لم تتوقف ضربات الطائرات المسيرة والضربات الصاروخية الإيرانية على مدن إقليم كردستان العراق، والحجج كانت مختلفة، فمرة ادعت طهران أنها تهاجم مقرات الموساد الإسرائيلي في العراق، ومرة إنها تهاجم مقرات الحركات الكردية الإيرانية الانفصالية، ومرات من دون حتى إعلان الأسباب، وبات الأمر محرجا للحكومات العراقية المتعاقبة، إذ تفرض عليها طهران تعاملا استعلائيا وكأنها تتحرك في حديقتها الخلفية.
الملفات العالقة في العلاقة الشائكة بين بغداد وطهران متعددة، وبات قائد فيلق القدس في قوات الحرس الثوري يتصرف وكأنه الحاكم العسكري للعراق، إذ يجتمع مع رجال الحكومة من عسكريين ومدنيين، ويعطي توجيهاته بحزم، وربما كان هذا الأمر مخفيا على أيام الجنرال قاسم سليماني، لكنه اليوم بات أكثر علانية مع خلفه الجنرال إسماعيل قاآني.
مع توتر الحالة الداخلية في إيران نتيجة مرور أكثر من شهرين على الحركة الاحتجاجية التي هزت مختلف مدن إيران، علقت حكومة إبراهيم رئيسي فشلها في حل أزمة الاحتجاجات على شماعة الحركات الكردية المعارضة، التي اتهمتها بتحريك الشارع الإيراني، وابتدأت بشن ضربات وهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على الداخل العراقي. وهي حالة لم تكن جديدة، إذ شنّ الحرس الثوري الإيراني سابقا، في آذار/مارس الماضي، هجمات صاروخية على موقع بالقرب من القنصلية الأمريكية في أربيل، بحجة استهداف «المركز الاستراتيجي للمؤامرة الصهيونية»، وقامت قوات الحرس الثوري الإيراني هذه المرة بعمليات قصف في تشرين الأول/ أكتوبر، طال مناطق متفرقة في بلدتي سيدكان وكويسنجق شمال أربيل وشرقي السليمانية في إقليم كردستان العراق، راح ضحيتها 18 قتيلاً، بينهم طفل وامرأة، إلى جانب 58 جريحاً، غالبيتهم من المدنيين. وقابلت حكومة بغداد وحكومة أربيل هذه الاعتداءات باحتجاجات خجولة. إذ قال بيان لوزارة الخارجية العراقية: «الهجمات المتكررة التي تنفذها القوات الإيرانية والتركية بصواريخ وطائرات مسيرة على إقليم كردستان، تعد خرقا لسيادة العراق، وعملا يخالف المواثيق والقوانين الدولية التي تنظم العلاقات بين البلدان»، وأضاف البيان أن «الحكومة العراقية تؤكد على ألا تكون أراضي العراق مقرا أو ممرا لإلحاق الضرر والأذى بأي من دول الجوار، كما ترفض أن تكون ساحة للصراعات وتصفية الحسابات لأطراف خارجية». في زيارته لبغداد في 14 تشرين الثاني/نوفمبر، هدد الجنرال قاآني حكومة بغداد وحكومة الإقليم بما ستعمله القوات الإيرانية نتيجة عدم ضبط الحدود العراقية، وقد كشف تقرير لوكالة اسوشيتيد برس الأمريكية أن قائد «فيلق القدس»، هدد خلال زيارته الاثنين 14 نوفمبر لبغداد بأن بلاده ستشن عملية عسكرية برية شمالي البلاد، في حال لم تقم القوات العراقية بتعزيز أمن الحدود البرية، واتخاذ اللازم ضد الجماعات الكردية المعارضة. كما تحدثت تسريبات عن قائمة شروط سلّمها الجنرال قاآني للعراقيين تضمنت تفكيك تجمعات المعارضة الكردية الإيرانية وسحب سلاحها، ونقلها بعيدا عن الحدود، وأن يتولى الجيش العراقي الاتحادي مسؤولية الحدود مع إيران، وليس البيشمركة فقط. وعقد قاآني عدة اجتماعات مع رئيس الحكومة محمد شياع السوداني ورئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد، بالإضافة لعدد من قادة قوى «الإطار التنسيقي» وقادة الفصائل المسلحة الحليفة لطهران، وحسب عدد من المسؤولين العراقيين، فإن قاآني قال للذين التقاهم إنه في حال فشلت بغداد في الاستجابة لمطالب طهران، فإن إيران ستشن عملية عسكرية خاطفة، بالاستعانة بالقوات البرية، وستواصل قصف مواقع المعارضة الكردية. لكن تقرير أسوشييتد برس، أكد بناء على معلومات استقاها من المسؤولين العراقيين، أنه لا توجد أي أدلة تؤكد صحة المزاعم الإيرانية بحق الجماعات الكردية، وأضاف التقرير أنه رغم إقرار الجماعات الكردية المعارضة الموجودة في كردستان العراق بوجود روابط قوية تجمعها بكردستان إيران، فإنها تنفي قيامها بتهريب الأسلحة وتسليمها للمتظاهرين.
