بغداد ـ «القدس العربي»: يخطط أتباع القوى السياسية المنضوية في «الإطار التنسيقي» الشيعي، للخروج بتظاهرات، للضغط على الأطراف السياسية لإسراع في تشكيل حكومة «كاملة الصلاحيات»، وتمرير مرشح «الإطار» لرئاسة الوزراء، النائب محمد شياع السوداني، في وقتٍ يترقب فيه مراقبون للشأن السياسي، التبعات الدولية عقب الإحاطة «شديدة اللهجة» التي قدّمتها الممثلة الأممية، جينين بلاسخارت، أمام مجلس الأمن مساء أول أمس.
أعلنت ما يعرف بـ«اللجنة التحضيرية للحراك الجماهيري»، التابعة لقوى «الإطار»، الأربعاء، البدء بالاستعدادات لتنظيم تظاهرة للضغط على الأطراف السياسية للإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة «كاملة الصلاحية».
وذكر بيان للجنة، أن «التظاهرة تهدف إلى إنهاء الفوضى والانفلات الأمني ومحاسبة المفسدين وإنجاز موازنة العام المقبل والحد من الغلاء المعيشي ومخاطر الأزمة الاقتصادية المقبلة والإسراع بانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف المرشح لرئاسة الحكومة».
وأشارت في بيانها إلى أن «زمان ومكان التظاهرات سيعلن لاحقاً».
يأتي ذلك في وقتٍ، أكد فيه رئيس «مركز التفكير السياسي»، إحسان الشمري، أن إحاطة بلاسخارت في مجلس الأمن بشأن العراق «كشفت مستوى الأداء السياسي للطبقة التقليدية» والأحزاب وطبيعة إدارتها للازمة الحالية، وعلى المستوى العام في العراق.
وقال لإعلام نقابة الصحافيين العراقيين، إن «الإحاطة كشفت أيضا مستويات الفساد وشخصت الخلل، وتعد مختلفة ومتقدمة عن الإحاطات السابقة، حيث أشارت إلى أن هذا النظام لم يعد يعمل لصالح الشعب والبلد، وإن الشعب فقد الثقة بالطبقة السياسية والنظام السياسي بشكل كامل».
وحسب قوله «بلاسخارت، باتت يائسة في إيجاد الحلول للأزمة السياسية الحالية، هذا من جانب، ومن جانب آخر، تعتقد أن الأمور ستمضي نحو الهاوية»، مشيراً إلى أن «دعوات بلاسخارت نحو الحوار، لن تمضي، ولن تجد استجابة لها».
ووفقاً له، «الزعيم مقتدى الصدر قبل بالحوار، لكن باشتراطات، أولها أن تكون علنية، وهذا الأمر لا يقبل به خصومه السياسيون، على اعتبار أن أغلب القوى السياسية في حواراتها، تركز على ما يمكن أن تحتكره من مؤسسات الدولة، وهذا الأمر لا يتوافق مع طبيعة الكشف العلني للحوارات».
وأكد أن «بلاسخارت تعمل على مبادرة، خاصة في ظل عدم انتاج الحلول للأزمات في البلاد، وفي ذات الوقت طلبت التباحث مع أعضاء مجلس الأمن، وهذا الأمر يؤشر أنه ربما نكون أمام قرارات أو توصيات من مجلس الأمن تجاه العراق».
ورأى أن «إحاطة بلاسخارت كانت رسالة إلى مجلس الأمن من أن الطبقة السياسية التي تدير العراق غير مؤهلة، وبالتالي، قد تنتج فوضى في المنطقة» حسب وصفه.
من جانب آخر، علق القيادي في الحزب «الديمقراطي الكردستاني»، هوشيار زيباري، على إحاطة بلاسخارت.
وقال في «تدوينة» : «كانت فيها نقاط إيجابية، ولكن الإحاطة تغاضت وأهملت الفاعلين المعرقلين لمسار العملية السياسية والدستورية بعد انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021 والتي ساعدت البعثة الأممية على إنجازها والأشراف عليها. فلا أرى ولا أسمع ولا أتكلم، عن الانسداد».
