منذ زمن طويل لم أقرأ خبراً مبهجاً عن لبنان، بل قرأت أخباراً من نمط أنه صار ضمن مؤشر البؤس العالمي كما جاء من جامعة جون هوبكينز الأمريكية (على لسان أستاذ الاقتصاد التطبيقي فيها ستيف هانكي).
ولكنني قرأت مؤخراً خبراً مبهجاً عن لبنان وهو أن أزمة المودعين سيبدأ حلها وستعاد إلى الناس أموالهم بالتقسيط (وهذا خير من عدم إعادتها).
وإذا بدأ لبنان حل مشكلة كبيرة من مشاكله فقد تكون تلك بداية لحل مشاكل أخرى كبيرة كإعادة الكهرباء مثلاً، فضلاً عن انتخاب رئيس للجمهورية والحصول على وزارة، وشرح ما تبقى يطول.
ولكن حل أزمة أموال المودعين بشارة خير، وعسى أن تتبعها خطوات مشابهة ويغادر لبنان دوره في مؤشر البؤس العالمي ليعود إلى دوره السابق شبه المنسي: سويسرا الشرق!
عاشقة فن «الكاريكاتير»
أجمل ما في فن الكاريكاتور الجيد أنه يقول كل شيء في رسم تسيل منه الأحزان ولكن بذكاء. وعلى سبيل المثال، أذكر الكاريكاتير الذي (طالعته) في «القدس العربي» يوم 12-7-2023 ورسم فيه الفنان «سباعنة» صبياً صغيراً بريئاً تحيط به فوهات المدافع والدبابات مع تعليق ساخر يقول: حق إسرائيل في الدفاع عن النفس!
وهكذا في كاريكاتير واحد ذكي، لخص سباعنة مأساتنا نحن العرب مع الأكاذيب الإسرائيلية وعدوانيتها. والكاريكاتير يذكرنا بتلك العائلة المقدسية التي قام الاحتلال بتهجيرها.. (وينكسر قلبنا) أمام صورة تلك التي هجرتها إسرائيل من بيتها أباً عن جد، وذلك من حي قديم في القدس العربية، وقرأنا عن انتقادات أممية لإسرائيل، ولكن الأسرة تم تهجيرها ككثير من العرب سواها، ولكن الانتقاد لا يعيد أحداً إلى بيته.
المال أم الحب؟
قرأت في صحيفة عربية أثق في أخبارها، خبراً موجزاً عن «عملاق السينما الفرنسية» كما لقبته بحق الصحيفة، والمقصود هو النجم الشهير آلان ديلون، ومناسبة الكتابة عنه هذه المرة هو أن أبناء ألان ديلون يقاضون المعاونة المنزلية بتهمة المضايقات المعنوية. وبتهمة استفادة الضيف (87 سنة عمر ألان ديلون اليوم) لكنه يملك تحفاً قدرها النقاد بمبلغ 8 ملايين دولار.
وكان أ- ديلون قد فاز عام 2018 في مهرجان «كان» السينمائي العالمي، بسعفة ذهبية فخرية، ورافقته إلى الحفل ابنته أنوشكا وساعدته على المشي بحضور ابنيه الشابين آلان ـ فابيان وأنتوني ديلون.
ولأن معاونته المنزلية ترفض مغادرة عملها، أقام أولاده الدعوى عليها لتغادر بيت النجم ألان الذي قام النجم بالتوقيع مع أولاده في إقامة الدعوى للتخلص من عاملته المنزلية المصرة على عدم ترك عملها بدون تعويض كبير. وحتى الآن، يبدو الأمر عادياً ولا يستحق حتى كتابة المزيد عنه.
متعلق بالسيدة هيرومي
هيرومي العاملة المنزلية أو (معاونته) المنزلية هي من أصل ياباني، وكانت المفاجأة لأولاده وللصحافة أن ديلون في اليوم التالي لإقامة الدعوى للتخلص منها ظهر معها في حفل يداً بيد، والصور التي التقطت لهما في السهرة تدل على انسجام عاطفي لعله الحب.
أما سن هيرومي المعاونة المنزلية فهو 66 سنة، وتبدو في الأربعين، وهي جذابة، وهذا رأي ديلون عملياً؛ إذ كان يمسك بيدها ويبدو مسترخياً حتى السعادة وهو جالس إلى جانبها. موقفان متناقضان منها في أسبوع واحد؟ والمحامي المسكين الذي تورط في قبول الدعوى ماذا سيقول؟
أريد الزواج منك يا ألان
أن تطلب هيرومي الزواج من ألان (وهو ما فعلته) مستغلة وحشته وشيخوخته، هو أمر عادي، بل ويدل على ذكائها.
فالزواج من ديلون يعني أنها سترث الملايين من اليورو حين يموت، وهو المسن المريض. لذا، لا يدهشنا وقوف أولاده ضد حضورها في حياته. ومن عناوين المجلات الغربية التي كتبت عن الحكاية، أن أولاده «هرعوا لنجدته» ولكنه بصراحة، وكقارئة، لا أشعر أنه بحاجة إلى النجدة، بل أرى الحكاية من أفق آخر.
قصروا معه فسقط معها!
كان لدي ذلك الانطباع الأليم، وهو أن أولاد ألان ديلون يقصرون في لقائه وإحاطته بالمحبة، ولا يخطر ببالهم أن مشهوراً مثله عرف اهتمام الناس به حتى الثمالة سيكون في شيخوخته بحاجة إلى دفء القلب، ولعل هذا ما وجده لدى اليابانية هيرومي.
الشيخوخة تعني الوحشة لدى الذين اشتهروا ذات يوم، وبالذات الذين أقبل الملايين من زمان على مشاهدة أفلامهم (مثل فيلم بركة السباحة) الذي قام بتمثيله ألان ديلون وهو في ذروة شبابه برفقة الجميلة لامي شنايدر (رحمها الله) والممثلة التي كانت مراهقة وتوفيت منذ أسابيع جين بيركين، وهي الإنكليزية الفرنسية التي تحولت إلى فرنسية مما زاد في حب الفرنسيين لها كما ابنتها شارلوت غينسبورغ.
ماذا عنا نحن العرب؟
لا أدري كيف ستنتهي حكاية ألان ديلون مع (معاونته المنزلية) ولا يهمني ذلك حقاً.. فقد وجدت المرأة اليابانية الذكية رجلاً وحيداً بثروة طائلة، وستحاول قدر الإمكان عدم التخلي عن فكرة الزواج منه.
بالمقابل، لا يمكن لشيء كهذا أن يحدث عندنا على الأرجح. فنحن بحكم ديننا وأخلاقنا الموروثة والمتطبعة في نفوسنا لا نتخلى عن المسنين والمسنات من الأسرة، ولم يكن بوسع أي رجل في العالم مثلاً إغواء جدتي رحمها الله أو حتى التجرؤ على طلب الزواج منها مهما كانت ثرية.
أولاد المسنين العرب يحيطونهم بالحنان ويبعدون عنهم الوحشة ليس طمعاً في الميراث، بل كعادة عربية منذ مئات السنين بل وآلاف السنين.
كيف ستنتهي حكاية ديلون؟
بصفتنا عرباً، لا يهمنا كيف ستنتهي حكاية ديلون مع «معاونته المنزلية» إلا بدافع الفضول! لكن الحكاية تصلح لكتابة رواية، والروائي يغرف مما حوله من حكاية، ولأنه ينتمي إلى وطن ما (وطن عربي كما هي حالنا) فتتأثر أحداث الرواية كما يدور دون مبالاة منا، إذ لا شعور بالذنب لدى الكاتب العربي، ولكن لا بأس من زرع الشعور بالذنب لدى من يقصر في حق والديه وجدته وجده إذا كان ذلك من المناسب روائياً.. فكتابة الرواية ليست نقلاً للحياة المعيشة ولا سرقة من حياة الآخرين في مجتمعات أخرى!