برلين- “القدس العربي”: في زيارة تعتبر الثانية خلال أقل من عام، يستقبل المستشار الألماني أولاف شولتس، الثلاثاء، أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في برلين.
وأفادت المستشارية الألمانية بأن شولتس سيستضيف الأمير حمد في قلعة ميسبيرغ، حيث سيركز الاجتماع على تعميق العلاقات الثنائية في مجال الطاقة والتجارة والأمن الإقليمي. وسيرافق أمير قطر وزير الطاقة سعد الكعبي، وكذلك منصور إبراهيم آل محمود، رئيس جهاز قطر للاستثمار، صندوق الثروة السيادي، الذي اشترى، على مدى السنوات الخمس عشرة الماضية، حصصًا في شركات ألمانية كبرى منها دويتشه بنك، وآر.دبليو.إي، وفولكس فاجن.
واهتمت وسائل إعلام ألمانية بهذه الزيارة، التي تأتي وسط توترات إقليمية ودولية، تحمل أهمية استثنائية في ضوء القضايا التي من المحتمل أن تكون على جدول الأعمال، والتي تشمل إمدادات الغاز، قضايا الترحيلات إلى أفغانستان، والدور المتزايد لقطر كوسيط في الشرق الأوسط. بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن العلاقات بين البلدين تتطور بشكل سريع، حيث أصبحت قطر لاعبًا أساسيًا على الساحة السياسية والاقتصادية الدولية، ما يدفع المراقبين الألمان للتساؤل حول أبعاد هذه الزيارة ودورها في المستقبل القريب.
باحث: لقد أدركت ألمانيا أن دول الخليج أصبحت شريكًا ضروريًا وليس اختياريًا
وبحسب موقع RND الإخباري الألماني، تمتلك قطر ثالث أكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم، بعد روسيا وإيران، ما يجعلها لاعبًا رئيسيًا في سوق الطاقة الدولية، خاصة في ظل التوترات التي تواجهها ألمانيا مع موسكو وطهران.
ومع توجّه ألمانيا نحو تقليل اعتمادها على الغاز الروسي بعد الحرب في أوكرانيا، أصبحت قطر شريكًا حيويًا لألمانيا في تأمين إمدادات الطاقة.
وبالنظر إلى المشاكل التي تواجهها ألمانيا مع روسيا، حيث توقفت إمدادات الغاز الروسي عبر خط أنابيب نورد ستريم، يبدو أن المستشار الألماني يضع نصب عينيه تعزيز التعاون مع الدوحة لضمان استقرار إمدادات الغاز الطبيعي المسال.
قال الباحث سيباستيان سونز: “لقد أدركت ألمانيا أن دول الخليج أصبحت شريكًا ضروريًا وليس اختياريًا”. وبالنسبة لقطر، تمثل الشراكة فرصة لوضع نفسها كطرف عالمي أساسي وبناء تحالفات توفر الحماية والنفوذ.
ووفقًا لخبير الشرق الأوسط غيدو شتاينبرغ، من مؤسسة العلوم والسياسة الألمانية (SWP)، فإن الدور القطري لا يقتصر على إمدادات الطاقة فحسب. قطر تملك علاقات قوية مع دول ومنظمات تمتلك علاقات متوترة أو محدودة مع الغرب، مثل إيران و”حزب الله” و”حماس”، ما يجعلها شريكًا إستراتيجيًا في قضايا الوساطة السياسية والأمنية.
تعد قطر واحدة من الدول القليلة التي تلعب دور الوسيط في العديد من النزاعات الإقليمية والدولية. علاقاتها القوية مع منظمات مثل حركة “حماس” وطالبان تجعلها وسيطًا فعّالًا في الصراعات المستعرة في المنطقة، بما في ذلك النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.
وبالرغم من أن قطر تعتبر قريبة من “حماس”، وتقدم لها دعمًا ماليًا، يرى شتاينبرغ أن دورها كوسيط في هذا الصراع ضروري، حيث تتمتع بقدرة على التأثير على هذه الجماعات بما يضمن الاستقرار والتهدئة.
وبحسب مركز الأبحاث الألماني من برلين، فإن هذا الدور يأتي مع تحديات كبيرة. فعلى الرغم من تأكيد قطر على أهمية السلام، لا يزال دعمها لـ “حماس” مسألة تثير جدلاً كبيرًا.