الملفات العالقة في العلاقة الشائكة بين بغداد وطهران متعددة، وبات قائد فيلق القدس في قوات الحرس الثوري يتصرف وكأنه الحاكم العسكري للعراق
قبيل سفر السوداني إلى طهران، حمل ملف الأزمة إلى أربيل والتقى برئيس حكومة كردستان نيجرفان بارزاني، واتفق الاثنان على خطة سيحملها السوداني إلى طهران مفادها تشكيل وحدات مشتركة من الجيش وحرس الحدود وقوات البيشمركة الكردية تتولى البدء بعمليات انتشارها على الحدود مع إيران في أقرب وقت ممكن، مع إنشاء نقاط مراقبة حدودية لمنع تسلل أفراد المعارضة الإيرانية من وإلى العراق، بالإضافة إلى إيقاف أي دعم كردي حكومي أو حزبي في الإقليم لجماعات الأحزاب الإيرانية المعارضة، وإغلاق مقرات أحزابهم في السليمانية وأربيل، وإجراء حملات تفتيش لمخيمات اللاجئين الكرد الإيرانيين، وتحديد مسؤولية الإشراف على إدارة هذه المخيمات من الأمم المتحدة حصرا. بعد يوم واحد، وفي يوم الثلاثاء 28 نوفمبر كان السوداني في طهران حاملا ما اتفق عليه مع بارزاني، لكن كل هذا الكلام لم يأخذ بجدية من الجانب الإيراني، ففي زيارة رئيس الوزراء العراقي الأولى لطهران بدا وكأنه ذاهب لتلقي التعليمات التي يجب عليه تنفيذها. فعلى الرغم من إعلان الإعلام العراقي والإيراني عن الملفات التي ستتم مناقشتها مع الحكومة الايرانية في زيارة السوداني لطهران، التي تضمنت الملفات الأمنية والاقتصادية والسياحية، ومشكلة مياه الأنهار المشتركة بين البلدين وتجهيز العراق بالغاز لتشغيل محطات الكهرباء، إلا أن تصريحات القيادات الإيرانية أوحت بأن الزيارة كانت مخصصة للوضع الأمني الإيراني فقط.
في طهران، عقد محمد شياع السوداني عدة اجتماعات، إذ التقى بالمرشد الاعلى السيد علي خامنئي، كما التقى بالرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، والنائب الأول للرئيس محمد مخبر، ورئيس مجلس النواب محمد باقر قاليباف، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان. وقد صرح السوداني بعد عودته إلى بغداد قائلا: «أنهينا زيارتنا إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وأجرينا مباحثات جدّية مع القيادة هناك، وفي مقدمتهم السيد علي خامنئي»، وأضاف: «نتطلّع لمزيد من التعاون الثنائي من أجل المضيّ قدماً بملفّات الأمن والاقتصاد والثقافة والسياحة الدينية»، من دون ذكر أي تفاصيل أخرى. وربما كان التصريح الأهم للسوداني بعد لقائه مع خامنئي، إذ أشار إلى أنه «وفقا للدستور العراقي، لا يسمح لأي حزب باستخدام الأراضي العراقية لزعزعة أمن إيران. وأضاف: أن «أمن إيران والعراق متشابكان، ووفقاً للدستور لن نسمح لأحد باستخدام الأراضي العراقية لزعزعة هذا الأمن». كما صرح بأن «مستشار الأمن القومي العراقي حاضر أيضا في هذه الزيارة، وسيناقش القضايا الأمنية مع نظيره الإيراني من أجل التوصل إلى تفاهم حول آلية العمل والتعاون الميداني في هذا المجال ومنع أي توتر». لكن السيد خامنئي كان أكثر وضوحا في حديثه أثناء لقائه السوداني، إذ شكّك في تعهّد العراق بضبط الحدود بين البلدين أمنيا، وعندما أكد رئيس الوزراء العراقي على أن بغداد مصمّمة على عدم «السماح باستخدام الأراضي العراقية لتهديد أمن إيران». رد عليه خامنئي بالقول «للأسف يحدث هذا الأمر في بعض مناطق العراق»، وفق ما نقلت عنه وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء «إرنا». وتابع المرشد الأعلى» الحل الوحيد يكمن في توسيع سيطرة الحكومة العراقية على تلك المناطق أيضا»، وأكد على «ضرورة تنفيذ جميع الاتفاقات المبرمة في وقت سابق بين طهران وبغداد، كما حذر من بعض النوايا التي لا ترغب بحصول اتفاق وتعاون بين هذين البلدين»، مشيرا إلى التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري وربط سكك الحديد بين البلدين. واختتم خامنئي بالقول:»طبعا موقفنا حيال أمن العراق هو أنه لو أراد أي طرف المساس بـأمنه، فستكون صدورنا دروعا لمواجهته من أجل الحفاظ على أمنه».
تحركات القوات المدرعة الإيرانية ما تزوال تجري قرب الحدود العراقية، إذ أعلن قائد القوات البرية في الحرس الثوري الإيراني الجنرال محمد باكبور، إرسال وحدات مدرّعة وقوات خاصة إلى المناطق الكردية بهدف «منع تسلّل إرهابيين» من العراق، والنتيجة عدم ضمان قيام القوات البرية التابعة للحرس الثوري الايراني بعملية عسكرية تتوغل فيها في الاراضي العراقية بدعوى مقاتلة الفصائل الكردية المعارضة، وحينذاك وكما يتوقع المراقبون، لن يكون بمقدور حكومتي بغداد واربيل إلا الاستنكار كما جرت العادة.
كاتب عراقي
ولماذا لا يحمي الحرس الثوري الإيراني الحدود الطويلة مع العراق ؟
أم لعلهم مشغولين بقتل المتظاهرين بإيران ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله