أمل مرقس: أغني قصائد شعرائنا التي تعكس طموحاتنا وأحلامنا كي لا يتعب الأمل

زهرة مرعي
حجم الخط
1

تدفقت المعاني والعواطف والذاكرة الجمعية في حفلات «عِنّا أمل»

بيروت ـ «القدس العربي»:  صوتها دافئ يعبر بصدق عن اختيارتها الفنية المدروسة، العاطفية منها والوطنية. إنها الفنانة أمل مرقس التي ختمت مؤخراً وبنجاح سلسلة حفلاتها في فلسطين بعنوان «عِنّا أمل» واستقطبت جمهوراً جديداً بعمر الشباب.

ابنة قرية كفرياسيف ولدت ولا تزال تعيش بأرض آبائها وأجدادها، تشكرهم لصمودهم في الوطن إثر احتلاله من قبل العصابات الصهيونية. ولهؤلاء تردد بسخرية وتهكم، تماماً كما رغب سميح القاسم أغنية «دولا».
تتابع مسيرتها مدعومة بإيمانها بدورها ورسالتها. تُحصّن ذاتها باختيارات فنية مدروسة. وهي حالياً محظوظة برعاية ابنها الفنان الشاب فراس زريق. فهو يحمل نبض الشباب وروح التجديد بدون شطط، وهي مستعدة للخوض في كل تحديث فني.
مع أمل مرقس هذا الحوار:

○ قرأت على موقع «ويكيبيديا» أنك مولودة في «فلسطين الداخل». ماذا يعني لك هذا التعريف؟
•بصدق أقول إننا لسنا من اختار التعريفات. لكنّي محظوظة لأني بقيت في الوطن، وأشكر والديَ لأنهما تمكنا من البقاء. كان لقريتي كفرياسيف حظ بأن المحتلين لم يهجّروا سكانها، بل استقبلت الكثير من اللاجئين من القرى المجاورة. لكفرياسيف نضالاتها الدائمة دفاعاً عن الأرض، وفي مرحلتي العمرية هذه حيث إبنتي وإبني باتا شباباً، أشعر مجدداً وبعمق بأني محظوظة لبقائي في وطني وفي قريتي. لم تكن الحياة سهلة بل واجهت تحديات جمة، بخاصة لكوني امرأة. في هذا المجال أتحدث عن الإخوة في الوطن العربي وكيف يتعاملون مع فلسطيني صمد في وطنه، وحمل هوية فرضت عليه منذ 1948. البقاء في الوطن والتعامل مع من احتله معادلة شاقة. فرض المحتل علينا أجندته، ومؤسساته وهويته ولغته. أحياناً نضيع في التعريفات هل نحن فلسطينيي 48 أم الداخل، أم من الأصلانيين؟ هنا أنا وسأبقى رغم كل التحديات والثمن الكبير لكوني فلسطينية تحمل هوية إسرائيلية، كما مليون و250 ألف فلسطيني آخرين. ولا شك بأن الفلسطيني في الشتات له هموم من نوع آخر وربما أصعب. المهم أننا بعد 73 سنة من النكبة ما زلنا فلسطينيين ونعيش في فلسطين. وهويتي الثقافية واضحة، وأغني بلهجة وطني، وأكتب وأتكلم بلغتي، ولا أجد ضرورة لرموز تثبت انتمائي. أنا فلسطينية حتى النخاع، واضحة المعالم وشفّافة أمام جمهوري. وأهتمُّ بالقول أني من فلسطينيي الداخل ليعرف الجميع بوجود مليون و250 ألف فلسطيني منزرعين في فلسطين التاريخية. وهؤلاء يختلفون عن الفلسطينيين في غزّة والضفة والمخيمات في لبنان أو الأردن وسوريا، وفي الشتات. في حفلاتي خارج البلاد يستقبلني الجمهور بدفء وحنان، ويتسم اللقاء بعمق أكبر كوني آتية من الجليل ومن رائحة فلسطين. وأغني بالعامية، وأيضاً القصائد التي كتبها شعراؤنا، والتي تعكس أحلامنا وطموحاتنا وشخصيتنا. كما وتختزن حكمة الشعب ومطالبه، حيث أجد لرسالتي عمقها الأوسع. في النهاية هذا التعريف حمل ثقيل وصعب، وكان له ثمن وقد دفعته. ولابد سيأتي يوم ونُنصف فيه، فنحن نستحق الحياة والاحترام، وعدم التخوين والإهانات، وأرفض أن يُطلب مني إثبات فلسطينيتي.
○ «عنا أمل» عنوان جولتك لهذا الصيف كان آخرها في الناصرة. ما هي حيثيات اختيار العنوان المُعبّر؟
•قبل عشر سنوات كنت بصدد إحياء حفل بمناسبة يوم المرأة في عكا، فاختارت رابطة الأكاديميين عنوانها «عنّا أمل في عكا». أعجبني الاختيار والمزج بين اسمي والأمل. وعندما كنا بصدد جولة الصيف المنصرم التي نظّمها مكتب «نسمة» لصاحبه وطن سميح القاسم اختار عنوان «عنّا أمل». وكان لشركة الإنتاج قبل 20 عاماً الاختيار نفسه عنواناً للألبوم. اختيار وطن القاسم للعنوان تناغم والعودة بعد الإقفال وتراجع الوباء. ووجدته مناسباً نظراً للتحديات الجمة في المجتمع الفلسطيني وخاصة انتشار العنف. «عنّا أمل» يحمل دعماً معنوياً، فالفن يرفع المعنويات، ويدخل قلوب الناس ويثير داخلها أحاسيس معينة. «عنّا أمل» مرتبط بإسمي الذي اختاره والدي عندما ولدت كفتاة خامسة، فيما أرشده كثر لأسماء «نهاية، تمام أو كفى». رفض، وكنت أمل التي ولدت بعد النكسة بسنة. وتضمن برنامج الجولة أغنيات تُطيب خاطر الناس، تمنحهم الحنان والتفاؤل ويلتقي حولها أجيال عدّة.
○ في كل حفل من جولتك تغنين لساعتين تقريباً. كيف تنسقين البرنامج بحيث تفوزين بالإنصات والتفاعل؟
•أصمت ليوم كامل قبل الحفل، وأنام باكراً على مدار أيام، وامتنع عن المأكولات المسيئة للصوت. أقوم بتمارين رياضية وتنفس. أحببت اختيارات فراس زريق للبرنامج والذي جمع أغنيات من ألبوم «نعنع يا نعنع» إلى أغنيات سكابا، وأخرى نسائية من اختياري. وتوافقت مع فراس في ترتيب الأغنيات بحيث ننطلق بأغنية شعبية. كان بين الحضور جمهور يتابعني للمرة الأولى، وتلقيت رسائل من شباب ينوهون بالأغنيات. تميزت الفرقة الموسيقية بالغنى وتألفت من القانون، و2 كمان، وتشيللو، وغيتار كلاسيك وآخر كهربائي، باص، ودرامز وإيقاعات شرقية وأخرى منوعة، وناي، وكورال من أربع صبايا مهنيات جداً. هذا التنويع جذب الجمهور وأدى للإنصات والإصغاء والتفاعل. دينامية معينة ربطتني بالجمهور، وأخرى سرت مع فراس زريق كموسيقي أول على القانون وقائد للفرقة. تدفقت العواطف والمعاني والذاكرة الجمعية في كافة الحفلات، شعر المستمع أننا منه وله، وبالوقت عينه حملته الأغنيات إلى مطارح جديدة. تفاجأ بأغنية «أنا من هنا» ذات الشكل الدراماتيكي، والتي ارتفعت في «وأكسِر جدار الصمت» وإلى الترداد الرتيب الذي تتضمنه القصيدة، وهو تأكيد أننا من هنا، من الناصرة، وعكا وحيفا. يردد الجمهور الكثير من أغنياتي لدى سماعه للنغمة الأولى. ويحدث هذا التفاعل الكلّي مع الفرقة الموسيقية التي تبقى عيني عليها. المسرح هو المكان الذي أحبه، فهو بيتي الأساسي. والنجاح لساعتين ينطلق مما سبق، إضافة للإضاءة وتقنيات الصوت، والمؤثرات التي اعتمدها فراس روبي إبن عكا والذي كتب ولحن أغنية «كبر القلب» التي قدمتها بتوزيع جديد، بحيث بتنا نطير معها إلى الأبعد.


