دمشق – «القدس العربي» : يتطلب أي تحرك عسكري شرق الفرات تفاهمات معمقة بين أنقرة والولايات المتحدة التي تسير بخطى متوازنة في علاقتها مع طرفي الصراع التركي – الكردي، حيث تميل واشنطن إلى سياسية الاسترضاء مع حليفها الدولي، في الوقت الذي لا ترغب فيه بخسارة حليفها المحلي المتمثل بقوات سوريا الديمقراطية المعروفة اختصاراً بـ»قسد»، وفي المقابل تبدو الرغبة التركية في القضاء على الميليشيات المصنفة لديها على قوائم الإرهاب قد انتقلت إلى مرحلة أكثر جدية عبر الاستهداف المباشرة، لكن وحسب محللين فإن أي تقدم عسكري لانقرة في حربها ضد «قسد» سيحتاج إلى جهود مكثفة تنتهي برفع الغطاء الأمريكي عن حليفها المحلي.
وفي سياق السياسة الأمريكية الرامية إلى الحفاظ على شريكيها المحلي والدولي، أرسلت واشنطن رسائل سياسية في اكثر من اتجاه، لتطمين أنقرة وترميم العلاقة معها، وحث وحدات حماية الشعب الكردية «ب ي د» على الانفصال عن قيادتها في جبال سنجار، حيث اعلنت واشنطن، رصد مكافأة مالية لمن يدلي بمعلومات عن مكان وجود أي من: مراد قره يلان (5 ملايين دولار)، وجميل بايق (4 ملايين)، ودوران قالقان (3 ملايين)، وهم قياديون في «بي كا كا»، الامر الذي رفضته واعتبرته محاولة لفصل تنظيمين إرهابيين عن بعضهما، معربة عن أسفها إزاء تعسُّر إدراك «بعض الحلفاء» لهذه الحقيقة.
«نفاق أمريكي»
ووصف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان سياسة الولايات المتحدة الأمريكية بـ «المنافقة» فيما يخص مكافحة «بي كا كا». وقال اردوغان في هذا الصدد «من يعلنون بي كا كا منظمة إرهابية ويخصصون المكافآت علناً للقبض على قياداتها، يتعاملون مع الإرهابيين من خلف الستار، ونحن ندرك ذلك جيداً، وتتوهم الولايات المتحدة خداع أنقرة عبر إعلان مكافآت للقبض على قيادات «بي كا كا» المتمركزين في العراق، فيما تتعاون القوات الأمريكية مع عناصر المنظمة في سوريا الذين يوجهون أسلحتهم صوب تركيا، وتسيّر دوريات مشتركة معهم». وأكد اردوغان رفضه السياسة الأمريكية الرامية إلى فصل ميليشيات قسد – الذراع الأمريكية في سوريا – عن قيادتها في جبال سنجار، وقال «إن الذين يستخدمون تنظيم «داعش» الإرهابي بغية إجهاض الخطوات التركية في المنطقة، بدأوا يدركون خطأهم» مؤكداً أن «هذه الألعوبة ستفشل، وإن الذين يسيرون مع الإرهابيين سيكونون هم الخاسرين في نهاية المطاف».
رسائل أمريكية بهدف إرضاء حليفيها «الدولي» و«المحلي» العدوين
واعتبر قيادي كردي سوري، أن الإعلان الأمريكي عن مكافآت مالية للإدلاء بمعلومات تقود إلى كشف هوية أو مكان ثلاثة من القياديين البارزين في حزب العمال الكوردستاني «ب كا كا»، يحمل رسائل سياسية مباشرة لأكثر من جهة، ويطالب بفك ارتباط حزب «ب ي د» عن حزب العمال الكردستاني «ب كا كا» المدرج على قوائم الإرهاب، والرجوع إلى الحاضنـة الكـردية.
وقال علي مسلم، القيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني: «إن هذا الإعلان يحمل في متنه رسائل سياسية عدة ، فهي من جهة تأتي بمثابة الدعوة الصريحة لتطمين حليفتها تركيا ولا سيما أن الإعلان كان في قلب العاصمة التركية أنقرة على لسان مساعد نائب وزير الخارجية الأمريكي ماثيو بالمر بعد زيارة قام بها إلى تركيا في السادس من نوفمبر̸ تشرين الثاني 2018»، مشيراً إلى أنها «خطوة قد تساعد في إصلاح العلاقات المتوترة بينهما». ولفت مسلم إلى أن ذلك يعتبر «رسالة واضحة وصريحة إلى «قسد» وبشكل خاص لحزب «ب ي د» من أجل تحديد خياراته النهائية والذهاب نهائياً نحو فك ارتباطه مع حزب العمال الكردستاني المصنف ضمن قوائم الإرهاب والرجوع إلى الحاضنة الكردية»، مشيراً إلى أن «مستقبل ب ي د بات على شفير حفرة، ليس لأن تركيا ترغب في ذلك فحسب، بل لأن مجمل الأوضاع التي يتم ترتيبها من قبل المجتمع الدولي في سوريا ترفض وجوده، ولعل السبب الأساسي في ذلك يكمن في أن هذا الحزب ما زالت تربطه وشائج قوية بنظام الملالي في إيران عبر النظام القائم في دمشق». وأضاف «لعل أبرز تجليات ذلك جملة تحالفاته مع الحشد الشعبي في محيط سنجار وعلاقاته المتميزة مع قوات النظام والميليشيات الطائفية التابعة له في حلب ومحيط حلب».
محددات السيناريو العسكري
وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، قال إن بلاده لن تسمح «بنشوء ممر إرهابي على حدودها الجنوبية، سواء شمالي العراق أو شمالي سوريا» مؤكداً تواصل المباحثات إزاء الوضع شرقي نهر الفرات. وشدد الوزير على أن لا فرق بين تنظيمي «ي ب ك» و»بي كا كا» الإرهابيين، معربًا عن أسفه إزاء تعسُّر إدراك «بعض الحلفاء» لهذه الحقيقة. وبخصوص التصريحات التركية المتكررة بشأن الولوج إلى مناطق شرق الفرات، قال القيادي الكردي: «إن تركيا جادة تماماً في هذا الصدد، لأن هذه التصريحات «الخطيرة» جاءت بعد القمة الرباعية في إسطنبول في السابع والعشرين من الشهر المنصرم بين كل من تركيا وفرنسا وألمانيا وروسيا حول الوضع في سوريا».
الباحث السياسي عبد الوهاب عاصي، قال إنّ أيّ عملية عسكرية شرقي الفرات ضد «قسد» تحتاج لبذل جهد كبير من تركيا لإقناع الولايات المتحدة الأمريكية برفع الغطاء السياسي عن حليفها وهذا الأمر يتطلب تفاهماً أولياً بين الطرفين على العديد من القضايا العالقة.
وأضاف لـ«القدس العربي»، «مع أن السيناريو العسكري يعتبر مستبعداً أمام رجحان السيناريو السياسي في ظل التعقيد الذي تشهده العلاقة بين واشنطن وأنقرة، إلا أنّ حصوله يعني أن الولايات المتحدة الأمريكية تريد منه ممارسة ضغط على وحدات الحماية الكردية من أجل تقديم تنازلات لصالح تركيا. وهنا لا بدّ من لفت الانتباه إلى التحالف الدولي الذي سارع بعد قصف الجيش التركي لمواقع في شرق الفرات إلى عرض الوساطة بين أنقرة و»قسد»، كما أن ردّ واشنطن على القصف التركي كان يميل إلى «سياسة الاسترضاء» لكلا الطرفين».
وسياسة الاسترضاء تعكس الأولوية التي تركّز عليها أمريكا في مناطق شرق الفرات والتي تكمن بفرض سبل الاستقرار لمنع عودة تنظيم الدولة وتوفير أرضية صلبة للضغط على إيران وروسيا في الملف السوري، بمعنى أن أولويتها لا تكمن بالحفاظ على «قسد» كقوة محلية حليفة لها رغم أهمية الدور الوظيفي الذي تلعبه.
ما سبق يعني حسب المتحدث أن «قسد» ستكون أمام خيارات محدودة في حال تم اللجوء إلى السيناريو العسكري شرق الفرات، حيث إما أن ترضخ إلى الضغط وتقدم تنازلات لصالح تركيا بوساطة من التحالف وأمريكا وتجري تعديلات جوهرية في بنيتها وهيكلها، أو أنها سوف تلجأ لخطوات من شأنها ممارسة الضغط على واشنطن بحيث تميل باتجاه روسيا وتنضم إلى النظام السوري أو تسهل سيطرته ودخوله لبعض المناطق، أو تحاول اتباع سياسة التهدئة وإقناع تركيا بجدوى الاستجابة لها.
وربّما تواجه قوات سوريا الديمقراطية عوائق عديدة تزيد من الضغط عليها، وذلك في حال قيام المكون العربي داخلها بالاستدارة باتجاه تركيا، خصوصاً وأن العلاقة التي تحكم العلاقة بين وحدات الحماية الكردية والمكون العربي داخل «قسد» تقوم على أساس ولاء المصلحة وولاء الهدنة وولاء الحماية.