أوحت صفقة الإفراج عن الأموال المجمدة مقابل السجناء التي أنجزتها إيران وأمريكا بوساطة قطرية، قبل أيام، بتقدّم المنطق الدبلوماسي الذي يمكن، لو توفرت الظروف، البناء عليه وتطويره، وخصوصا في مجال الملف الأكبر: النووي الإيراني، والملفات الصغرى، كأمن الخليج والانفراجات الممكنة في اليمن وسوريا ولبنان، كما أن زيارة وزير خارجية إيران السعودية أمس الخميس، تمهيدا، على ما يظهر، لزيارة الرئيس أحمد رئيسي للرياض، تعطي الانطباع نفسه بإيجابيات العمل الدبلوماسي، الذي دشّن مع اتفاق المصالحة المفاجئ بين البلدين في نيسان/ابريل الماضي بعد سنوات من حروب الوكالة، بين البلدين، في أكثر من بلد وجبهة.
لكن الغريب أن الصفقة الأخيرة المشروطة، وأشكال التفاوض العديدة، المباشرة بين البلدين، أو غير المباشرة، عبر قطر وعُمان، تزامنت مع تحرّكات عديدة وأنواع من تحشيد الميليشيات الموالية لطهران داخل العراق، وكذلك على الحدود السورية العراقية، بما ينذر باحتمال استهداف القواعد الأمريكية الموجودة هناك، وكذلك استمرار التعرض للناقلات المرتبطة بالولايات المتحدة أو إسرائيل في الخليج العربي.
اتخذت واشنطن بدورها عددا من الإجراءات داخل سوريا، تضمنت وقف الخلافات داخل القوات الكردية ـ العربية المدعومة منها، وجلب مزيد من القوات والأسلحة، وقاموا بإنذار روسيا بعد تكرّر التعرّض لطائراتها، كما عزّزت القوات الأمريكية وجودها في الخليج العربي والعراق، معلنة عن نقل ثلاثة آلاف من الجنود إلى قواعدها في الخليج، وأرسلت طائرات حديثة، من نوع إف 35، لحماية تلك القوات.
توحي الهجمة الدبلوماسية الإيرانية نحو خصومها التقليديين العرب، بإمكانية حصول تغييرات فعلية تبني على المصالح المشتركة للخليج والشعوب على ضفتيه، وجاء التدخل الصيني للوساطة بين طهران والرياض، ليعطي طابعا عالميا استراتيجيا لهذا التقارب، وهو ما تعزز مع انخراط الدول العربية المعنيّة، وخصوصا السعودية والإمارات، بالتعاون مع إيران في مجالات عديدة، وتابع الإيرانيون، أيضا، محاولاتهم للتقريب بين النظام السوري وتركيا، والتقرّب من البحرين.
جاء وقف أبو ظبي تعاونها مع التحالف البحري الذي تقوده أمريكا في الخليج العربي كمؤشر ممكن على تقارب عربي أكبر مع إيران، التي طرحت إنشاء قوة إيرانية ـ عربية مشتركة لحماية أمن الخليج، لكن الخطوة قرئت أيضا، باعتبارها إعلانا عن الانزعاج الإماراتي (والسعودي) من عدم التزام أمريكا الجدي بالدفاع عن أمن الخليج مما ترك الباب مشرعا أمام «الحرس الثوري» لإظهار قدرته على التحرّك بقوة في مياه الخليج، وبطريقة واضحة للضغط أكثر على أمريكا قامت أبو ظبي، بعد إعلان واشنطن عن إرسال آلاف المارينز إلى الخليج بإعلان إقامة مناورات بحرية… مع الصين.
بالتناظر مع مدّ الأيادي الدبلوماسي هذا، لم تتوقف طهران عن رفع العصا والتهديد بها بقوة، لا مع أمريكا، ولا مع الدول العربية المذكورة، ويتّضح ذلك بإعلانات المواقف المتشددة فيما يخص الجزر الثلاث التي استولى عليها الشاه قبل سقوطه من الإمارات، أو بخصوص حقل الدرّة البحري، أو بخصوص إمداد الحوثيين بالأسلحة في اليمن، أو بمواصلة التحرّش بالناقلات والسفن في الخليج.
لم تقصّر السعودية، من جهتها، في إظهار الرغبة في امتلاك توازن القوة مع إيران، وأمام المحاولات الأمريكية التي لم تتوقف للتطبيع بين المملكة وإسرائيل، قدّمت الرياض طلبات قوية بضمانات أمريكية ملزمة بالدفاع عنها، وبدعم واشنطن لإنشاء مفاعل نووي سعودي، وتستخدم تقاربها مع تركيا لتوطين صناعة المسيّرات الخ.
كل الأطراف، بهذا المعنى، تفتح نيوبها كما الليث، ولا يهمّها كثيرا أن يظن الطرف الآخر أنها تبتسم!