أمين عام “الجبهة الديمقراطية” لـ”القدس العربي”: متمسكون بحكومة وفاق وطني

حاوره: وائل الحجار
حجم الخط
0

لندن- “القدس العربي”: ترى “الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين” أن خارطة طريق القضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة لا تزال محكومة بالعناوين الوطنية ذاتها التي وجّهت العمل الوطني الفلسطيني خلال العقود الأخيرة، تحت سقف منظمة التحرير الفلسطينية، ومقررات لقاءات المصالحة التي جمعت الفصائل الفلسطينية ومن بينها حركتا “فتح” و”حماس”.

ويؤكد أمين عام الجبهة فهد سليمان، في إجابته على أسئلة “القدس العربي”، أن عناوين أي مرحلة مقبلة بعد انتهاء حرب الإبادة في غزة، يجب أن تكون في إطار الوحدة الجغرافية والسياسية للضفة الغربية المحتلة (وضمنا القدس) مع قطاع غزة، وذلك في إطار حكومة وفاق وطني لإغلاق الباب على “المشاريع البديلة”.

وفي الوقت الذي تفضّل الجبهة الاكتفاء ببيان الفصائل المشترك الذي صدر بعد سقوط نظام بشار الأسد، واعتبار “ما تشهده سوريا الشقيقة من تطورات شأن داخلي”. ودعم “حق الشعب السوري بتقرير مصيره ومستقبله وبناء سوريا الموحدة كاملة السيادة في إطارٍ من الحرية والعدالة والديمقراطية، والمساواة التامة في المواطنة للجميع دون تمييز” (بيان الفصائل)، ترى أن تحديات كبيرة تواجه القضية الفلسطينية في المرحلة المقبلة يجب مواجهتها بتوحيد الصفوف وتعزيز الوحدة الميدانية كذلك.

“القدس العربي” سألت أمين عام “الجبهة الديمقراطية” فهد سليمان عن جملة تحديات.

وفيما يلي نص الحوار:

■ التفاوض اليوم في غزة لا يشمل وقف إطلاق النار فقط، بل “اليوم التالي” … كجبهة شاركتم في الحوار الفلسطيني الداخلي، اليوم تطرح مشاريع بين حركتي “فتح وحماس” من أجل “اليوم التالي” تتعلق بإدارة قطاع غزة، تقوم على فكرة لجنة موسعة لإدارة القطاع، على أن تكون مرجعيتها السلطة، كيف تنظرون إلى صيغ إدارة القطاع بعد الحرب؟

– نحن نرى أن مسألة إدارة القطاع بعد الحرب، لا تنفصل إطلاقاً عن المشروع الوطني الفلسطيني، وأن إدارة القطاع ليست مسألة جزئية، لذلك عندما تم طرح الموضوع، بادرنا نحن في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، إلى طرح رؤيتنا في مبادرة سياسية، تقوم على أسس التوافق الوطني والاجتماع الوطني، الذي توصلنا إليه في “حوار بكين” (23-24/ 7/ 2024) حين توافقنا على تفعيل الإطار القيادي الوطني الموحد والمؤقت، والذي يضم الأمناء العامين لفصائل المقاومة وشخصيات أخرى، كذلك تشكيل حكومة وفاق وطني، من الكفاءات والفعاليات، تكون معنية بإدارة الأوضاع في الضفة الغربية، كذلك في قطاع غزة، بما يضمن الربط الدائر بين الإقليمين، وعدم الفصل بينهما، وبحيث تتشكل في القطاع، في إطار حكومة الوفاق الوطني، لجنة قيادة أولى، تضم الوزراء ومساعديهم المقيمين في القطاع، يكون على رأسها وزير بمرتبة نائب رئيس الوزراء، على سبيل المثال، تتولى هذه اللجنة، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من حكومة الوفاق، إدارة الشأن العام في القطاع، في إطار خطة تجيزها الحكومة، وهكذا نغلق الطريق أمام المشاريع البديلة التي ترى أنها كلها تهدد وحدة أراضي دولة فلسطين، والفصل بين القطاع والضفة.

