في استهلالها البديع لكتاب «لكل المقهورين في الأرض أجنحة»، تتذكر الروائية المصرية الراحلة رضوي عاشور حكاية من التراث الشعبي الافريقي الأمريكي، عنوان الحكاية الشفهية «لكل أبناء الرب أجنحة»، وتروي عن سالف الأيام، حين كان لكل الأفارقة أجنحة، وكانوا يستطيعون التحليق كالطيور، وكانت امرأة أمريكية من أصل افريقي في أسر الاستعباد، تعمل في مزرعة السيد الأبيض، ولم تكن قد تعافت بعد من آلام الوضع، وكان صغيرها يصرخ، فترفعه إليها لترضعه، ويراها سائق العبيد، ويضربها لترك العمل، فتسقط على الأرض من شدة الوهن، وتتعرض للضرب من جديد، إلى أن كادت عيناها تغيم من القهر، فتتطلع إلى شيخ افريقي مستعبد مثلها، تسأله «هل حان الوقت يا والدي؟»، يجيبها الشيخ «حان الوقت يا ابنتي»، فإذا بالمرأة تطير، وقد نبتت لها أجنحة.
وتتكرر الحكاية نفسها مع آخرين، يسألون الشيخ ويجيبهم، وبلغة لا يفهمها سادة المزرعة، فإذا بكل العبيد يطيرون، الرجال يصفقون، والنساء يغنين، والأطفال يضحكون، وقد أصبحوا أحرارا في سماء الله، حتى الشيخ نفسه يطير، بعد أن اتجه إليه صاحب المزرعة لقتله، فقد أنجته الذاكرة الخيالية الجماعية، والحلم الكامن بالتحرر الذاتي من العبودية.
الحلم نفسه الذي راود جورج فلويد في دقائق حياته الأخيرة، وهو ملق على بطنه على الأرض، والشرطي الأمريكي الأبيض ديريك شوفين يضغط بركبته الثقيلة على رقبته، وفلويد يختنق تدريجيا طوال ما يقرب من تسع دقائق، وصوته المتحشرج يتوسل عطف الشرطي، وينبهه «لا أستطيع التنفس»، ويرجوه «لا تقتلني»، بينما الأبيض المتعجرف يتمنطق مسدسه، ويضع يده في جيب بنطاله مزهوا، وكأنما يؤدي عرضا سينمائيا هوليووديا، ويمنع معاونوه المارة من الاقتراب، ويغيب صوت فلويد، بعد أن يهمس بكلمته الأخيرة «يا أمي»، فقد كان ذاهبا إلى أمه في السماء، يطير، كما طار إلينا فيديو موته القاسي، بعد أن أرهقته الأرض ظلما، وفي بلد يصف نفسه بأم الحريات وأرض الأحلام السعيدة.
بدلا من التعهد باقتلاع العنصرية القاتلة وتحقيق العدالة كشرط لسلام المجتمع، لجأ ترامب إلى التهديد بقتل المتظاهرين بالجملة
نعم، فالقصة ليست مجرد تفرقة عنصرية، لن يعدم أحد وجودها في أي بلد على خرائط الدنيا اليوم، وبأسباب اختلافات اللون أو الجنس أو الدين أو الطائفة، وعندنا وعند غيرنا منه، ما هو أكثر من الهم الرازح فوق القلب، لكن القصة العنصرية في أمريكا مختلفة، فهي ملازمة لهذه «الأمريكا» منذ وجدت، فقد قامت في الأصل على إفناء مئات الملايين من الهنود الحمر، سكان الأرض الأصليين، ومن وراء لافتات دينية، زورت صورة السيد المسيح، وجعلته عنوانا للعنف والقتل الهمجي، وبادعاء التحضر ورسالة «الرجل الأبيض»، ذهبت حملات اصطياد العبيد من افريقيا البعيدة، وحشرهم في سفن عبر المحيط الأطلنطي، وحين كسبت أمريكا استقلالها ودستورها، لم يفتح الرؤساء الأمريكيون الأوائل ملف استرقاق السود، إلى أن جاء الرئيس السادس عشر إبراهام لينكولن، وأعطوه لقب «محرر العبيد»، ثم اغتالوه عام 1865، وكان أول رئيس أمريكي يلقى مصير الموت غيلة، بينما مات المؤسس والرئيس الأول جورج واشنطن على فراشه الوثير عام 1799، بعد أن لم يجرؤ على معارضة قرار الكونغرس القاضي بحرية استملاك العبيد.