ولا يتوقف الدور القطري عند فلسطين فقط. بل تلعب الدوحة أيضًا دورًا مهمًا في الوساطة بين إيران والغرب، وهي تملك علاقات جيدة مع “حزب الله” اللبناني.
ورغم أن قطر لا تمتلك تأثيرًا مباشرًا على سياسات إيران، خاصة في ما يتعلق بالهجمات الإسرائيلية المحتملة على المنشآت النووية الإيرانية، إلا أن دورها يتعاظم عندما يتعلق الأمر بمحاولة استئناف المحادثات بعد انتهاء التصعيد العسكري.
قطر، المعروفة بنهجها البراغماتي، قد تكون قادرة على لعب دور محوري في هذا السياق، حيث تتمتع بعلاقات وثيقة مع طهران، على الرغم من قربها التقليدي من التنظيمات السنية مثل “حماس”.
وتؤكد وسائل إعلام ألمانية محلية على أهمية الدور القطري في المنطقة، بيد أنها تضيف أنه، وبالرغم من دورها الوسطي، لا يمكن تجاهل التوترات الداخلية التي قد تنشأ بسبب هذه العلاقة المعقدة مع إيران و”حزب الله”.
كما أن قطر مستثمرٌ رئيسي في الاقتصاد الألماني، الذي قد يستفيد من أموال جديدة فيما يواجه انكماشًا للعام الثاني على التوالي. ومن بين الاستثمارات المحتملة قيد المناقشة شراء قطر لحصة في مصفاة شفيت الرئيسية في برلين من شركة روسنفت الروسية.
وبعد إحباطها من التغطية الإعلامية الألمانية السلبية خلال كأس العالم، تعمل الدوحة على تحسين صورتها من خلال استضافة فعاليات ثقافية وإعلامية في برلين. فعلى سبيل المثال، تناول حوارٌ إعلامي قطري ألماني، هذا الشهر، الصور النمطية في التقارير الألمانية عن المنطقة.
الدور القطري لا يقتصر على إمدادات الطاقة فحسب، فقطر تملك علاقات قوية مع دول ومنظمات لها علاقات متوترة أو محدودة مع الغرب
زيارة أمير قطر إلى برلين تأتي في وقت حسّاس على الصعيد الدولي، حيث تثير ألمانيا ملفات تتعلق بحقوق الإنسان في قطر، وسط ضغط متصاعد من أحزاب المعارضة بهذا الصدد. فيما تتعرّض ألمانيا لانتقادات لدعمها لإسرائيل، وإصرارها على مواصلة تسليح حكومة تل أبيب، وهو ما يطرح التساؤل حول إمكانية تأثير الدوحة على توجه ألمانيا بهذا الخصوص، وسط الحاجة الألمانية الماسة للغاز القطري.
من وجهة نظر ألمانيا، العلاقات مع قطر تتجاوز هذه القضايا، خاصة في ظل احتياجات برلين الاقتصادية والجيوسياسية العاجلة. ومع تصاعد التوترات في الشرق الأوسط، يصبح من الضروري للحكومة الألمانية تعزيز علاقاتها مع حلفاء إستراتيجيين مثل قطر، حتى وإن كانت هناك قضايا خلافية على المستوى الداخلي.
في خضم التوترات الدولية والتغيرات السياسية الكبرى، تبدو زيارة أمير قطر إلى برلين خطوة إستراتيجية لتعزيز العلاقات بين البلدين. وبينما تسعى ألمانيا لتأمين احتياجاتها من الغاز وتنويع مصادر الطاقة بعيدًا عن روسيا، تقدم قطر نفسها كشريك حيوي في هذا المجال. وعلى الصعيد السياسي، تواصل الدوحة لعب دورها كوسيط في قضايا الشرق الأوسط، وهو دور يلقى ترحيبًا، على الرغم من التحديات المتزايدة.
ومع ذلك، يبقى السؤال مطروحًا حول مدى قدرة قطر على الحفاظ على هذا التوازن، وقدرتها على إقناع حكومة برلين باتخاذ مواقف أكثر قربًا للموقف الفلسطيني، الذي يجد نفسه ضعيفًا على الساحة السياسية الأوروبية.