«جادك الشرق»
أيّها الشرقُ
العابرُ للصّفات
ستختمرُ بعدَ قليل
لعنةٌ جديدة
سنعبر بها الليل
كجِمالٍ متعبة
محمّلة بالدبس والناطف
من عين تاب
سنحشو مسدساتنا
بالحكايات
ونطلق على تلك الأيّام الرخوة
أيّها الشرق
يا صورتنا على جدارٍ مهدّم
يا حصّتنا من الشتائم والنازحين
يا خزنتنا في بنك التراجيديا
غدًا
سنحشو مسدساتنا
بالحكايات
«الكاذبة»
والصمت
أطلق..
لا تطلق
«اقتلوا يوسف»
«لا تقتلوا يوسف»
كان يوسف أخي
وكنا نجري معًا
في الطريق إلى الطاحونة
ونعود معًا
من المدرسة
وكان اسمي «يوسف»
أيضًا
فوشَمَنا أبي
جرح خدّه بخنجر
وصلم أذني اليسرى
وهكذا كنّا:
يوسفين شائهين
يشمّ الذئب جراحنا
ثم يعوي
لا بئر في المراعي
ولكنّ المطر
حوّل المرعى إلى مستنقع
– «أشمّ عفنك»
قال يوسفي، وضحك
ظهرت أسنانه السوداء
– «أرى أعضاءك»
قلتُ، وقهقهت عاليًا
ومسحت عيني المفقوءة
حين توقّف المطر
بقي المستنقع مكانه
وطنًا
أخضر
تغنّي فيه ضفادع مقدّسة
أيّها الشرق
يا جلد الحكايات المدبوغ
عمّا قليل
سنحشو مسدساتنا بالصمت
يوسفين
شائهَين
عاجزَين
حنونين
نستمع إلى الموسيقى
التي خمّرتها الحرب
ثمّ «نزوم»
وكأنّنا لم نفقد أقدامنا
أبدًا.
«في الكرى أو خِلسة المختلِسِ»
الليل هو الليل
غيمة البلاستيك اللدن
الخانق
البرق كذبة
القمر كذبة
وحدها الذئاب الفضيّة
تصنع أملًا
حين يمرّ العويل
حزينًا.. «فعولن»
خافتًا .. «فاعلن»
البحار ذاتها
السفن ذاتها
تدوف ليلًا فاترًا
بثاني أوكسيد الأمل
والآن..
سأقطع هذا الانتظار المرير
بحلّ الكلمات المتقاطعة
سيتعثّر اسمي
بمربّع أسود
سأختطف اسمكِ
لمربّعات «أفقية»
أهملتها الهدنة الجديدة
في ذلك الليل
المدهون بالزبدة المغشوشة
والآن..
سأعدّ الأضواء الباقية هناك
واحد..
اثنان
خمسة
عشرون
كذا وأربعون
الأضواء التي لم تهرسها الحرب.
«يعرف الذنبَ ولا يعترفُ»
شيءٌ يشبه الموت
أشمّه في المدينة
أركض خلفهُ في الشوارع الخلفيّة
لونه لون موت
طعمه طعم موت
رائحته
أنا الوحيد في القافلة
أنا الصيف الذي جفّف التين
في الطريق إلى منبج
أشمّ ذاك الغريب
في مدينة صغيرة
كأنّني لم آكل خبزاً
في «تل معروف»
ولا استوقفني الباعة في «تل تمر»
هو ذاك الشرق الجافّ
النحيل
المشتعل في هدوء
كـ «سيجارة» حمراء طويلة
شيء لا يمكن أن أسمّيه
لا يمكن أن أشتمه
لا يمكن أن أغنّي له
لكنني كلما سمعت الـ»ياردلي»
أو دسست يدي في جيب الذكريات
البعيدة
وجدت أشياء غريبة
كخمس ليرات ورقية
صفراء على ما أذكر
مفتاح جرّة غاز
قلم «ريم»
ولكنّها تركض معي في المشهد
تركب معي باص «القامشلي – القحطانية»
تركب معنا الأغنية الكردية
الأغنية التي تكمل وحدها الطريق
بينما الركاب ينزلون
واحداً واحداً
ليس بحراً ذلك الذي جفّ
موجه يرسم سفينة
ليس سماء ذلك الذي بكى
غيومه كانت بيضاء
لكنّي أكاد أعرفه
أكاد أسمّيه
يشبه الموت القديم
الموت الذي كان يحترمنا
حين يتناول وجبته معتذراً
ويمضي
فيما قافلةٌ من نساء
يؤطّرن المشهد
بسوادِ فاتن.