إنها أمريكا التي «هي الطاعون» بوصف محمود درويش، قتلت وتقتل عشرات ملايين البشر خارج حدودها، وقتلت وتقتل الملايين داخلها، ومن وراء أقنعة وأصباغ ثقيلة، صورتها كبلد أحلام، بينما لا تحمي سوى مزارع القتل، وقد دمروا حضارات الهنود الحمر في حملات همجية غير مسبوقة ولا ملحوقة، ومن دون أن تنزل عليهم دمعة، إلا على سبيل تذكر مآثر القتلة الرواد الأوائل، فيما استعصى الأمريكيون الأفارقة على الفناء بالقتل على كثرته، وظلوا على مدى نحو ثلاثة قرون، هدفا لاضطهاد وحشي، اختلفت صورته، لكن لم تخف وطأته، فهو عنف ممنهج، لصيق ببنية النظام الأمريكي، حتى في زمن باراك أوباما، الذي كان أول أمريكي من أصل افريقي يصل إلى سدة الرئاسة، لم تمنع رئاسته قتل السود بالمجان، وعلى يد الشرطة الأمريكية كالعادة، وعلى نحو ما جرى للأمريكي من أصل افريقي مايكل براون عام 2012، الذي قتل بطريقة مشابهة لمقتلة جورج فلويد أخيرا، وكان تعليق أوباما على مقتل فلويد كاشفا، إذ قال ما خلاصته: لقد فشل الرؤساء جميعا في وقف القتل العنصري، فما بالك بدونالد ترامب الملياردير اليميني العنصري، الذي يؤمن بتفوق البيض، ويعتبر العنصريين شعبه وقاعدته الانتخابية الصلبة، ويهدد المتظاهرين بالقتل، ونهش الكلاب الشرسة، ويباهي بقواته في الشرطة وجهاز الخدمة السرية والحرس الوطني التابع للجيش، وينعى على بعض المتظاهرين عنف غضبهم، ويصور حركة «أنتيفا» كمنظمة إرهابية، وهي جماعة محدودة مضادة للفاشية، لا يصدق عاقل أن المظاهرات الضخمة من صنعها، ولا أنها أشعلت غضب الناس في مئة مدينة أمريكية، وفي صورة جارفة مدفوعة بألم إنساني طافح، قد تكون تخللتها أعمال سرقة وانفلات وتحطيم، ربما لأنها لم تجد أحدا في السلطة الأمريكية يؤازر غضبها، ويهدئ النفوس، ويتعهد بالقصاص للمخنوق علنا جورج فلويد، لا لذنب معلوم أو معتبر، سوى التعامل بورقة مالية مزورة من فئة العشرين دولارا كما يزعمون، بينما يجد القاتل الهمجي من يدافع عنه، وقد يجعله بطلا على طريقة عصابات «الكوكلوكس كلان»، التي تعتبر قتل السود مهمة ربانية، وقد قيل إن هذه العصابات اختفت، وإن ظلت عقيدتها راكزة في جهاز الشرطة وأجهزة الأمن الأمريكية، وبدلا من التعهد باقتلاع العنصرية القاتلة، وتغليظ العقوبات على جرائمها، وتحقيق العدالة كشرط لسلام المجتمع، لجأ الرئيس الأمريكي ترامب إلى التهديد بقتل المتظاهرين بالجملة، واستدعاء قوات الجيش الأمريكي، رغم معارضة البنتاغون، بعد إطلاق النار على المتظاهرين، وبعد اعتقال الآلاف، وترويع الصحافيين بالرصاص المطاطي، ودهس الناس بالشاحنات، وفرض حظر التجول، وبأسلوب التزييف نفسه، الذي اعتاده صناع أمريكا الأوائل، وقف ترامب أمام كنيسة «سانت جورج» القريبة من البيت الأبيض، ورفع نسخة من الإنجيل بيده اليمني في حركة استعراضية، وبدا كجنرال أحمق، وهو يزهو بقواته الكفيلة بفرض الأمن ودحر الغاضبين.
وكثيرا ما حاول السود تحدي قوة النظام العنصري، أو الانسلاخ عنه باستنفار القوة السوداء، وعلى نحو ما فعلت جماعة «أمة الإسلام» التي يقودها اليوم لويس فاراخان، وكان أسسها إليجا محمد، الذي استراح لنوع من الإسلام الخلاصي المهدوي، ومواجهة العنف العنصري الأبيض بالعنف الأسود، وهو ما طوره تابعه مالكولم إكس، الذي رفع شعار أفضلية السود على البيض، ونادى بإقامة كيان مستقل للسود في أمريكا، قبل أن يراجع أفكاره مع الحج إلى مكة المكرمة، واعتناقه للإسلام السني، وميله إلى التجاوب أكثر مع خطة مارتن لوثر كينغ الابن، وقد اغتيل مالكولم إكس في ظروف غامضة عام 1965، في حين تأخر موعد اغتيال مارتن لوثر كينغ الابن إلى عام 1968، كان مارتن قسا مسيحيا بروتستانيا، وأغلب السود في أمريكا يعتنقون المسيحية، وكانت طريقته سلمية تماما، استوحت سيرة المهاتما غاندي الهندية، وقاد مارتن حملات مقاطعة ومسيرات كبرى من أجل اكتساب الحقوق المدنية للسود، وحصل في الخامسة والثلاثين من عمره على جائزة «نوبل» للسلام عام 1964، وقاد مظاهرات كبرى شارك في إحداها مئتان وخمسون ألفا، ورغم سلميته الفائقة، لم يسلم مارتن من الأذى الدائم، وأحرقوا بيته مرات، وكان خطابه الشهير «عندي حلم»، هو السبب الأظهر لاغتياله على يد مجرم أبيض هارب من سجنه، مع أن مارتن كان يحلم فقط بأن يتساوى أبناء العبيد مع أبناء السادة القدامي، وأن يجلسوا معا في سلام، وقد حققت حركة الحقوق المدنية عددا من الإنجازات، وأصدر الرئيس الأمريكي ليندون جونسون لوائح مساواة مدنية عام 1968، سمحت للسود بتأكيد حقوق التصويت والترشح والتعليم، لكنها لم تقتلع العنصرية الكامنة في بنية النظام الأمريكي، فقد ظهر من السود نجوم لامعة في الحياة الأمريكية، لكن غالبيتهم الساحقة ظلت على بؤسها وفقرها، فالأمريكيون من أصل افريقي يشكلون نسبة 13% من إجمالي السكان، لكن نسبتهم تصل إلى 40% من نزلاء السجون، وإلى 30% من ضحايا جائحة كورونا، التي لم يفلح ترامب في مواجهتها، ولا في لجم ميوله الطبقية والعنصرية القاتلة، وقد يذهب ضحيتها.
كاتب مصري
‘بدلا من التعهد باقتلاع العنصرية القاتلة وتحقيق العدالة كشرط لسلام المجتمع، لجأ ترامب إلى التهديد بقتل المتظاهرين بالجملة”. نعم ترامب هدد بقتل المتظاهرين في امريكا، لكن دكتاتوره المحبب السيسي قتل الالاف منهم في ميدان رابعة كي يغتصب السلطة في مصر …
اميركا هي الطاعون! صدقت!
امتد الطاعون إلى بلادي. بالنيابة عن أميركا قام الجنرال القاتل بتقييد شعبي بالسلاسل. فرض عليه الموت وهو حي. قتل الأبرياء وأسال دمهم، منع المظاهرات، وترك التعبير لأبواقه الكاذبه المنافقة. بنى أكبر عدد من السجون وأضخمها في تاريخ المحروسة. أهدر ثروة مصر، وباع أرضها ومياهها وغازها، ومد يده إلى المرابين، وصلت إلى 120 مليارا من الدولارات.
