أنقرة ترسل طائرتي مساعدات لواشنطن وتقارب حول إدلب وليبيا وتأجيل تفعيل «إس 400»

إسماعيل جمال
حجم الخط
0

إسطنبول ـ «القدس العربي»: فرض انتشار فيروس كورونا حول العالم ما يمكن تسميتها بـ«الهدنة الإجبارية» على الخلافات التركية ـ الأمريكية التي تصاعدت بشكل كبير جداً في الأشهر الأخيرة، وكان يتوقع أن تصل إلى ذروتها مع حلول موعد تفعيل منظومة إس 400 الدفاعية الروسية منتصف الشهر الماضي وهو ما يحصل حتى الآن، في حين أرسلت أنقرة طائرتي مساعدات إلى واشنطن لمساعدتها في مكافحة فيروس كورونا ما ولد أجواء إيجابية في العلاقات بين الحليفين التاريخيين في «الناتو«.
ورغم العلاقات «التاريخية والاستراتيجية»، إلا أن خلافات واسعة تصاعدت في السنوات الأخيرة بين تركيا والولايات المتحدة تركزت حول الدعم الأمريكي للتنظيمات الانفصالية في سوريا ورفض واشنطن تسليم فتح الله غولن والغضب الأمريكي من التقارب التركي مع روسيا وشراء أسلحة ومنظومة دفاعية من موسكو، وغيرها الكثير من الملفات التي أوصلت العلاقات إلى مستوى التصريحات والتهديدات المتبادلة وفرض العقوبات.
ولكن، إلى جانب هذه الخلافات، حصل تقارب أمريكي ـ تركي في العديد من الملفات، منها الدعم الأمريكي للجيش التركي في إدلب، والرضا الأمريكي الضمني عن الحد التركي من الأنشطة الروسية في ليبيا، وتأجيل تركيا تفعيل المنظومة الروسية وإيصالها رسائل بتعاون أكبر مع واشنطن خلال الفترة المقبلة.
ومؤخراً، قال ديفيد ساترفيلد، سفير الولايات المتحدة في تركيا، إنه أبلغ الإدارة التركية أكثر من مرة بأنها يمكن أن تتعرض لعقوبات أمريكية إذا قامت بتشغيل المنظومة، وذلك بموجب عقوبات تشريعية أو قانون التصدي لخصوم أمريكا من خلال العقوبات والذي يستهدف معاقبة الدول التي تشتري معدات دفاعية من روسيا.