احتلال غزة

■ هل تخشون أن تكون حكومة الاحتلال جدية في أمر استيطان واحتلال دائم في غزة؟

– نحن لا نشك للحظة واحدة في نوايا الاحتلال ومشاريعه التي تقوم على ابتلاع الأرض الفلسطينية كلها، وتهجير سكانها، من أجل ضم الضفة الغربية بشكل خاص، إلى دولة الاحتلال، وإفراغ القطاع من سكانه، وتحويله إلى ما يسمى “الحزام الأمني” لدولة الاحتلال. وفي هذا السياق، بدأت تطل برأسها مشاريع تهجير سكان شمال القطاع، والدعوات لإعادة بناء المستوطنات في القطاع، في إطار ما يسمى “دولة إسرائيل الكبرى”، لذلك نحن نصر، في سياق المفاوضات غير المباشرة مع الاحتلال، على أن يكون الهدف التالي لهذه المفاوضات هو وقف إطلاق النار، وتوقف الأعمال الإسرائيلية العدائية، والانسحاب الإسرائيلي العام من القطاع، وإعادة بسط سلطة حكومة وفاق وطني، كما ذكرناها أعلاه لتدير شؤون القطاع، باعتبارها جزءاً لا يتجزأ من دولة فلسطين.

■ هل صحيح أن الضفة الغربية هي الهدف التالي لليمين الإسرائيلي الحاكم، وفي المعارضة؟

– موقع الضفة الغربية في المشروع الصهيوني ليس غامضاً، فالضفة باعتراف دولة الاحتلال وقيادتها الفاشية، هي محور المشروع الاستيطاني القائم على الضم الشامل، لإقامة “دولة إسرائيل الكبرى”، ما عرضه نتنياهو في المحافل الدولية اعتراف صريح، حين قدم خارطة إسرائيل القائمة على ضم الضفة تماماً، وغياب أي ذكر لدولة فلسطين. وكذلك هذا هو ما دعا له وزير المال والاستيطان سموتريتش في مشروعه، لضم الضفة وتهجير السكان، وإسقاط مشروع الدولة الفلسطينية لصالح حكم إداري ذاتي على السكان، ملتحق بإسرائيل سياسياً وأمنياً واقتصاديا، مسقطاً عنهم شخصيتهم الوطنية وحقهم في كيانية سياسية مستقلة، عملاً بقرارات الأمم المتحدة، وأبرزها قرار الجمعية العامة، بمنح دولة فلسطين العضوية المراقبة، على حدود 4 حزيران/ يونيو 1967، وعاصمتها القدس، والاعتراف بحق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948.

طوفان الأقصى عطّل مشروع نتنياهو.. وهو اليوم يعود إليه

هذا المشروع الصهيوني أطلقه نتنياهو منذ وصوله إلى السلطة نهاية العام 2022، وعمل طول العام 2023 على تطبيقه، لكن عملية “طوفان الأقصى” و”حرب أكتوبر”، عطلت عليه هذا المشروع، وهو يعتقد الآن أنه آن الأوان للعودة إلى إحياء هذا المشروع الاستعماري القائم على ضم أكثر من 82% من الضفة الغربية إلى دولة الاحتلال.

التسوية الإقليمية

■ هل تتخوفون من أن تدفع فلسطين ثمن أي تسوية مستقبلية على المستويين الإقليمي والدولي؟

– منذ العام 1948، ونحن نواجه مشاريع تستهدف القضية والحقوق والمصالح الوطنية لشعبنا. القرار 181 اندرج في هذا السياق عبر تقسيم فلسطين، وفي كل منعطف، كان شعبنا يتصدى لكل المشاريع، متمسكاً بحقوقه الوطنية المشروعة، في الحرية والاستقلال والعودة، كما كفلتها له قرارات الشرعية الدولية.