○ جميلة أغنية «دولا» للراحل سميح القاسم. لماذا وقع خيارك عليها لتغنيها؟
•كنت بعمر الخمس سنوات عندما سمعت «دولا» في عرس. الأغنية نغشة للغاية ولازمتها سهلة الحفظ. غنيتها منذ الطفولة، وسمعتها بصوت الفنان سمير طنوس الحافظ الرخيم في يوم الأرض. كما سمعتها على المسرح من سميح القاسم. قبل سنوات فاجأني إبني فراس زريق برغبته في إعادة توزيعها لتكون جاهزة في يوم التضامن مع الشعب الفلسطيني. وفعلاً صدرت في 29 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 بعد أن سجلها فراس في الولايات المتحدة مع عازفين عرب وآخرين مقيمين في البلاد. بعد اكتمال التسجيل صورنا الأغنية فيديو كليب حيث اختار المخرج البدء من منزلنا ومن مكتبة والدي والصور والرموز التي كان يحبها. وظهرت والدتي وهي تقدم لي صوراً قديمة من بينها واحدة لسميح القاسم. ومن ثمّ انطلقت مع مجموعة نساء وأطفالهن وعدد من الصبايا نوزع المناشير ونُلصق على الجدران كلمات القصيدة. كُتِبت «دولا» في المرحلة التي تلت حرب الغفران حيث كانت الرقابة شديدة على البرامج الثقافية والفنية خاصة على الطلاب الفلسطينيين في الجامعات الإسرائيلية. كتبها سميح القاسم وأداها في مطعم الأمم في حيفا رافقه عزفاً على العود رجب الصلح رحمه الله. رغم منع الأغنية من قبل الرقابة انتشرت وغنّاها الطلاب على درج الجامعة. أعدت إحياءها لأنها تختزن تاريخ شعبنا، نؤديها بفرح وسخرية وتهكم، فهذا يشكل نوعاً من الصمود. ولهذا أضحك ويضحك معي المشاركون في الكليب. أرادها سميح القاسم قصيدة برسائل رمزية كبيرة. أحتاج لهذا النوع من الأغنيات كي لا يتعب الأمل.
○ أولى أغنياتك المُسجّلة «نحن في حِلٍ من التذكار» سنة 1986. ماذا تذكرين عنها؟
•صحيح هي أولى أغنياتي الخاصة، سجلتها سنة 2003 وهي من الأغنيات التي لحنها والد أبنائي الفنان والمهندس نزار زريق. غنيتها في اوديتوريوم حيفا بحضور مبهر وكبير. وهي تُشكّل مقطعاً من «يوميات جرح فلسطيني» والذي أديت منه أغنيتين منفصلتين «آه يا جرحي المكابر وطني ليس حقيبة» و «أنا لست مسافراً» وهذه الأغنية ختمت ألبوم «أمل» الأول. قرأت أن هذه القصيدة أتت رداً من محمود درويش على قصيدة للشاعرة فدوى طوقان تضمنت نقاشاً حول مفهوم الوطن بعد الاحتلال. غنيتها بداية مع غيتار أو بدون موسيقى، وهي الآن ذات توزيع سيمفوني رائع ومعبّر. القصيدة تؤثر بي كثيراً لأني شديدة الانتماء لبلدي.


○ مؤسسة محمود درويش كرّمتك سنة 2018. هل التكريم مسؤولية برأيك؟
•حصلت على تكريمات متعددة، وأحب الصغيرة منها. على سبيل المثال التكريم من الصف الأول في قرية سالم على حدود جنين حين استعدّت شعب الصف الأربع لحضوري وهم يحفظون أغنية. أتحاور معهم ويهدوني رسوماتهم. منزلي مليئ بالرسومات والملفات من أطفال. يرى المعلمون في أغنياتي ما يساعد على الانتماء وترسيخ الهوية، كما فيها مضامين اجتماعية تدعو لرفض العنف واحتواء الضعيف وحقوق النساء. أعتز بالتكريم رغم كوني من عائلة تعمل ولا تنتظر مقابلا. تسعدني التكريمات المعنوية، لم يكن لي يوماً تكريم مادي ولن يكون. التكريم مسؤولية للحفاظ على جودة الفن والمهنية العالية. جميل تبادل المحبة مع الناس، وأنا أشكرهم وأشكر لهم تكريماتهم.
○ أنجزت حتى تاريخه خمسة ألبومات. هل لنا تسليط الضوء على مكامن التمايز والتغيير بينها؟
•الألبومات الخمسة هي «أمل، شوق، نعنع يا نعنع، بغن وفتح الورد». إضافة لثلاث أغنيات جديدة هي ناس، ودولا وأنا من هنا. بحوزتي أغنيات جاهزة وآمل إنجاز الألبوم السادس في السنة المقبلة. رغم الإقبال على الأغنية المنفردة، الإمساك بالألبوم الجديد يسعدني، حتى وإن احتلّت المنصات الإلكترونية الأولوية في السماع. أنتج أعمالي بنفسي، وأتعاون مع مجموعة جميلة من الفنانين بينهم إبني فراس زريق الذي درس التلحين والتوزيع وغيره في الفن. ألبوماتي لا تتشابه بل تتماثل مع شخصيتي الملونة. ألبوم «أمل» الأغلى كونه الأول، وهو استهلك مني جهداً كبيراً عاطفياً وتقنياً ومادياً، وشكّل هويتي الأولى، وأصفه بالطلائعي والمنوع. ألبوم «شوق» تضمن عدداً كبيراً من القصائد. ليس لي نقد أعمالي، وأختصر بأني عملت بصدق. معظم الأغنيات حققت نجاحاً، خاصة وأني خرجت من ثوب التراث وغامرت بأغنيات جديدة. ولم أكن يوماً محكومة لما يُعرف بالسوق. ألبوم «نعنع يا نعنع» عمل بني على بحث مع الجدّات. و«فتح الورد» ثيمته البيت. إنه البيت الجميل الذي تهدمه دبابة. ويتضمن قصائد لتوفيق زيّاد وأغنيات محكية، وكلمات لصلاح جاهين، وأغنية صوت المرأة من كلماتي. وكافة أغنيات هذا الألبوم وجدت طريقها للشهرة، لأني استفدت من نشرها عبر وسائط التواصل الاجتماعي الجديدة. فخورة بألبوماتي الخمسة والنقد متروك للنقاد.
○ أمضيت طفولتك وشبابك في قريتك كفرياسيف. ماذا تقولين عن هذه القرية وناسها وفنانيها سيما وأنها على حدود لبنان؟
•نعم، وفيها أنهيت تعليمي الثانوي، ومن ثم انتقلت للدراسة في معهد الفنون الأدائية في منطقة تل أبيب. تزوجت وسكنت في حيفا، ومن ثمّ عدت إلى كفرياسيف مع أطفالي وما زلت فيها. والدتي ووالدي ولدا أباً عن جد في كفرياسيف. جدتي والدة أبي جاءت من الكفير في لبنان وسكنت قريتنا مع عائلتها وشقيقاتها وأشقائها وكانوا جميعاً متعلمين. في طفولتي كانت القرية ريفية قروية منتمية للطبيعة. ما زلنا نشتغل موسم الزيتون الخاص بنا. بلدتنا ذات اقتصاد مستقل، فيها الكثير من المعلمين والأطباء والمحامين. تبعد ربع ساعة من عكا، وثلث ساعة من رأس الناقورة في لبنان. وهي محاطة بقرى البصة والكابري والنهر والكويكات وغيرها. تشبه بلاد الشام في الشكل والبناء والأزهار والحقول والأشجار وأنواع الطعام والأعراس والأفراح. كبُرت القرية وتطورت وصارت تشبه منطقة صناعية أكثر من كونها قرية، والتغيير البيئي الحاصل فيها مأساوي. سهل القمح امتلأ بالسيارات المحطمة. الحمد لله أن المكان الذي أعيش فيه لا يزال محاطاً بالأشجار. في هذه القرية بدأت فنياً وشاهدت مسرحيات سعدالله ونوس في نادي السلام. وتابعت محاضرات أميل حبيبي، واستمعت لمهرجان الشعر، وشاهدت سميح القاسم. وفي منزلنا جرى التحضير لمظاهرات الأول من أيار، وإلى بلدتنا كانت تأتي الوفود من القرى الأخرى مع أعلامها الحمراء والطبول. وشعارات النضال من أجل حقوق فلسطينيي الداخل. لا بعد طائفي واضح في بلدتنا، وهذا جميل. خرجت نساؤها للتعلّم منذ ثلاثينيات القرن الماضي. وحين منعنا الاحتلال أن نتعرّف إلى تاريخنا امتلأت القرية بنشاطات «أندرغراوند» التي شكلت تعويضاً ثقافية ومعرفياً.


○ تتعاونين مع فراس زريق بالكلمات والتلحين والتوزيع. هل للأم أن تعطي شهادة بإبنها؟
•فراس إبني وأحبه كثيراً، بات زميلاً وصديقاً، كما أحب ابنتي يارا كثيراً. علاقتي بهما ناضجة، عاشا معي حياة أمل الأم والفنانة ولم أكن مزدوجة في شخصيتي. فخورة بفراس المثابر والذي يدرس وينتج، ودائماً نتائج تعليمه امتياز. يعجبني فيه أنه صاحب رسالة ويتقن أن يكون طفلاً يعيش ويفرح، وفي الوقت نفسه هو فنان ملتزم بعمله، وقارئ نهم، تعلّم بلاغة اللغة والعَروض ليتمكن من كتابة الأغنيات. له أعماله الخاصة التي أنتجها في الولايات المتحدة حيث يعيش الآن. إنه عازف قانون بارع، تمكن من تطويع الآلة نحو أنماط موسيقية عدة. ألحانه تمس القلب، وأهم صفاته الإنسانية والإحساس العالي. أحب أصالته وتواصله الدائم مع جدتيه. أتمنى له تطوير مشروعه الخاص أكثر وأكثر.

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول علا:

    كل الاحترام
    مقابله شامله وتلخيص لحياتك المتواضعه حبيبتي أمل
    ذكرتيني بايام الصغر والفرحه لما كنت ازوركم
    بيت مليء بالمحبه والعطاء والدفء والحنان?

إشترك في قائمتنا البريدية