، فما يحدث في العالم له تداعياته الفورية على أمريكا، وما يجري في أمريكا له نتائجه تلقائيا وحالا على سائر العالم.
أراد ترامب من خلال إعلانه الحرب على أمريكا ذاتها، أن ينهي حكمه على طريقة الزعماء الفاشيين والنازيين وعتاد السياسة الشمولية
العالم وأمريكا لحظة واحدة، على ما نلحظ ونشاهد في ظاهرة كوفيد 19، الذي ظهر في الصين، لكنه تفشى ودمّر أمريكا، وعليه، نحتاج إلى بحث موضوع فساد السياسة الأمريكية، وصلته بظهور الأوبئة والأمراض البيئية والمعضلات الاقتصادية، وتوتر العلاقات الدولية، كما حضرنا وعانينا من سياسة ترامب، الذي تنكر بدون وجه حق للعديد من الاتفاقات والمعاهدات الدولية، وكانت وبالا على الوضع الدولي برمته، ونحضر اليوم العاصفة الهوجاء التي تجتاح أمريكا في الداخل. أمريكا لم تعد للأمريكيين، كما رفعت شعارها مع مطلع القرن العشرين ورسمت لنفسها سياسة العزلة، كأفضل سبيل لنهب وسلب القارة الأمريكية على طولها وعرضها. فقد تأكد بشكل قطعي ضرورة أخذ الحذر من الشخصيات الشاذة والأصولية والمتطرفة، التي تظهر عليها علامات الجموح والانحراف والعبث في تصرفاتها وطريقة تفكيرها. فلا تكفي تعزية النفس والشعوب بوجود الهيئة الاستشارية حول شخص الرئيس، لأنه كشخصية اعتبارية أقوى، بالقدر الذي ينفرد بالحكم على مزاجه، ويوجد من يساعد على ذلك لاعتبارات خاصة، على ما رأينا طوال سنوات حكم ترامب، حيث تعرض العديد من مقربيه إلى التنحية، ومنهم من اضطر إلى الاستقالة، وإلى من واجهه بالفضائح وسرّب ضده معلومات فادحة تنال من شخصه ومن ثروته ومن سياسته، كلها تُسْقِط من مصداقية أمريكا ومكانتها التاريخية. أراد ترامب من خلال إعلانه الحرب على أمريكا ذاتها، أن ينهي حكمه على طريقة الزعماء الفاشيين والنازيين وعتاد السياسة الشمولية. وبمعنى آخر يفيد المعنى ذاته، أراد أن يخرج من البيت الأبيض بانهيار الدولة الأمريكية نفسها، كما فعل من قبل هتلر وموسوليني والعديد من الأنظمة السلطوية، التي انهارت بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة في منطقتنا العربية. فسياسة ترامب، كما خلص إليها التحليل السياسي، من نمط السياسة التي لا تحترم المؤسسات وتروم أن تتخطاها إلى الحكم الفردي، والمبادرة الخاصة التي جلبت الويلات ليس على الداخل الأمريكي فحسب، بل على العالم كله.
في المقالات كافة التي خَصَّصْتها للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، بداية من عام 2017، ركزت على شخصيته الفاشية للشَّبَه الكبير والمروّع مع مُؤسِّس الفاشية في القرن العشرين الزعيم الإيطالي بينيتو موسوليني، يماثله ويحاكيه لحد التماهي التام معه، مع فرق في العصر والزمن. فجريمة ترامب مضاعفة لأنه أراد أن يقلد نظام حكم انتهى وتوارى إلى الأبد، ولم يعد يجاري التاريخ المعاصر، وأن أي محاولة لاستعادة الماضي الفاشي هو من قبل الجرائم المضاعفة لأنها تنطوي على حقيقة فسادها في حينها، أي النصف الأول من القرن العشرين، ولأنها ثانية جريمة في حق الزمن العالمي المعاصر، الذي لا يقبل إطلاقا أنظمة شمولية وأنظمة الطغم العسكرية والعصابات المافيوية، والنوادي الإمبريالية، وحكاما جاءوا من دور القمار والفساد الجنسي والمالي والخداع الصهيوني. الدمار الهائل الذي تعرضت له الولايات المتحدة الأمريكية في عهد الجمهوري الفاشي ترامب هو أيضا من الدمار المضاعف، الذي نال من حزبه الجمهوري، فضلا على وقعه الأخطر على الدولة الأمريكية ذاتها. فالذين صوّتوا له وهم عدد كبير لم