نحن ندرك تماماً أن الدوائر الغربية الأمريكية والأطلسية، لم تتوقف يوماً عن طرح مشاريع وحلول وتسويات هدفها حرمان شعبنا من حقوقه الوطنية، في اللحظة الراهنة، نعرف أن ثمة مشاريع عدة مطروحة على بساط البحث بدءاً من مشروع الضم الإسرائيلي، وصولاً إلى “حل الدولتين”، وفقاً للشروط الإسرائيلية، انتهاء بما سيحمله لنا الرئيس الأمريكي (دونالد) ترامب في استكماله لمشروعه في ولايته الأولى المسماة “صفقة القرن”. وبالتالي نحن أمام تسويتين: الأولى هي التسوية التي تدعو لها الشرعية الدولية، أي الحرية والدولة المستقلة، وحق العودة للاجئين، وبالمقابل التسوية الأمريكية- الإسرائيلية القائمة على إلغاء الحقوق الوطنية لشعبنا.

ندعو لتنظيم العمل الوطني بناء على مخرجات لقاء بكين وقرارات مؤسسات منظمة التحرير

نحن ندعو في هذا السياق إلى إعادة تنظيم الصف الوطني الفلسطيني، عملاً بـ”مخرجات بكين” آنف الذكر، وقرارات المجلسين الوطني والمركزي في م. ت. ف، بسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف كل أشكال التنسيق الأمني معها، ومقاطعتها اقتصاديا، وتشكيل القيادة الوطنية الموحدة للقوى الوطنية والحركة الشعبية، وتبني رؤية استراتيجية وطنية جادة، تكفل لشعبنا حقه في كافة أساليب المقاومة والمواجهة، دفاعاً عن أرضه وحقوقه، وإفشال مشاريع التسوية البديلة للحقوق الوطنية، وتعزيز تحالفات شعبنا مع قوى حركات التحرر في العالم والدول الصديقة، للاعتراف بالدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، ومنح دولتنا العضوية المتكاملة في الأمم المتحدة، وعزل دولة الاحتلال باعتبارها دولة مارقة متمردة على القوانين وقرارات الشرعية الدولية، تشن حرب إبادة جماعية ضد شعبنا، تقودها قيادات مطلوبة للعدالة الدولية، مكانها أمام قوس المحكمة، وخلف قضبان الزنازين، وليس في أي مكان آخر.

الاعتراف بالدولة

■ كيف تقيمون اتجاه دول أوروبية وغيرها إلى الاعتراف بدولة فلسطين؟

– قطعت دولة فلسطين شوطاً كبيراً في نيل الاعتراف بها من قبل دول العالم، هناك 143 دولة تعترف بدولة فلسطين، كما أن الجمعية العامة منحت لدولة فلسطين مقعداً فيها، بحيث بات بإمكانها أن تمارس حقها في التصويت، كما أن القرار الاستشاري لمحكمة لاهاي (محكمة العدل الدولية)، نزع عن الاحتلال شرعيته المزعومة، ودعا إلى رحيله عن أرضنا.

في هذا السياق، هناك دول أوروبية تحترم حقوق الإنسان وحقوق الشعوب بالحرية، اعترفت بدولة فلسطين، لكن ما زالت هناك دول أخرى تربط بين المفاوضات والتسويات، وبين الاعتراف بدولة فلسطين، رغم أنها تتحدث عن “حل الدولتين”، وبالتالي نحن نقول لهم ما دمتم تعترفون بـ”حل الدولتين”، وتوافقون مسبقاً على قيام دولة فلسطينية، باعتبارها الدولة الثانية، فلماذا لا تعترفون بدولة فلسطين؟!.

نعتقد أن الضغوط الأوروبية، ولن نقول اللوبيات الصهيونية، تلعب في هذا السياق دوراً يعطل علينا كسب الاعتراف بدولتنا، لكننا نعتقد أن المزيد من التحركات الشعبية لقوى الحرية في أوروبا، وغيرها من الدول، سوف تثمر في نهاية المطاف ضغوطاً على الحكومات والبرلمانات المعنية، لتعترف بالدولة الفلسطينية. هذا يملي علينا للوصول إليه، أن نضعه في نضالنا ومواجهتنا للاحتلال، وتعزيز وحدتنا الميدانية، والحرص على تقديم أنفسنا كحركة تحرر تحت الاحتلال، وليس مجرد سلطة محدودة الصلاحيات، تنحصر القضية بينها وبين دولة الاحتلال، على رسم الحدود فقط، كما تحاول بعض الدوائر أن تقدم بذلك جوهر القضية الفلسطينية.

■ 4 سنوات ستحكم السياسات المقبلة في ظل إدارة دونالد ترامب، هل تخشون على فلسطين من سياسات ترامب؟

– تجربة شعبنا مع إدارة ترامب السابقة، كانت قاسية وشديدة المرارة، فقد اعترف بالقدس عاصمة إسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، وأغلق مفوضية م. ت. ف. في واشنطن، وفرض حصاراً على وكالة الأونروا، واعترف بضم الجولان العربي السوري لإسرائيل، واعترف لإسرائيل بحقها المزعوم بضم 30% من الضفة الغربية، لإقامة «دولة إسرائيل الكبرى»، وتقويض الأسس المادية لقيام الدولة المستقلة، كذلك اعترف بشرعية الاستيطان، رغم أنه مخالف لقرارات الشرعية الدولية، وبدأ يمهد لـ«صفقة القرن»، عبر نسف قرارات الشرعية الدولية، وأقام «تحالف أبراهام» لتطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية، وعزل القضية الفلسطينية وتقزيمها، وتحويلها إلى مجرد عقارات ترسم حدودها هنا وهناك، وليست قضية شعب تحت الاحتلال، له الحق في تقرير مصيره، واستعادة حريته، وإقامة دولته المستقلة، وحق العودة لأبنائه اللاجئين.

وبالتالي، فإن ما نتوقعه من ترامب لن يكون أفضل من ولايته الأولى، إن لم يكن أسوأ.

تجربة شعبنا مع إدارة ترامب السابقة كانت قاسية

نحن ندعو إلى وقف الرهان على الوعود الأمريكية، والتوقف عن سياسة الانتظار والجمود، وربط مصير القضية بما يأتينا من واشنطن، بل علينا بالمقابل أن نعزز جبهتنا الداخلية، وفقاً لقرارات الشرعية الفلسطينية، وترجمة “مخرجات بكين” لتنظيم الصف الوطني، لمواجهة مشاريع قد لا تكفل حقوقنا الوطنية.

■ اليوم بعد أكثر من 14 شهراً على حرب الإبادة الإسرائيلية على غزة، كيف يمكن قياس ما جرى بميزان الربح والخسارة للقضية الفلسطينية، هل صحيح القول إن 7 أكتوبر أعاد وضع فلسطين في صدارة القضايا في العالم التي تحتاج إلى حلّ؟

– لا بد من الاعتراف بأن “7 أكتوبر” أحدث زلزالاً في العالم كله، وليس في الإقليم، وأنه انتشل القضية الفلسطينية من تحت ركام مشروع التطبيع الأمريكي- الإسرائيلي- العربي، ومشروع “الناتو العربي”، وكرسها في مقدمة العالم كله. فقد تحولت إلى قضية مركزية في برامج الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، وفي مقدمة الاهتمامات في برامج الانتخابات التشريعية في أوروبا، وأحدثت متغيرات واضحة، كما أضحت مقدمة اهتمامات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، ومحكمة الجنايات الدولية، ومحكمة العدل الدولية، ومجلس حقوق الإنسان، والمنظمات الدولية ذات الصلة، والصليب الأحمر الدولي، ومنظمة الغذاء العالمي، واليونيسيف، وغيرها.

“7 أكتوبر” أحدث زلزالاً في إسرائيل، حيث هبط موقعها في جدول المؤسسة العالمية كدولة تدّعي الديمقراطية، وانكشفت حقيقة قياداتها السياسية والعسكرية، وتخلخل التماسك المجتمعي في إسرائيل، فضلاً عن تحول المنطقة إلى ساحة للتنافس الدولي، ومؤشراً من مؤشرات تطور أوضاع النظام الدولي، وبالتالي يمكن القول إن “طوفان الأقصى” شكل نقطة انعطاف تاريخية، لم تقف نتائجها عند حدود القضية الفلسطينية، بل طالت مجمل أوضاع الإقليم، وتداعيات أوضاعه على النظام الدولي.

هذا يملي علينا في السياسة، أن نستوعب هذا الأمر، بما يعزز قدرتنا على الصمود، وتعزيز موقع قضيتنا في المحافل، لتحقيق المزيد من الانتصارات الميدانية والسياسية والمعنوية.

التسوية الإقليمية

■ الحرب في غزة تجري في ظروف إقليمية ودولية لم يسبق لها مثيل، من حيث حجم المتغيرات، ألا يقتضي هذا مراجعة عامة في صفوف فصائل العمل الوطني، ومنظمة التحرير؟ وهل من المبكر برأيكم الوصول إلى خلاصات سواء فيما يتعلق بإدارة المقاومة ضد الاحتلال وتكتيكاتها، أو إدارة العملية السياسية، وهما مترابطتان؟

– يحق لنا في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، أن نؤكد أننا ومنذ لحظة اندلاع “طوفان الأقصى”، مارسنا دوراً ملحوظاً في قراءة الحدث، بأبعاده الوطنية والإسرائيلية والإقليمية وحتى الدولية. وأمام كل منعطف كنا نعيد دراسة الوضع، ونصل إلى الخلاصات السياسية التي على أساسها نظهر موقفنا الفلسطيني ودورنا الميداني في مقاومة الاحتلال بكل الأساليب الممكنة، وفي كافة الميادين.

وهذا ما مكنا من قراءة تداعيات “طوفان الأقصى” و”حرب أكتوبر” على الأوضاع السياسية والميدانية والمجتمعية الفلسطينية، وعلى العلاقة الكفاحية التي تربط بين تجمعات شعبنا في الوطن والشتات، والعلاقات الوطنية وأوضاع م. ت. ف، وهيئاتها التشريعية والتنفيذية، وتقديمها المبادرات السياسية والمؤسساتية، والإسهام المميز في الحوارات الوطنية، بما في ذلك موسكو وبكين، وتقديم المبادرات لما يسمى “اليوم التالي” للقطاع، أو مبادرات حل وإصلاح النظام السياسي الفلسطيني، وإعادة بنائه على أسس ديمقراطية بالانتخابات العامة، وفق نظام التمثيل النسبي الكامل، مع حل وطني لمسألة الانتخابات في القدس، كما أسهمت إلى حد كبير في قراءة المشهد الإسرائيلي، وتداعياته الداخلية، والعلاقة بين أطرافه المجتمعية، العلمانية والليبرالية منها والحريديم، وجماعات التطرف الفاشي.

وبالتالي نحن على الدوام أمام مراجعات لا تنقطع، قناعة منا أنه دون المراجعات الموضوعية والمعمقة، لا شيء يضمن أن نسير وفقاً للبوصلة الوطنية، في هذا السياق، نقول: لقد ربحنا كثيراً في مسارنا النضالي، بحيث بات المجتمع الدولي مقتنعاً بعمق ملحوظ أنه لا أمان ولا استقرار في المنطقة دون حل متوازن للقضية الفلسطينية، يكفل الحقوق الوطنية المشروعة للشعب الفلسطيني.

والاستقرار في المنطقة هو شرط لازم لاستقرار النظام الدولي، وأن أي اضطراب في إقليمنا لا بد أن تكون له تداعياته الكبرى على العلاقات الدولية، خاصة بين الولايات المتحدة والصين وروسيا وإيران، باعتبارها الأطراف الرئيسية المعنية بالمنطقة، وبالوضع الإقليمي دون أن نغفل ذكر أوروبا، والدول العربية الرئيسية، كالسعودية ومصر، وسوريا والعراق واليمن وغيرها. بالمقابل لا يمكن الحديث عن ربح دون الحديث عن تضحيات، نقول تضحيات ولا نقول خسائر في الحروب، حتى كبار المنتصرين لا بد أن يقدموا تضحيات، وشعبنا الفلسطيني قدم تضحيات كبرى (أكثر من 150 ألف شهيد ومصاب، أغلبهم من النساء والأطفال، ودمار شامل في القطاع، وحرب إبادة جماعية، وتجويع وتعطيش وتدمير للمنظومة الصحية). هذه تضحيات كبرى في القطاع، لا ننسى إلى جانب تضحيات أهلنا في الضفة، وتضحيات الشعب اللبناني والسوري واليمني والعراقي الشقيق، وكذلك الدور الإيراني مروراً بباقي الأطراف العربية. نحن ندرك تماماً طبيعة المسار الذي نتقدم عليه، وندرك حجم التضحيات الواجب دفعها من الشهداء والقادة إلى المقاتلين والمدنيين وغيرهم، هذا ثمن باهظ ندفعه، لكن فلسطين تستحق هذا الثمن الباهظ، ندعو إلى توحيد الصفوف، وتعزيز الوحدة في الميدان، كي نخفف من خسائرنا البشرية، وكي لا تكون تضحياتنا مجانية.

