عمان- «القدس العربي»: تجنبت الحكومة الأردنية بصيغة ملموسة، التعليق على النبأ الأكثر حداثة من جهة صحافة إسرائيل الأسبوع الماضي، حيث بدأت فرق هندسية تتبع الجيش الإسرائيلي بوضع اللمسات الأولى في مناطق التماس الحدودي لإقامة الجدار الأمني العازل الذي تحدث بنيامين نتنياهو عن إقامته بين الأردن والكيان.
راقبت حكومة عمان المشهد بدون تعليق. والانطباع السياسي حتى اللحظة هو أن الصمت الرسمي الأردني عن هذه الخطوة مرتبط بمسارات التكيف المحتمل والترقب للمرحلة التي ينشغل بها الجميع أردنياً تحت عنوان: ما الذي سيطلبه منا أو يفرضه علينا الرئيس الأمريكي الجديد دونالد ترامب؟
الإجابة عن هذا السؤال المحوري في نقاشات الأردنيين عنصر مؤثر في جزئية الاشتباك مع الجدار الإسرائيلي العازل في منطقة الأغوار.
المستويات الرفيعة في غرفة القرار درست وتفحصت الاحتمالات، ومسبقاً تقرر تعديل وتغيير اللهجة في التعاطي مع مرحلة ترامب الجديدة، والتفاعل معها بطريقة أو بلهجة مختلفة عما كان عليه المشهد في الولاية الأولى.
جزء من المعطيات التي تم تفحصها هو ذلك الذي يشير إلى أن الرئيس ترامب سيدعم وبقوة سيناريو إسرائيل في بناء السيطرة لها على المناطق الحدودية مع الأردن ضمن بروتوكول أمني خاص يتحدث عن شريط أمني عازل، حتى إذا وجد مشروع ضم المناطق “سي” بالضفة الغربية مكانه في الخارطة الجديدة.
ذلك لا معنى له إلا “ضم الأغوار”. والمعنى هنا سياسياً، أن الصمت البيروقراطي والدبلوماسي على عمليات الحفر الهندسية التي تجري الآن في الجانب الآخر من الأراضي المحتلة في الأغوار هو انعكاس لاستراتيجية الترقب والجلوس في منتصف المسافة، في ظل ما وصفه رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري، بسيولة استراتيجية في الإقليم تدفع الأردن للحرص والانتباه. في الماضي القريب، اعتبرت اللهجة الأردنية الرسمية أي محاولة لضم الأغوار بمثابة إعلان حرب.
لكن المؤسسات الرسمية في عمان تبذل جهدها لتعريف استراتيجية الحفاظ على مستقبل البلاد، بمعنى عدم التورط بمواقف لا يمكن التفاعل معها أو تغيير مسارها وكلفتها باهظة، الأمر الذي يدفع حكومة عمان للتعامل مع ما تسربه صحافة إسرائيل عن بناء جدار تمهيداً لضم الأغوار من الطرف الآخر وكأنه شأن فلسطيني.
وما يقال في الغرف المغلقة، أن سلطة رام الله الفلسطينية لا تعترض ولا تواجه، فيما لا تبدو الحجج والذرائع الإسرائيلية بخصوص الاحتياجات الأمنية الحدودية مقنعة للأردنيين بكل حال.
صحافة إسرائيل ولتبرير إقامة جدار نتنياهو، تنشر يوماً تلو الآخر أنباء مفبركة عن حالات تسلل واختراق للحدود. لكن الظروف والاعتبارات التي تحيط بعدم وجود قراءة عميقة لما يمكن أن يحاول فرضه على الأردن الرئيس ترامب، هو الذي يدفع لغياب بعض الأدبيات المعتادة والمألوفة.
كما يدفع عمان تجاه تخفيف لهجتها قدر الإمكان واستخدام عبارات عمومية أكثر ومدروسة، حيث عملية تنظير تجري وفقاً لوصف الرئيس المصري وساسة آخرين لفكرة “الاستعداد للنزول عن الشجرة” بعدما اشتبك الأردن بغلاظة وقسوة وخشونة مع اليمين الإسرائيلي. قالها مبكراً لـ “القدس العربي” وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي: الأولوية المطلقة هي لوقف إطلاق النار على الأهل في غزة ووقف نزيفهم ومساعدتهم وإغاثتهم.
لذلك يأمل الساسة والمسؤولون في دوائر القرار بأن تساهم جهود الإغاثة الفارقة لقطاع غزة في تفهم الرأي العام للغياب المفاجئ لبعض العبارات عن اللهجة الأردنية.
والسبب فيما يبدو، عندما تتطرق الجزئيات لجدار نتنياهو في الأغوار والانطباع المسبق، أن الرئيس ترامب سيدعم ضم جزء من أراضي الأغوار لإسرائيل تحت عنوان المقتضيات الأمنية في المرحلة اللاحقة. ذلك بكل حال، ووفقاً لقناعة مستويات رفيعة في المؤسسة الأردنية، لم يعد يشكل أي ضمانة حقيقية لأمن إسرائيل.
وما فهمته “القدس العربي” سابقاً من رئيس مجلس الأعيان المخضرم فيصل الفايز، أن اللعبة في ثنائية الحدود والأمن تغيرت، والجدران الأمنية لم تعد توفر الحماية والأمن لأحد في العالم بعد المسيرات والمقذوفات العابرة لأي حدود، بينما القيادة الأردنية تبلغ الكون منذ سنوات بأن السلام الحقيقي العادل والشامل وحده ما يوفر ضامنة لإسرائيل. قناعة الأردنيين راسخة بأن الجدران الإسمنتية والأسلاك الكهربائية على أكتاف الأغوار من الجانب الإسرائيلي، لا توفر الأمن للإسرائيليين في كل حال، فيما التنكر لدور الأردن السياسي والسيادي أصبح ملاذاً مباشراً من متطرفي تل أبيب على دور الأردن الناشط والفاعل في فضح الممارسات الإسرائيلية التي ارتكبت في غزة، والتي وصفها الوزير الصفدي مؤخراً بأنها تحولت إلى “مقبرة للأطفال والأخلاق والقانون الدولي”.
وعيله، يمكن الاستنتاج بأن عمان تشتبك وتواصل اشتباكها مع اليمين الإسرائيلي. لكن العودة إلى صيغة “سلام شامل وعادل”، توفر حبل النجاة سياسياً بدلاً من المجازفة باحتكاكات متبادلة مع حقبة الرئيس ترامب، ومن باب الحفاظ على مصالح ومستقبل المملكة قبل بقية الاعتبارات، مادامت أجندة ترامب غامضة، وما تيسر من معرفة بخصوصها تتمثل في نيته دعم مشروع ضم جزئي لأراض في الضفة الغربية يشمل مناطق حدودية في الأغوار والمناطق “سي”؛ ما يفسر الحذر الأردني في إطلاق تصريحات بالخصوص هنا أو هناك.