معوقات تقنية

ويعتبر ملف منظومة إس 400 الدفاعية الروسية أبرز ملفات الخلافات وأعقدها، حيث كان من المقرر أن تقوم تركيا التي اشترت المنظومة واستلمتها ونصبتها بتفعيلها وإدخالها الخدمة بشكل رسمي منتصف شهر أبريل/نيسان الماضي، لكن ذلك لم يحصل، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام التساؤلات حول ما إن كان ذلك نتيجة معوقات تقنية بسبب الإجراءات الاستثنائية المتعلقة بانتشار كورونا، أم إنها كانت محاولة تركية لتأجيل صدام أكبر مع الولايات المتحدة التي هددت بفرض عقوبات واسعة جديدة وإنهاء دور تركيا في مشروع طائرات إف 35 بشكل نهائي ومنع بيعها منظومة باتريوت الدفاعية، في حال تفعيل المنظومة الروسية.
ورداً على هذه التكهنات، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، إن بلاده أرجأت خطط تفعيل المنظومة الروسية بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، مشدداً على أن «هناك تأجيلاً، لكن نشر المنظومة سيمضي قدماً كما هو مقرر له»، لافتاً إلى أن الرئيس رجب طيب اردوغان أبلغ نظيره الأمريكي دونالد ترامب مجدداً أنه مهتم بشراء منظومة باتريوت.
وبالتزامن مع هذه الأجواء الإيجابية، أرسلت تركيا طائرتي نقل عسكريتين محملتين بالمساعدات الطبية للولايات المتحدة لمساعدتها في مواجهة انتشار فيروس كورونا، وهو ما ساهم في خلق أجواء إيجابية كبيرة على الصعيدين الشعبي والرسمي بين البلدين، ووصلت تركيا رسائل إشادة من السفير الأمريكي وأعضاء في الكونغرس ونائب الرئيس وغيرهم.
وأرفقت المساعدات برسالة طويلة من اردوغان إلى ترامب، شدد فيها الرئيس التركي على أن تركيا «شريك موثوق للولايات المتحدة»، وطلب من ترامب التعاون مع تركيا بشكل أكبر في سوريا وليبيا. وكتب: «ينبغي الاستفادة من هذه الأجواء في تطوير العلاقات التركية-الأمريكية في جميع المجالات، وتفعيل الإمكانات التي يتمتع بها البلدان بأقصى درجة، وخاصة على صعيد هدف رفع التجارة بين البلدين إلى 100 مليار دولار». كما أعرب عن أمله في أن «نأمل أن يدرك الكونغرس والإعلام الأمريكي مستقبلاً، وبشكل أفضل، الأهمية الاستراتيجية لعلاقاتنا».
والأربعاء، اعتبر وزير الخارجية التركي، مولود جاوش أوغلو، أن المساعدات التي قدمتها أنقرة لواشنطن ساهمت في خلق أجواء إيجابية لدى الكونغرس والمجتمع الأمريكي، لكنه دعا إلى عدم التشاؤم حول مستقبل العلاقات بين البلدين، وعدم الإفراط في التفاؤل والاعتقاد بانتهاء جميع الخلافات بينهما. وأعاد الوزير التركي التذكير بأبرز محاور الخلاف بين البلدين وهي «الدعم الأمريكي لتنظيمي «ي ب ك/بي كا كا» و«غولن» الإرهابيين، وكذلك موقف واشنطن من شراء أنقرة منظومة الدفاع الصاروخية الروسية».
وإلى جانب الملفات السابقة، فإن التطورات الأخيرة التي شهدتها محافظة إدلب ساهمت في تحقيق بعض التقارب التركي الأمريكي أيضاً، وفي ندوة لحلف الأطلسي قبل أيام، جدد المبعوث الأمريكي لسوريا، جيمس جيفري، دعم بلاده للجيش التركي في إدلب، في حين قال إبراهيم قالن إنه «إلى جانب إدلب، توجد دائماً مساحات لتعاون أعمق بين الولايات المتحدة وتركيا رغم الاختلافات»، مضيفاً: «يجب وضع الخلافات جانباً، والتخلي عن المصالح المؤقتة والألعاب الجيوسياسية الصغيرة».

الملف الليبي

وفي الملف الليبي، ترى أوساط تركية أن هناك رضاً أمريكياً ضمنياً عن التحركات العسكرية التركية في ليبيا، ليس من باب الرغبة في التوسع التركي وإنما من باب أنها تساعد في الحد من النفوذ والتوسع الروسي هناك، إلى جانب أن واشنطن معنية خلال المرحلة المقبلة بتعاون اقتصادي أوسع مع تركيا في ظل احتمالات تصاعد الخلافات مع الصين والخطط الأمريكي لمعاقبة بكين على خلفية الاتهامات لها بإخفاء معلومات منعت السيطرة على كورونا.
ويقول الكاتب التركي بارتشين ينانتش، في مقال له بصحيفة حرييت: «ما من شك في أن التطورات في سوريا خلال الأشهر الستة الماضية كان لها آثار إيجابية على علاقات تركيا والولايات المتحدة»، لافتاً إلى أنه في الوقت الذي تحسن فيه التنسيق الأمريكي التركي في شمال شرق سوريا، تدهورت العلاقات الروسية التركية في الشمال الغربي من سوريا، مشدداً على أن مقتل الجنود الأتراك في إدلب أمر لن يمر بسهولة وسيبقى له آثار كبيرة.
وتابع الكاتب: «على المدى القصير، لن يكون من المفاجئ أن تتحسن علاقات تركيا مع الغرب، ليس فقط لأن محنة إدلب زادت من قيمتها كممثل موازن ولكن أيضاً بسبب الصعوبات الاقتصادية للبلاد التي من المتوقع أن تتفاقم مع جائحة كورونا وعندما تكون تركيا في حاجة عاجلة إلى العملات الأجنبية، لن تتجه إلى موسكو التي تواجه صعوباتها الخاصة مع انخفاض أسعار النفط، ولكن إلى العواصم الغربية». وأشار إلى أنه «في حين أن جزءاً من الجليد ذاب مع الولايات المتحدة بسبب سوريا، فإن غياب تأكيد أكثر إلزاماً بأن S ـ 400 لن يتم تنشيطها، يجعل من تلك القضية قادرة على منع أي انفتاح اقتصادي من الجانب الأمريكي. وفيما يتعلق بأوروبا، فسوف نرى ما إذا كان الهجوم السحري للإمدادات الطبية سيحدث أثره».

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية