لا جدال في أن الصهاينة يحتلون الأرض ويسيطرون بالكامل على حركة الشعب، إنما الزمن الفاصل بين 1948 والآن وهو 65 سنة يؤكد في كل يوم أن الأرض لشعبها، ومصير محتلها الاندحار. في كل عام وفي ظل تراكم سنوات النكبة تنقل إلينا الشاشات من فلسطين المحتلة ومن مخيمات اللجوء خارجها ذلك الإصرار على التمسك بالمفتاح الرمز، وبالحق المطلق بفلسطين كل فلسطين.
وفي كل عام يظهر جلياً فشل ذاك الرهان الصهيوني على أن فلسطين ستصبح نسياً منسياً مع أفول جيل النكبة. بالأمس ومن رام الله نقلت شاشة المنار صورة طفل لم يبلغ العاشرة من عمره، طفل لاجئ من فلسطين إلى فلسطين يحمل في دمه ثورة جيله، وتمرد عمره في مواجهة الظلم، يحمل علم بلاده ويواجه الكاميرا: أنا من حيفا.. وهالأرض أرضي.. بدي أدافع عنها.. دم الشهداء دمي.
بكل جسارة وثقة وإيمان تكلم هذا الطفل. وبمثل ما قاله يقول الملايين من أطفال فلسطين. وفي كل عام تكون المفاجأة بمواجهة المحتلين، شعب بكامله يهتف ‘العودة حق وإرادة شعب’. هي إرادة شعب يؤكد من غزة ‘بدنا ديارنا بشمال فلسطين’. وتهتف امرأة مستنكرة ما يشاع عن مشروع تبادل الأرض بين الفلسطينيين واليهود ‘اللي بيفرط بأرضوا بيفرط بعرضو’.
ربما تكون ذكرى نكبة فلسطين هي المحطة التي تلتقي على تقديم فعالياتها كافة القنوات العربية، من داخل فلسطين ومن أرض الشتات، لكن عندما اندلعت المواجهات بين الشبان الفلسطينيين في منطقة باب العمود في القدس المحتلة وغطى الغاز المسيل للدموع المكان، كانت شاشة الميادين الوحيدة في نقل الحدث مباشرة على الهواء. إنما مراسلة الميادين هناء محاميد أكدت الاعتداء الصهيوني على مراسلي بعض من قنوات التلفزيون العربية. في تلك اللحظات تمكن جنود الاحتلال من تفريق التظاهرة، التي عادت لترص صفوفها في أقرب نقطة، وظلت الاعلام الفلسطينية ترفرف في سماء القدس رغم تجول سيارات اطلاق قنابل الغاز. وعلى شاشة الميادين كذلك كان البث مباشراً قريباً من سجن عوفر، وكانت نسرين سلمي تتابع التطورات. بين القدس وعوفر جامع مشترك. الأولى مدينة السماء والعاصمة الأبدية، وحول سجن عوفر يتوحد الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال وتعسفه بحق الأسرى. وحدها شاشة الميادين كانت في بث مباشر من عوفر ومن القدس.
لم تكن النكبة يوماً عابراً في حياة الشعب الفلسطيني ولن تكون، هي مسيرة رفض متواصلة لكافة المفاعيل التي تلت غزوة جحافل المستوطنين لأرض فلسطين في عام 1948 وقبيله. هذه الذكرى عمت فلسطين كل فلسطين، ووصلت إلى جامعة تل أبيب. في تلك الجامعة هتف الطلاب الفلسطينيون باسم قراهم التي أقيمت الجامعة على أراضيها. شباناً وشابات اتشحوا بالسواد وحملوا الأعلام الفلسطينية. هي خطوة على طريق ترسيخ الهوية الفلسطينية، قابلتها مجموعة من الطلاب الصهاينة بهتافات ضد فلسطين.
هي فلسطين إليها تتجه الأنظار والأفئدة، منها وعبرها يسترد العرب توازنهم ومكانتهم السياسية في هذا العالم الذي سلط كافة قدراته المدمرة لتثبيت دولة عنصرية غاصبة في أرض لها شعب حي ينبض.

سوق الحميدية أم شارع الشانزليزيه؟

بعد نكبة الشعب الفلسطيني ربما لم يخطر في بالنا أن الشعب السوري سيصيبه مصير الهجرة القسرية عن وطنه وبالملايين. هو التقاتل المدمر بين مكونات الشعب السوري دفع بأكثر من ثلثي الشعب لترك مكانه، إما داخل البلاد أو إلى دول الجوار. هي نكبة القرن ال21 كما سمتها الأمم المتحدة. ولأن زمن الهجرة عن الديار طال، ولأن الانتظار ليس له زمنه المحدد، كان على الهاجرين لديارهم أن يبتكروا وسائل دفاعهم. في مخيم الزعتري على الحدود الأردنية السورية نقلت مراسلة ‘صباح العربية’ سهى جميل ابتكاراً انتجه زمن الهجرة، إنه شارع الشانزليزيه داخل مخيم الزعتري. في هذا الشارع أحيا السوريون بعضاً من ذكريات الأسواق التي خلفوها وراءهم في أرض الوطن ومنها سوق الحميدية العريق. لكن شتان بين ما كان وما صار. هكذا يعبر التجار أنفسهم. ولأن مخيم الزعتري يقترب من أن يكون مدينة، فإن شارع الشانزلزيه بات يحاكيه، فبلغ عدد الدكاكين حوالى ال600 تبيع كافة المطلوب من ساكني المخيم المقتدرين بما في ذلك الذهب. أما العمالة فمعظمها من الأطفال الذين يختبرون الشقاء في نزوحهم عن وطنهم. قد يتصور قارئ أن المال متوفر لدى جميع اللاجئين إلى مخيم الزعتري، إنما أحد التجار قال الواقع القاسي ‘معظم السكان بالزعتري لا تملك ثمن كيلو برتقال’.
شانزليزية أم سوق الحميدية هي روح سوريا ترافق شعبها أينما حلّ، هي إرادة الحياة وما تفرضه من متغيرات على البشر. والأمل أن لا يطول تشرد هذا الشعب.
عنف القرون الوسطى
لم تغب واحدة من قنوات التلفزيون العربية وبالتأكيد العالمية عن بث وذكر ذاك الشريط المفجع. ‘مقاتل’ سوري يعبث بجثة جندي نظامي، يغرس أصابعه في صدره الممزق والمدمى كأنه يداعب صحناً شهياً من الحلوى، ومن ثم ترتفع يده إل فمه بقلب المقتول.. ليأكله. والباقي واضح وجلي. عنف متنام ومتصاعد بقسوة لا يحتملها عقل ولا يرضى بها دين تظهر تباعاً على أطراف الحرب السورية المدمرة. بدأت حرباً ضد نظام مستبد، ومع مرور الزمن ووصول الأشرطة المصورة إلى قنوات التلفزيون وبثها على اليوتيوب اختلطت علينا الأمور في معايير الإجرام. ونسمح لأنفسنا بالسؤال عن هذا الكم من العنف الموجود لدى مجموعات من الشعب السوري؟ تهليل وتكبير وترحيب بالذبح، والرمي عن السطوح ومن الشبابيك، وجاء التهام القلوب ليتوج المسيرة المتعثرة للثورة على النظام . فهل سيصل تصاعد الإجرام إلى شرب دماء القتلى مع ‘مازا’؟ ربما لا يكون الأمر مستبعداً بعد تسرب شريط جديد لم يصل بعد لقنوات التلفزيون عن قطع العضو الذكري لعدد من القتلى الذين يطلق عليهم لقب ‘الشبيحة’. مهلاً الحكاية لا تنتهي عند البتر فقط، بل يوضع كل عضو في فم صاحبه! إنه عقاب الشبيحة. إياكم أن تكونوا شبيحة قصاصكم معروف وصولاً إلى دق الخازوق في القفا.
هي ممارسات تصدرت الصحافة العالمية، ونالت من الاستنكار الإنساني لهولها ما نالته. السؤال هل من نهاية لهذا العبث بالشعب السوري؟ فكلما طالت تلك الحرب تظهر حجماً غير مسبوق من الممارسات البشعة التي تنوء بها الضمائر.

الغانغام ستايل في السعودية

لا حواجز أمام ‘غانغام ستايل’. ليس لأحد إن يحاصر هذه الموسيقى الجميلة التي وحدت الشباب جميعهم في رقصها وغنائها. قلة لم ترقص على ذلك النغم الساحر. سحر ‘غانغام ستايل’ تغلب على كافة حواجز الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر السعودية الهوى والهوية. قناة الجديد بثت شريط يوتيوب يظهر مجموعة من الشباب في السعودية يرقصون ‘غانغام ستايل’ في فرح أحدهم. إنها السعودية ستايل، شبان بالكوفية والعقال والثوب الأبيض الطويل تملأهم الحيوية، ويفوح منهم الفرح يرقصون بكل حرية بعيداً عن أي رقيب يمتهن قنص الفرح. شريط فاق عدد مشاهديه المليون و200 بحسب الجديد. وهكذا يمكن القول بضربة مركزة حققته ‘غانغام ستايل’ في مرمى فريق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. اخترق النغم حواجزهم، عيونهم وآذانهم، رقص الشباب بعيداً عن نكد ذاك العصا الذي يحمله من تم تنصيبهم مؤدبين للمجتمع، ويشيعون من خلاله الخوف في النفوس.

الجميلة انجيلينا

لا شك بأن الممثلة انجيلينا جولي أضافت إلى رصيدها وأريجها المنتشر بجمالها ورقتها وإنسانيتها رصيداً آخر يوازي كل ما سبق. هي امرأة جريئة فعلاً بقرارها استئصال ثدييها في محاولة لتقليص حجم مخاطر إصابتها بالسرطان. فقد أثبتت فحوص مخبرية متطورة بأن جولي معرضة بنسبة كبيرة جداً لهذا المرض الذي يصيب نسبة كبيرة من النساء. وان استئصال الثديين يقلص هذه المخاطر إلى خمسة بالماية فقط. لكنها لم تتخذ قرار اسئصال المبيض بعد وهو مهدد بدوره.
جولي كتبت عن حالها على صفحة التواصل الاجتماعي خاصتها. شرحت كيف قضى سرطان الثدي على والدتها. وتحدثت عن اسئلة أطفالها إن كانت ستذهب كما حصل لجدتهم. ولم تنس جولي ذكر دعم زوجها براد بيت لها.
هي امرأة مثال في الجرأة، إذ ليس للمرأة أن تتخذ ذلك القرار المصيري بالإستغناء طوعاً عن رمز أنوثتها. لكن جولي التي تفيض أنوثة، فعلتها. ومن خلالها كان تحقيق موسع للجديد شرح مع طبيبة مختصة حيثيات ما حصل. وتبين من خلال هذا التحقيق أن الفحص الذي أجرته جولي يكلف في بيروت لدى المختبر الوحيد الذي يجريه ثلاثة آلاف دولار، وهو مبلغ مهول بالنسبة للغالبية الساحقة من النساء. ومع ذلك قالت معدة التحقيق في قناة الجديد نوال بري: حياة أنجيلينا ليست أغلى من حياتك: عليك الإنتباه لحياتك.

صحافية من لبنان