وقالت بلاسخارت، في إحاطتها، أول أمس، «كثرت الدعوات الموجهة إلى زعماء العراق للتغلب على خلافاتهم وتشكيل حكومة منذ إجراء الانتخابات قبل عام من الآن، وخلال الأشهر الاثني عشر الماضية أكّدنا (مراراً وتكراراً) أهمية الحفاظ على الهدوء والحوار والامتثال للدستور واحترام مبادئ الديمقراطية وسير عمل مؤسسات الدولة دون عوائق وحكومة فاعلة تؤدي وظائفها بفعالية للتصدي للمطالب المشروعة، لتحسين الخدمات العامة وتوفير فرص العمل وحفظ الأمن والقضاء على الفساد وتحقيق العدالة وضمان المساءلة على سبيل المثال لا الحصر».
تصاعد التوتر
وأضافت: «لكن للأسف، كان للشقاق ولعبة النفوذ الأولوية على حساب الشعور بالواجب المشترك. وكنتيجة مباشرة للتقاعس السياسي الذي طال أمده، شهد العراق أوقاتاً حرجة وخطيرة للغاية»، مبينة أن «مع اندلاع المظاهرات والمظاهرات المضادة، تصاعد التوتر لأشهر عدة. وبدأ مؤيدو الأحزاب السياسية، وكثير منهم مسلحون، ينشطون بشكل متزايد. ولم يكن المرء بحاجة لكرة بلورية ليتنبأ بما يمكن أن يفضي إليه ذلك الوضع. وفي تلك الأثناء كان المواطن العراقي العادي رهينة لوضع لا يمكن التنبؤ به ولا يمكن احتماله».
محلل: إحاطة بلاسخارت رسالة لمجلس الأمن أن الطبقة السياسية غير مؤهلة
وأشارت إلى أن «كان الوضع خطيراً جداً، وتصاعد إلى ذروته يوم الإثنين الموافق 29 آب/أغسطس، حيث أمسى البلد على شفا الفوضى العارمة. وتحولت التوترات السياسية إلى اشتباكات مسلحة في قلب العاصمة وفي مناطق أخرى، وأسفرت عن نتائج محزنة تمثلت بمقتل العشرات وإصابة المئات من الأشخاص».
جرس إنذار
وزادت: «لا جدال في أن هذه التطورات المأساوية، هي نتيجة لعدم قدرة الطبقة السياسية في العراق على اتخاذ إجراءات فعالة. وبتعبير آخر: لقد أخفقت الأطراف الفاعلة على امتداد الطيف السياسي في وضع المصلحة الوطنية في المقام الأول. لقد تركوا البلد في مأزق طويل الأمد، مما زاد من تصاعد الغضب المتأجِّج أصلاً».
وأشارت إلى أن «الأحداث الأخيرة كان من شأنها أن تمثل جرس إنذار، بيد أن الحقيقة المُرة هي أنه، حتى الآن، لم تفتُر حدة الصراع بين الأطراف الشيعية، ولم تقترب الأحزاب الكردية من الاتفاق على مرشح رئاسي. لا يزال الوضع شديد التقلب».
وأوضحت أن، «عقب ما يزيد على شهرين من الشلل، استأنف مجلس النواب جلساته الأربعاء الماضي الموافق 28 أيلول/سبتمبر، وسط إجراءات أمنية مشددة (بل مشددة للغاية). بيد أن تلك الإجراءات لم تمنع وقوع المزيد من الحوادث، بما في ذلك سقوط عدد من مقذوفات النيران غير المباشرة بالإضافة إلى وقوع اشتباكات بين المتظاهرين والقوات الأمنية».
ووفقاً لها، «لا يوجد أي مبرر للعنف، بيد أنه وفي هذه الحالة، مجدداً، أُصيب العديد من الأشخاص، (11) مدنياً وما يزيد على (120) منتسباً للقوات الأمنية، وكلهم من أبناء البلد الواحد، ولم نرَ نهاية لذلك بعد، ففي الليلة الماضية، وبعد ثلاثة أيام من هجمات بالصواريخ، شهدت البصرة قتالاً ضارياً، بينما أفادت تقارير بوقوع حوادث أقل خطورة في محافظات جنوبية أخرى».
وقالت أيضاً: «أود أن أؤكد هنا مشاركاتنا المكثفة خلال الأشهر والأسابيع الماضية، بدءاً من المشاركة في الحوار وعقد لقاءات ثنائية لا حصر لها، وصولاً إلى صياغة خرائط الطريق والقيام بتحركات دبلوماسية مكوكية بأشكال مختلفة. صدقوني، لقد حاولنا دون توقف».
