أصبحت تهمة الارهاب جاهزة لالصاقها بأي شخص، هكذا جزافا، من دون أي دليل أو برهان أو حجة. ما أن تطلقها الحكومات ضد أشخاص، او جماعات، او أحزاب، الا وتتلقفها الأجهزة الاعلامية التي تدور في فلك الحكومات، وتسبح بحمدها آناء الليل وأطراف النهار، وتكون ابواقا لها، وتنسى مهمتها الاعلامية، ومكانتها كسلطة رابـعــة (اذا افترضنا وجود سلطات ثلاث منفصلة في بلادنا أصلا) لتعمل فقط مثل الببغاوات.
في سوريا يتهم النظام كل من يعارضه سلما أو حمل السلاح بأنه ارهابي، ويحاول أن يسوق هذه البضاعة الكاسدة للغرب. ونجح، على الأقل، جزئيا، اذ اعتبرت أمريكا وأوروبا بعض الجماعات الاسلامية المقاتلة هناك، كجبهة النصرة مثلا، جماعة ارهابية، ولم يثبت أنها قتلت مدنيين مسالمين، وما زال الغرب يندد، أحيانا، بمجازر النظام من دون أن يضعه على لائحة الارهاب مع أنه قتل ما يزيد على 120 ألفا، واعتقل وغيّب الالاف، واستعمل المدافع الثقيلة والصواريخ والطائرات المقاتلة والاسلحة الكيميائية ضد المدنيين. كل هذا لا يكفي، بل واكتفى الغرب بتجريده من السلاح الكيميائي تاركا له كل الحرية للقتل اليومي، وكأن القتل بالبراميل المتفجرة حلال، ولكن القتل بالكيميائي من الكبائر.
دعونا نكون واضحين، ان تفجير مديرية أمن الدقهلية/ المنصورة عمل ارهابي لا يبرر، مهما كانت الدوافع، وأيا كان الفاعل، ولكن أن يصدر قرار من الحكومة المصرية باعتبار جماعة الاخوان جماعة ارهابية، بعد أيام معدودة من التفجير، ومن دون ان يكشف الفاعل، أو يثبت انتماؤه لهذه الجماعة، فهذا هو الارهاب بعينه، ارهاب الدولة. لقد تعدى الامر ذلك الى المطالبة بالاعدام لأي اخواني يقود مظاهرة ضد الحكومة. يبدو ان الحكومة المصرية الانقلابية فقدت صوابها، فهذا امر لا يتخيله عاقل، خاصة من حكومة تدعي أنها جاءت لتلبي الارادة الثورية للشعب، فهل يرضى هذا الشعب أن يحكم بالحديد والنار، في احكام تبدو أكثر ديكتاتورية من نظام مبارك الذي اقتلعته ثورة الخامس والعشرين من يناير، هل هذا ما قامت الثورة من أجله، الاعدام لمن يجرؤ على قيادة مظاهرة؟ بعد اعتقال قادة حركة شباب 6 ابريل، اكتشفوا ماهية هذه الحكومة التي أيدوها من قبل، وقالوا بعد خمسة اشهر ونصف الشهر، عن الثالث من يوليو أنها تبدو الان حكومة انقلابية، ‘بدري، صح النوم يا شباب’.
في العراق، وفي التحديد في الانبار والفلوجة حيث زخم الحراك الشعبي ضد الممارسات الطائفية لحكومة المالكي، لم يجد رئيس الوزراء حيلة أنجع من التصدي لهم سوى اتهامهم بالارهاب وأنهم يمثلون القاعدة، والان بتهمة الارهاب يعتقل النائب العلواني ويقتل شقيقه.
المشكلة ان الحكام في منطقتنا العربية لا يفهمون حقيقة معنى الديمقراطية، او لا يريدون ان يفهموا، يتغابون، ولا يريدون لأحد ان يجرؤ على مواجهتهم’ أو ان يقول لهم لا، كفى ظلما وارهابا. والغريب في الامر ان حكومة المالكي منتخبة من الشعب (وان كان على أساس طائفي بغيض) وحكومة السيسي ومنصور والببلاوي ليسوا منتخبين، ولكن فئة ليست قليلة من المصريين تؤيدهم، معتقدين خطأ، انه طالما كانت هذه الاحكام بحق الاخوان فلا ضير عليهم، وقد قالها احد مذيعي التوك شو المصريين صراحة قبل التفجير مخاطبا المصريين ‘وانتو مالكم، بتعترضوا ليه، الاحكام دي مش معمولة’علشانكم، دي معمولة ضد الاخوان فقط’.. هل يحتاج مثل هذا الكلام حتى الى تعليق، أو تعقيب؟ الربيع المصري سرق، او كما يقول المصريون اتنشل، وتهم الارهاب لن ترهب المصريين من ان يستردوا ثورتهم. الثورة السورية مستمرة رغم وصف الغرب لجزء منها بالارهاب، والحراك الشعبي العراقي مستمر وربما لن يهدأ الا باسقاط، ليس حكومة المالكي، بل هذا النظام الطائفي الذي اتت به امريكا موهمة البعض بأنها أسست نظاما ديمقراطيا. لبنان يبدو مستقرا الان (كفوهة بركان) ولكن الحقيقة ان لبنان لم يعرف الاستقرار منذ الاستقلال بسبب النظام الطائفي.
دعونا نتعلم اسس الديمقراطية الحقة، العسكر والديمقراطية لا يجتمعان، الطائفية والديمقراطية لا يجتمعان، وهذه الديمقراطية الزائفة التي تصادر الحريات وتطالب باعدام المتظاهرين ليست الا نظاما فاشيا جديدا، يبدو اننا بحاجة الى ربيع جديد، ورغم قتامة المشهد، الا أن الربيع قادم.
‘ كاتب فلسطيني