امريكا هي البلد الجميل والشعب المتواضع وهي الثقافه والعلم والجمال والفرص التكافئه واحترام الفرد والحريه للمتدين والغير مؤمن وهي ايضاً بلد الغريب الذي تمنحه كل امتيازات ابن البلد الاصلي من اول ماتطأ قدماه ارضها العظيمه — محمود درويش صاحب المصطلح (الطاعوني) تلقى كل العنايه والاهتمام والاحترام بارقى مستشفى بهيوستن واهتموا به اكبر اهتمام بعد وفاته -رحمه الله
2-هل ما قام به الطاعون الرئيسي يشبه ما قام به الطاعون المحلي عندنا؟
هل ما يفعله الرئيس الأميركي يشبه ما يقوم به الديكتاتور المفضل إياه؟
هل يستخدم ترامب القناصة، والدهس، وكشف العذرية، والقبض العشوائي والإخفاء القسري، والحبس الاحتياطي إلى ما شاء الله للمتظاهرين، ثم يأتي بقضاة الزور ليحكموا على الضحايا بعد التعذيب والصعق الكهربي بالإعدام والسجن الأبدي؟
هل تصل عنصرية ترامب إلى تخصيص وظائف النيابة والقضاء والشرطة والجيش والإعلام والجهات السيادية والاتصالات والبترول لأبناء المحظوظين، بينما أبناء غير المحظوظين من حملة الدكتوراه والماجستير وأوائل كليات القمة في الشارع يتسولون عملا ولو في المقاهي والمطاعم ومحلات التجار؟
هل عنصرية ترامب تشبه عنصرية العساكر في بلادنا؟
3- سلالة 5 يونيو يحكموننا بالحديد والنار والعنصرية الفاشية. لا يستحون ولا يخجلون من تكرار الهزائم الرخيصة والفشل الذريع والانحطاط الفكري والسلوكي الذي جعلنا رهينة للعدو الصهيوني، نأتمر بأمره، ونعمل له حسابا في كلامنا وسلوكنا لدرجة أنه يضم أراضينا ، ويفرض سياساته الظالمة دون أن نستطيع الرد ولو بكلام أجوف مثل الذي كان يرد به الأسلاف سابقا. الأولى أن نتكلم عن الطاعون المحلي، فهذا لا علاج له الآن، بعد أن تمتع بحصانة الغدر ومناعة الخسة وسوء الأدب وتجنيد الأبواق المأجورة. نسأل الله أن يرفع عنا وباء كورونا، وطاعون العسكر الانقلابيين، وندعوه أن يدحر البلاءين في مصر والسودان وسورية كما دحر البلاء العسكري في غرب ليبيا.
إذا كانت أميركا التي يهاجر اليها ملايين البشر بحثا عن الحرية والرزق والأمن حيث النظام الديموقراطي وخلينا نقول حنونة على أبنائها فما هي ادواتها في قهر الشعوب الأخرى ومن هم ؟؟ إنهم هؤلاء الذين يطبل لهم الكثيرون مثال صاحب مسافة السكة وصبح على بلدك بقرش والذي قتل أول رئيس ينتخب في مصر ناهيك عمن قُتلوا في رابعة وتم جرفهم وكأنهم زبالة. إذا كانت أميركا هي الطاعون فهؤلاء هم مسببه وماتقول في رئيس يقتل مليون من شعبه ويهجر نصفه.
اليوم مقالك أدبي بإمتياز يا أستاذ! هل طلقت السياسة؟ ولا حول ولا قوة الا بالله
اضحك كل مره اسمع فيها كلام الإدارة الأمريكية عن سوء معامله المصريين للأقباط في بلدهم و لكنه ضحك كالبكاء على نفاق أمريكا .
طبعاً محمود درويش ذهب للعلاج والموت في امريكا (هيوستن) . درويش حلّق في مديح (الظل العالي) ولكنه هبط على اجنحة الاسفاف حين زج المقطوعات البائسه : امريكا هي الطاعون…
.
سجون مصر مليئة إلى حد عشرات الألوف غيبوا و عذبوا و ديست كرامتهم الإنسانية و حشروا في سجون لا يتنفسون بها آدمياً ليس كونهم مجرمون و جناة
وإنما لكونهم مختلفين بالرأي عن دولة الانقلاب و العسكر و معظهم حبسوا كيدياً و بهتاناً و غيبوا قسرياً بلا محاكمات و لو صورية حتى!
.
كم من المصريين نبتت لهم أجنحة و طاروا إلى السماء رحمهم الله.
.
و نظام الانقلاب العسكري السيساوي هو الاقرب للطاعون ترامب باعترافه، و فعل كل هذه الافاعيل و أغلق صنبور الحرية عن المصريين و خنقهم حرفياً..
.
فهل هناك حرص على الشعب الأمريكي اكثر من الحرص على الشعب المصري، أم أن كراهية فصيل بعينه اعمت و اصمت؟!
بالرغم من حالة الحزن الشديد التى انتابتى بعد ان شاهدت الفيديو البشع لجريمة قتل المواطن الامريكى إلا اننى بعد ان قرأت المقال تذكرت نكتة من وقت الحرب الباردة تتلخص فى لقاء مواطن امريكى مع مواطن من المأسوف على شبابه الاتحاد السوفيتى وفخر المواطن الامريكى بالحرية فى بلاده حيث قال انا بإمكانى ان ادخل الى البيت الابيض واطلب لقاء الرئيس ريجان وان اقول له فى وجهه اننى لم انتخبك ولا اريدك فرد نظيره السوفيتى انا ايضاً بإمكانى ان ادخل الى الكريملن واطلب لقاء الرفيق واقول له فى وجهه اننى لا أريد الرئيس ريجان!