يكن له بقدر ما كان للحزب الجمهوري، الذي يؤكد دائما أنه كان وراء الهزات والأزمات الكبرى التي تنتاب أمريكا من حين لآخر، على ما حدث مع مطلع القرن الحالي عندما خضّ زعيم «القاعدة» أسامة بن لادن أمريكا في عقر دارها، مع بداية أعتى نظام حكم جمهوري تمثلّ باليمين الإنجيلي المتطرف: جورج بوش الابن، ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد… غلاة وعتاد المال الصهيوني الرهيب، ولقبوا في ذلك الوقت بفرسان الانهيار الكبير على غرار فرسان الآخرة. كل الذين صوّتوا لصالح ترامب سيشعرون بالخيبة وتبكيت الضمير، بعدما ما لاحظوا آخر فصول الاعتداء على مؤسسات الجمهورية ورمزها القوي، مجلس النواب، من قبل أنصار الرئيس الفاشي وتحت أنظاره، يتلذذ بالانتصار العظيم على طريقة من يسمع الأخبار المقبلة من ساحات الوَغَى، وما حققه جيشه. فيوم 6 يناير/كانون الثاني، إضافة جديدة بارزة من الأيام السوداء في التاريخ الحديث والمعاصر لأمريكا. فما فعله ترامب في هذا اليوم التعيس والطويل، يجب أن يدرج في الهزة العنيفة التي انتابت الحزب الجمهوري، باعتباره حدثا غير عادي، يجب أن يخضع إلى إعادة تصحيح طبيعة الحزب ذاته بسبب عدم تساوق سياسته الفاشية واليمينية المتطرفة، وتوجهه الصهيوني، مع حقائق الدنيا الجديدة في أمريكا وفي العالم.. فالظاهر أن فجوة سحيقة تفصل بين العقل الأمريكي البراغماتي لمَّا رفع شعار أمريكا للأمريكيين مع نهاية القرن العشرين، ومطلع القرن الواحد والعشرين، حيث كان المذهب البراغماتي يحقق فعلا النفع للأمريكيين لبداية عهدهم بالثروة، والعمل وتحقيق المجد. وبين المذهب ذاته الذي يجب أن يحقق النفع والخير اليوم لأمريكا في علاقاتها مع الآخرين، لأنهم في مرتبة الحرص نفسها على العيش في أمن وآمان وسلم وسلام، كما أن القوة تغيرت معاييرها واعتباراتها، وحتى طبيعتها على ما فعل بن لادن الذي كاد أن يحوّل كل أمريكا إلى رماد ورفاة.
وعليه، وفي التحليل الأخير وقبل الختام، على الحزب الجمهوري قبل غيره أن يعيد النظر في فلسفته السياسية، ومرتكزات عقيدته الأيديولوجية وليست الدينية، لأن لا دين له، فقد انتهت في أوروبا والعالم ثنائية اليسار اليمين، ولم تعد ذات موضوع، ولم تعد تصلح إطلاقا لتحديد السياسات والمواقع والمواقف، فلم يعد يفصل اليمين واليسار إلا محاولة توكيد الفاشية والعنصرية والتطرف والغلو، جهة اليمين لتشييد الموقف والسياسة والموقع في الحملات الانتخابية. وكثيراً ما أفضى التشبث بالسياسة اليمينية إلى كوارث ومدلهمات الكبرى، تُحدث أثر الكوارث الطبيعية الكبرى والأوبئة الساحقة على نمط وباء كورونا الذي لا يزال يفتك بالمجتمع الأمريكي إلى الآن، ساعدته على التفشي والاستفحال جائحة أمريكية اسمها هذه المرة دونالد ترامب.
كاتب وأكاديمي جزائري
أحييك أستاذي على خوضك في حروب القضايا المعاصرة دائما؛ وأحيي فيك قوة الاستمرار على كتابة كل ما هو معاصر.
من وجهة نظر بسيطة؛ استطاع ترامب أن يحقق بسياسيته التهريجية والتمثيلية ما لم يستطع تحقيقه من سبقوه في الحكم.
ترامب غير نظرة العالم وبخاصة العرب ودول الخليج؛ غير نظرتهم بسرعة من القضية الأم وهي قضية فلسطين إلى قضية الصخراء الغربية؛ وجعل العالم يصفق له تطبيعا مع قراراته وأن التطبيع ليس عيبا كما كان يمارس تحت طاولات الخمارات والآردن والمغرب.
ترامب لم يكن ليحكم وحده لولا وجود قوة تساعده على استنزاف الشعوب مالا وثروة ومبادئا وحتى شعبا. وهذا ما كان ينقص الحكم الأمريكي في عهداته السابقة.