وأكدت: «أننا لا نمتلك عصا سحرية. ففي نهاية المطاف، يعود الأمر كله إلى الإرادة السياسية. ولا يقل أهمية عن ذلك فهمنا أنه في نهاية المطاف، لا يمكن للمرء أن يكون مؤثراً ما لم يتقبل تأثير الآخرين، لو كان هناك فقط استعداد للوصول الى تسويات»، مبينة إن «هناك شيء واحد واضح، وهو أن الاستمرار الواضح بانعدام الثقة يديم اللعبة الصفرية، لعبة يتم فيها تجنب الالتزام بحلول ملموسة».
أخطاء استراتيجية
وتابعت: «منذ إجراء الانتخابات قبل عام، ارتكبت كافة الأطراف ـ وأعني كافة الأطراف – أخطاء استراتيجية وأساءت التقدير، والأهم من ذلك أنهم أضاعوا فرصاً ثمينة عديدة لحل خلافاتهم. وبوجود مخاطر ما تزال واقعية للغاية لوقوع مزيد من الفتنة وسفك الدماء، فإن التركيز على من فعل ماذا ومتى لم يعد خياراً».
ولفتت إلى أن، «حان الوقت لقادة العراق (كافةً) لأن ينخرطوا في الحوار، ويحددوا بشكل جماعي احتياجات العراق الأساسية ويبعدوا البلد عن حافة الهاوية»، داعية القادة في العراق إلى «تحمل المسؤولية وإعادة التركيز إلى حيث ينبغي أن يكون: على شعب العراق».
وزادت: «لا يكن لديكم أدنى شك أن خيبة أمل الشعب قد وصلت إلى عنان السماء. لقد فقد العديد من العراقيين الثقة في قدرة الطبقة السياسية في العراق على العمل لصالح البلد وشعبه. ولن يؤدي استمرار الإخفاق في معالجة فقدان الثقة هذا سوى إلى تفاقم مشاكل العراق»، موضحة أن، «للتركيز نفس القدر من الأهمية، فقد شهدنا الإعلان عن عدد كبير من المبادرات منذ انتخابات تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي، ولكن وجود الكثير من المسارات والعديد من اللاعبين من شأنه أن يشتت الانتباه ويربك الصورة ويشوهها».
ورأت أن «وجود حكومة تؤدي وظائفها هو فقط الخطوة الأولى للتغلب على الأزمة الراهنة بطريقة مستدامة. وينبغي معالجة طائفة واسعة من القضايا الملحة، ومن أهمها إقرار الميزانية الاتحادية، والتي في غيابها يمكن أن يتوقف الإنفاق الحكومي بحلول نهاية العام، كما ينبغي أن ينطلق العمل في اتجاه الوصول إلى تغيير جذري».
وأكدت أن، «منذ عام 2003، أُهدرت العديد من الفرص لإجراء إصلاح هادف ومطلوب بشدة. وبعد ما يقرب من 20 عاماً، يتوجب على قادة العراق الإقرار أن التغيير المنهجي أمر حيوي لمستقبل البلاد»، مبينة أن، «قد فشلت حتى الآن محاولات للمضي بإصلاح تدريجي، بما في ذلك في مجال مكافحة الفساد، حيث تم بشكل فعال تقويض تلك المحاولات أو عرقلتها».
وحسب بلاسخارت، فإن الفساد في العراق «هو سمة أساسية للاقتصاد السياسي العراقي الحالي، وهو متغلغل في المعاملات اليومية. ولست أنا فقط من يقول ذلك، بل أنه أمر مُقرٌّ به على نطاق واسع. ومن السمات ذات الصلة اعتماد العراق على المحسوبية والمحاباة. وقد نتج عن ذلك قطاع عام متضخم وغير فعّال، ويعمل كأداة للخدمات السياسية أكثر من كونه أداة لخدمة الشعب».
وأشارت إلى أن «النظام السياسي ومنظومة الحكم في العراق يتجاهلان احتياجات الشعب العراقي، أو حتى أسوأ من ذلك، يعمل بنشاط ضدها. ويمثل الفساد المستشري سبباً جذرياً رئيسياً للاختلال الوظيفي في العراق. وبصراحة، لا يمكن لأي زعيم أن يدّعي أنه محم منه».
واعتبرت أن «إبقاء المنظومة كما هي سوف يرتد بنتائج سلبية عاجلاً وليس آجلاً، لذا من المهم صياغة ما أقول بدقة وعلى النحو التالي: المنظومة، وليست مجموعة من الأفراد أو سلسلة من الأحداث».