القاهرة ـ «القدس العربي» ـ من محمد عبد الرحيم: أقامت دار «ميريت» للنشر بالاشتراك مع جمعية «نادين شمس» ندوة احتفالية بمناسبة صدور كتاب «أنا المخرج … شهادات حول فن التمثيل» بالنادي السويسري بالقاهرة. والكتاب عبارة عن مقالات مُجمّعة كانت قد أجرتها كاتبة السيناريو الراحلة «نادين شمس» ونُشرت في مجلة «الفن السابع» على مدار عام كامل من يوليو 1989، وحتى يوليو 1990. وتعود أهمية الكتاب في كونه أول كتاب يصدر باللغة العربية يتحدث عن علاقة المخرج بالممثل، هذه العلاقة الشائكة والمُربكة في الوقت نفسه. وضم الكتاب شهادات عشرة مخرجين من أجيال ومدارس مختلفة، وهم بترتيب الكتاب … محمد خان، خيري بشارة، علي بدرخان، رأفت الميهي، سعيد مرزوق، شريف عرفة، يسري نصر الله، رضوان الكاشف، سمير سيف، والمخرج كمال الشيخ. وحضر الندوة كل من المخرج سمير سيف والمخرج محمد خان، كمحاولة لاستعادة تفاصيل هذا اللقاء، والحديث عن كيفية التعامل مع الممثل وحالاته وتطويعه في الفيلم السينمائي.
لا بد وأن يُسلم لي نفسه
تحدث المخرج محمد خان في البداية عن تجربته مع الممثل ودوره، وكيفية التعامل معه، وأجاب بأنه من المدرسة التي تريد معرفة كل التفاصيل عن حياة الممثل، حتى يمكن استغلالها عند التصوير، وأن يثق الممثل في المخرج الذي يُسلم له نفسه بالكامل، فالمخرج هو العين الأولى التي ترى الممثل، وتقيّم مدى الأداء الذي يظهر على الشاشة. ويرى خان أن العديد من الممثلين الذين تعامل معهم لم يقوموا ببناء هذه الثقة تماماً، فلم يُظهِر منهم الكثير من الموهبة والقدرات التمثيلية، والأمر يبدو واضحاً في النجوم، الذين يخشون المُخاطرة والتجريب، بحيث يريدون الاحتفاظ بصورتهم التي يعرفها الجمهور جيداً، ولا يتجرأ أحدهم بالمخاطرة بهذه الصورة، وهو أمر صعب يأسف له خان كثيراً، واستشهد كمثال بحالة «نبيلة عبيد» في فيلم (الغرقانة) فقد تعاملت بحذر شديد، وأنها حسب رأي خان لو سلمت نفسها لقيادته تماماً لخرج الفيلم بصورة أفضل بكثير.
تجربة هامة للمكتبة العربية
أشار المخرج سمير سيف إلى أن الحوارات حول موضوع الممثل وعلاقته بالمخرج تعد تجربة هامة تضاف إلى المكتبة العربية التي تخلو من كتب تناقش هذا الموضوع، فالمكتبة الإنكليزية على سبيل المثال لها باع في مثل هذه النوعية من الكتب. وأوضح سمير سيف أن الممثل لابد وأن يمتلك درجة من الوعي تجعله كمخرج يبدأ في التعامل معه، بخلاف العمل مع غير المحترفين، وأن يكون الممثل على دراية بالفارق الكبير بين التمثيل للسينما والتمثيل للمسرح. فالعمل الفني يتطلب من التنظيم والدقة قدراً لا يتواجد في الحياة العادية، العشوائية بطبيعتها، لذا يرى سيف أن الممثلين الهواة لابد من تدريبهم جيداً، خاصة على النطق الصحيح للكلمات والتدريب على إيقاع الجُمل الحوارية، وأن انتشار ورش التمثيل علامة هامة على النهوض بفن التمثيل، خاصة لمن لم يُحالفه الحظ ويلتحق بالمعهد العالي للفنون المسرحية. ويروي تجربته مع ممثلين أشار عليهم بأخذ كورسات تمثيل لإحساسه بموهبتهم، فالموهبة وحدها لا تكفي، مثل .. عمرو واكد وماجد الكدواني.
حالة أحمد زكي
يعتبر «أحمد زكي» حالة متفردة في عالم التمثيل، وقد تحدث عنه محمد خان وخيري بشارة ضمن شهادتهما على صفحات الكتاب، فهو حسب بشارة كان يمثل انطلاق جيل الثمانينات من المخرجين، الذين حاولوا كسر تقليدية الأداء السينمائي، وإعطاء شكل واقعي للفيلم والبطل السينمائي الجديد، فكان (أحمد زكي) رهانهم على ما يريدون تقديمه من سينما جديدة، بخلاف الآداء المسرحي للجيل القديم، والآداء المتردي لجيل وسينما السبعينات، التي تأثرت بشدة بمناخ الانفتاح الاقتصادي، وسقوط الفكرة الشمولية والمد القومي في عصر عبد الناصر. ويؤكد (خان) أن (أحمد زكي) ممثل صعب القيادة، ولا يمتثل إلا إذا اقتنع، وينتمي للممثلين الذين يستغرقون في الشخصية بشكل مَرَضي، وبالطبع تكون النتائج رائعة، إلا أن ذلك يُرهق الجميع، وعلى رأسهم الممثل والمخرج.
ضرورة حضور الوعي
ينفي كل من المخرج (شريف عرفة) و(يسري نصر الله)، وكذلك (رضوان الكاشف) فكرة استغراق الممثل في الشخصية التي يقوم بأدائها، فلا بد وأن يقف الممثل على مسافة ما من الشخصية، وأن يعي أن كل ما يقوم به هو شيء مصنوع من البداية حتى النهاية، ويعي أنه بين ممثلين آخرين، ومكان/ديكور غير حقيقي، وهناك كاميرا وإكسسوار وعُمال، وإلا سيُصاب الجميع بالتشوّش وفقاً لحالة البطل الذي استغرقته الشخصية. ويدلل (عرفة) بحالة (عادل إمام) فهو كممثل محترف يعرف هذه المسافة جيداً بينه وبين الشخصية التي يؤديها، ولا يُظهِر منها سوى المطلوب في الموقف الدرامي، دون فكرة الاستغراق الكامل.
التلقائية
أشار عدد من المخرجين أصحاب الشهادات في الكتاب عن الفارق بين ممثل وآخر … فـ (يحيى الفخراني) على سبيل المثال يتميز بتلقائية شديدة في الأداء التمثيلي، بخلاف تلقائية (أحمد زكي) الذي يُعَقلِن هذه التلقائية ويُخضِعها لوعيه الشديد، وهو ما يختلف عن (نور الشريف) الذي يمتلك الوعي والثقافة الواسعة، التي تجعله يرسم شخصياته بدقة كبيرة، مستخدماً تجاربه وثقافته الفنية في المقام الأول.