فلسطينيو الشتات

■ أين هو موقع فلسطينيي الشتات من كل ما يحصل اليوم؟ أليس صحيحاً أنهم يتركون وحدهم وخصوصاً في ظل التصفية المنهجية لوكالة الأونروا؟

– لم يترك اللاجئون الفلسطينيون في الشتات وحيدين، بل هم جزء لا يتجزأ من شعبنا الفلسطيني، يمارسون حياتهم ويؤدون دورهم النضالي في مخيمات لبنان وسوريا، وفي دولة عربية أخرى، كما أنهم ينتشرون في أوروبا، والولايات المتحدة وكندا، وآسيا، وأمريكا اللاتينية، ويشكلون حالة نضالية ذات نفوذ سياسي واجتماعي، عبرت عن ذلك في الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، والتشريعية، وفي عدد من دول أوروبا الغربية.

وفي مخيمات اللاجئين، تنتشر قوات فصائل العمل الوطني، ببرامجها السياسية والتعبوية والاجتماعية والثقافية والتربوية، تحرص على تأطير الحالة الشعبية، في أطر وطنية فصائلية أو في الاتحادات الشعبية لمنظمة التحرير الفلسطينية، كالمرأة والعمال، والمدرسين، والفنانين وغيرهم.

هذا لا يعني أن المخيمات تعيش في بحبوحة عيش، بل هي تعاني ما تعانيه الدول العربية المضيفة وشعوبها من صعوبات معيشية بسبب الحالة التي تعيشها هذه الدول، خاصة لبنان وسوريا، المعروفة أوضاعها للجميع في ظل العدوان الإسرائيلي، والحصار الأمريكي، والاضطراب الأمني على يد قوى الإرهاب وبعض الدول التي تحاول أن تفرض هيمنتها على الجوار.

طبعاً، يخوض اللاجئون في المخيمات، جنباً إلى جنب، مع فصائل العمل الوطني، نضالاً دؤوباً، للحفاظ على وكالة الغوث (الأونروا)، بسبب الطبيعة السياسية والاجتماعية والإغاثية لدورها، والتعرض للهجمات، خاصة إسرائيل التي أسقطت اعترافها وأدرجتها على لائحة المنظمات المحظورة، في انتهاك خطير للقوانين الدولية وقرارات الشرعية الدولية، والهجمة على الوكالة هي جزء من الهجمة على الحقوق الوطنية المشروعة لشعبنا في الوطن والشتات على يد التحالف الأمريكي في إسرائيل.

القضية المعيشية والخدمات الاجتماعية لتحسين مستوى معيشة أهلنا في المخيمات قضية محورية، إلى جانبها نخوض مع اللاجئين معركة مفتوحة هي الدفاع عن حق العودة للاجئين إلى ديارهم وممتلكاتهم التي هجروا منها منذ العام 1948، وهو الحق الذي يكفله القرار الأممي 194، كما نخوض نضالاً ضد المشاريع البديلة لحق العودة، ويحق لنا أن نؤكد أن نضالنا نجح في الحفاظ على الوكالة، كما أجهض كل المشاريع البديلة لحق العودة، والفضل في هذا يعود إلى شعبنا وتمسكه وإرادته الوطنية، وتمسكه القوي بحقوقه المشروعة، في المقدمة حقه في العودة. أي أن اللاجئين والفلسطينيين في الشتات، يمثلون لوحة أخرى من لوحات النضال الوطني الفلسطيني، ونأخذ في الاعتبار أوضاعهم السكانية والاجتماعية والقانونية، التي تختلف كثيراً عن الوضع في الوطن المحتل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية