المشروع السري الذي سمي انتخابات 2019 “ب” دخل أمس شهره الأخير. دافعو الضرائب ينفون ذلك، لكن المشروع الذي يكلف المليارات من أموالهم يواصل التدحرج بكامل قوته الضعيفة. يفترض الجهاز السياسي أنه -إزاء التقارب بين الحملتين، وحقيقة أن معظم اللعبة التمهيدية تجري في آب الحار والمتعب، وفي ظل انعدام الأطر للأطفال- سيستيقظ الناخبون هذه المرة في الأسابيع الأخيرة من أجل السباق. الآن، قبل شهر على موعد الانتخابات، وصلت الحملة إلى هذه النقطة. ولكن إذا سألنا المستطلعين في الاستطلاعات سنراهم يصممون على تجاهلنا.
نظرة على الاستطلاعات التي نشرت منذ بداية حملة الانتخابات تظهر أن الناخب الإسرائيلي يسهل تغيير مواقفه، وأن عدد المقاعد للأحزاب ثابت تقريباً. قد يكون ذلك رداً مضاداً للناخب أنهم يجبرونه على التصويت مرة أخرى: “إذا كانوا سيرسلونني مرة أخرى إلى صناديق الاقتراع فلن أتعاون مع هذا المهرج ولن أتردد من جديد”.
قد يكون هذا، في نهاية المطاف، الفترة الزمنية القصيرة: لن تسنح الفرصة لأحد أن يخيب الآمال، ولا يتمكن أحد من إشعال المشاعر. مثلما تقول أغنية “كل شيء على حاله والوقت هو الذي يستمر في الجريان”.
الاستطلاعات التي نشرت الأسبوع الماضي في قنوات التلفزة تظهر مشابهة لتلك التي نشرت قبل شهر. فعلياً، حدثان أثرا على توزيع المقاعد في الاستطلاعات منذ بدء الحملة الانتخابية: الأول هو الحدث الذي من أجله اجتمعنا – الكنيست الـ 22، الذي أدى إلى ضعف مزدوج في قوة الليكود. أولاً، فقد الليكود 3 –4 مقاعد وذهبت إلى “إسرائيل بيتنا” لليبرمان، الذي حظي بدعم اليمينيين – العلمانيين الذين يخافون من قوة الحريديين الكبيرة في حكومة اليمين الضيقة التي ينوي نتنياهو تشكيلها. ثانياً، المقاعد الأربعة لموشيه كحلون دخلت إلى الليكود وتلاشت هناك. “الليكود” و”كلنا” ما زالا يقفان عند 30 – 31 مقعداً، أقل من الكنيست الحالية. ولكن تقريباً مثل عدد المقاعد التي كانت لليكود في مثل هذا الوقت في الانتخابات السابقة: في آذار بلغ عدد مقاعد الحزب 28 – 30 مقعداً في الاستطلاعات. وهذا انتهى بـ 35 مقعداً.
موارد الشرب الممكنة لنتنياهو في الانتخابات القادمة تضاءلت قليلاً مع التكلس التام لحزب “كلنا”، لكنها لم تختف نهائياً. لرئيس الحكومة المزيد من مصادر الأمل: خارطة الكتل الحالية في الاستطلاعات تؤكد أن كل تغيير حقيقي يحدث فيها سيكون لصالحنا. فهو مثلاً يأمل بأن ينجح بن غفير وبنتسي غوفشتاين في الدخول إلى الكنيست. وفي استطلاعات الأسبوع الماضي تراوحا بين 2.1 في المئة و2.9 في المئة، وهي مسافة ليست بعيدة عن نسبة الحسم. هذا أمل مشكوك فيه، لكن قد يقربه من تحقيق الـ 61 مقعداً بدون الاعتماد على ليبرمان. في المقابل، يأمل يفعل حزب العمل الذي يراوح بين 5 – 6 مقاعد في الاستطلاعات الأمر غير المعقول، وربما يهبط إلى مستوى أقل من نسبة الحسم بعد التدفق نحو “أزرق أبيض” في يوم الانتخابات – بهذا ستزيد الشريحة النسبية لكتلة الموصين بنتنياهو.
لخصمه بني غانتس ثمة أسباب أقل للأمل. حتى الآن وصل “أزرق أبيض” إلى إنجازات كبيرة في الاستطلاعات، 30 – 31 مقعداً بالمتوسط. وهذا أقل مما كان له في الفترة الزمنية المقابلة في الربيع – 33 – 36 مقعداً. ولكن في تلك الفترة كان الحزب في مرحلة ما بعد التوحيد الباهر، ذاك التأثير لمرة واحدة. إذا استمر الحزب في الحفاظ على 90 في المئة من قوته في ذلك الوقت، وهو محاذٍ لليكود، فإن وضعه ليس سيئاً. وقد نجح أيضاً في تجاوز الحدث المهم الثاني للحملة الانتخابية – تشكيل المعسكر الديمقراطي. الـ 10 – 12 مقعداً التي حصل عليها في البداية هوروفيتس وشبير وباراك، أدت إلى هبوط مؤقت في عدد مقاعد “أزرق أبيض”، لكن منذ ذلك الحين تقلص عدد مقاعدهم إلى 7 – 8 مقاعد. نجح “أزرق أبيض” في إعادة مقاعده مرة أخرى وهذا أيضاً إنجاز باهر.
لـ “أزرق أبيض” مشكلة أخرى: خلافاً لنتنياهو، ليس لبني غانتس وحزبه أي سيناريو محتمل يمكن أن يساعدهم. منذ بدأت الحملة الانتخابية لم ينجح الحزب في جذب أصوات جديدة من كتلة اليمين، واحتمالية التوصل إلى كتلة حاسمة لنتنياهو بدون الاعتماد على ليبرمان تبدو في هذه الأثناء ضعيفة. ليس لها أصدقاء صغار في كتلة لا يجتازون الآن نسبة الحسم، ويمكن الأمل بأن يغيروا وضعهم. إذا فحصنا الأمور غير المرتبطة به، فإن العملية الوحيدة التي يمكن لغانتس توصله إلى مكتب رئيس الحكومة، هي أن يفي ليبرمان بوعده ويصمم على حكومة وحدة مع الليكود، وألا يتراجع وينضم إلى نتنياهو في حكومة يمينية حريدية.
معنى ذلك أنه، خلافاً لنتنياهو ومن أجل أن يصبح غانتس رئيساً للحكومة، يجب عليه القيام بأمور بنفسه. لا تهم الناخب الإسرائيلي خطط عملية، ولم يعد بالإمكان إحضار نجوم جدد بعد إغلاق القوائم، ولم تكن هناك أسماء لامعة مثل هذه على الرف. ثمة عملية واحدة يمكن لأزرق أبيض القيام بها كي يعيد إليه الزخم والمقاعد، حتى من اليمين. خطوة كهذه ستفرغ لنتنياهو خزان الأفلام القصيرة الدعائية التي نشرها حتى الآن، وسيمكن رئيس الحكومة المعين من كتلة الوسط من إظهار الزعامة: إلغاء التناوب مع يئير لبيد، الذي يجد اليمين اللين، وتحديداً الحريديين، صعوبة في استيعابه. في هذه الأثناء، يعد هذا الخطوة الوحيدة (المنظورة) التي يمكن أن توصل “أزرق أبيض” إلى رئاسة الحكومة. وإذا كانت له احتمالات ضئيلة، فما الذي يزعج لبيد أن يرفع عن نفسه المسؤولية الجزئية للخسارة؟
الانحراف عن المعيار
الخميس، شاهد أعضاء الكنيست العرب استطلاع “أخبار 13” بخيبة أمل، لكنهم غير متفاجئين: رغم الاتحاد بين القائمتين العربيتين الكبيرتين، حصلت القائمة المشتركة في هذا الاستطلاع على 9 مقاعد، وهو العدد الأقل الذي حصلت عليه في الاستطلاعات. شيء ما لا يعمل، الوحدة بين القائمتين كان يجب أن تظهر الشعور بالوحدة أمام الناخبين العرب الذين سئموا من الصراع على الصغائر بين رؤساء القوائم الصغيرة، وإخراجهم بجموعهم إلى الشوارع. وهذا لم يحدث في هذه الأثناء.
يوسف مقالدة، الذي يترأس معهد “ستاند” ويشكل مصدراً لـ “أخبار 13” في أوساط الجمهور العربي، قال إن نسبة التصويت المتوقعة في أوساط العرب -حسب الاستطلاع- لم تكن عالية، لكنها لم تكن منخفضة بشكل خاص – 50 في المئة تقريباً، وهو بيان يشبه النتائج التي تم الحصول عليها في استطلاعات سابقة في الفترة الأخيرة. ليس هذا هو ما أملت في تحقيقه القائمة المشتركة، لكنه ما زال أعلى مما حصلت عليه في انتخابات نيسان (نسبة التصويت وصلت إلى 45 في المئة). إلى أين ذهبت المقاعد المفقودة؟ ليس أقل من ثلث المستطلعين العرب الذين شاركوا في الاستطلاع الأخير أجابوا بأنهم سيصوتون لحزب صهيوني، وبالأساس لأحزاب الوسط – يسار. إذا كان الاستطلاع يعكس خارطة المقاعد التي سيتم الوصول إليها في الانتخابات، فإن الأمر يتعلق بتغيير مهم: في انتخابات 2015، 15 في المئة فقط من المصوتين العرب صوتوا لأحزاب صهيونية. وعدد المصوتين تضاعف هذه المرة. هذا المعطى يكرر نفسه بدرجة ما في الاستطلاعات الأخيرة.
من ناحية القائمة المشتركة، يبدو أن الأمر يتعلق بأنباء سيئة –فجأة هناك منافسة على الصوت العربي– لكن هناك مشاكل أكثر خطورة: بدلاً من التصميم على تحويل المصوتين الذين انتقلوا إلى أحزاب أخرى، يمكن العمل على إخراجهم من البيت بالتنازل عن متعة الذهاب إلى صناديق الاقتراع. أما من ناحية استراتيجية فتعتبر هذه المهمة أسهل.
تبدو هذه أنباء جيدة من أجل اللعبة الديمقراطية في إسرائيل. 9 مقاعد للقائمة المشتركة قد تبدو مثل المس بتمثيل المواطن العربي في الكنيست، لكن إذا لم ينبع الأمر من غيابه في صندوق الانتخابات، بل من التصويت للأحزاب الصهيونية، عندها لا يكون هناك أي ضرر. فعلياً، العكس هو الصحيح؛ إذا افترضنا أن المعطيات تدل على أن الأحزاب الصهيونية اكتشفت الجمهور العربي، وبدأت في التوجه إلى المواطن العربي، وهي الآن تحاول إقناعه بالتصويت لها، حينئذ يمكنه التعبير عن صوته في مواقع التأثير في الائتلاف.
على فرض أن هذا هو الوضع، ربما يفكر الناخب العربي بأنه إذا دخلت القائمة المشتركة إلى الكنيست في كل الأحوال فمن الأفضل أن أجرب إعطاء صوتي لاحتمالية أن يكون عيساوي فريج ونيتسان هوروفيتس وزراء. أو ربما من الأفضل أن أزيد حجم “أزرق أبيض” ليكون أقوى من الليكود بدرجة كبيرة على أمل أن يساعد ذلك في شيء ما. وحينئذ يمكن لأزرق أبيض فعله بنفسه أن يحسن وضعه باستثناء إلغاء التناوب: يفعل مثل نتنياهو قبل حل الكنيست، خلافاً لإرادته، ويجرّب العرب.
بقلم: أمنون هراري
هآرتس 18/8/2019