تدخل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون شخصيا لدى صحيفتي «فاينانشل تايمز» البريطانية و«بوليتيكو» الأمريكية (النسخة الأوروبية) بسبب مقالين عن أزمة فرنسا مع مسلميها، لم يرقا له ولحلفائه السياسيين والعقائديين في فرنسا.
وطلب شخصيا مراسل «نيويورك تايمز» في باريس إلى مكتبه في الإليزيه ليعطيه توضيحات حول الموضوع ذاته، ويزيل عن عينيه «غشاوة سوء الفهم».
ليس معروفا هل تدخل ماكرون ليضغط أم ليتودد، لكن النتيجة واحدة: حذفت كلتا الصحيفتين مقالا خاصا بها يشكك في جدية وصوابية سياسة ماكرون المتعلقة بما يُسمى الآن في فرنسا «انعزال المسلمين».
بنى ماكرون خطته على مسلّمة أن الآخرين، وضمنهم الأوروبيون والغربيون مثله، مقصّرون في فهم فرنسا وانوارها الكثيرة وغير ذلك من شعارات.
الواضح أن الأمر يتعلق بهجوم صمّم ماكرون أن يتولاه شخصيا ولا يتركه لمساعديه. لكنها سابقة في علاقة الرئاسة الفرنسية بالصحافة، إذ لا يُعرف على وجه الدقة في السابق (علنًا على الأقل) عن تدخل الرئيس شخصيا لدى مؤسسة إعلامية ليقنعها بأنها على خطأ، وينتهي الأمر بحذف المادة موضوع الخلاف.
يستطيع المرء، إذا أراد، أن يجد شيئا من الإيجابية في تدخل الرئيس ماكرون شخصيا. من ذلك مثلا أنه دليل على قناعة في أعلى هرم السلطة الفرنسية بأن الموضوع خطير وجاد ويستحق أن يتولاه الرئيس شخصيا.
لكن هناك أكثر من إشارة سلبية أقوى من ترف البحث عن تفسيرات إيجابية. لعل أبرزها أن الرئاسة الفرنسية في حالة من الارتباك، وأن فرنسا وحيدة وبلا دعم خارجي في مأزقها، وأنها عجزت عن إقناع حتى حلفائها السياسيين والعقائديين والثقافيين في أوروبا وأمريكا بقبضتها الحديدية حيال مسلميها بعد أن وضعتهم في دائرة «متهم حتى تثبت براءتك».
في المقابل، في حذف «فاينانشل تايمز» و«بوليتيكو» المقالين أكثر من إشارة سلبية أيضا. لعل أبرزها وجود نوع من الخضوع للضغط أو الاستسلام للتودد، انتهى بحذف المادة الإعلامية موضوع الخلاف. الإشارة السلبية الأخرى تتجه نحو صاحبي المقالين وقد تُفسَّر مساسا بنزاهتمهما المهنية وموضوعيتهما في التحليل. هذا علاوة على الضرر المعنوي الذي يلحق بمؤسسة إعلامية عريقة رأسمالها دقتها وصرامتها المهنية، وأخرى حديثة عهد («بوليتيكو» تأسست في يناير 2007) لكنها تكتسب يوميا مزيدا من المصداقية والثقة، خصوصا وأن المسوغات التي ساقتها الصحيفتان لتبرير حذف المقالين، غير مقنعة.
لم يكن ضروريا حذف المادتين. كان في إمكان إدارتي «فاينانشل تايمز» و«بوليتيكو» الإبقاء عليهما وجعلهما بداية نقاش موضوعي هادئ ومتحرر من العواطف والشحناء التي تحيط به في فرنسا. بيد أنه جرى تفضيل سياسة غلق الأبواب، لأن أي نقاش كان سينحو منحى انتقاد ماكرون وسياساته، لو جرى.
سيغادر ماكرون قصر الإليزيه ومشاكل فرنسا مع الإسلام والمسلمين أكثر خطورة. أزماته تكبر يوميا أكثر وجنوحه نحو اليمين كل يوم أكثر وضوحا
كانت الجريمة الإرهابية التي أودت بحياة الأستاذ صامويل باتي القطرة التي أفاضت الكأس. كان من تداعياتها أن عجّلت بالزجّ بماكرون في أتون حملة انتخابية لم يحن أوانها بعد، عنوانها الأول الإسلام. أما أزمة فرنسا مع المسلمين فقديمة تتجدد حسب الحاجة والظروف، مرة بسبب ممارسات متطرفين مسلمين يعيشون على هامش كل شيء، وتارة يفرضها غلاة اليمينيين والمتعصبين في الأوساط السياسية والإعلامية الفرنسية الذين جعلوا من الإسلام والمسلمين تجارة يومية.
منذ فرانسوا ميتران، كان لكل رئيس فرنسي نصيب مع الإسلام والمسلمين. اجتهد كل واحد على طريقته في وضع الخطط والبرامج لإيجاد حلول لما تعتبرها فرنسا أزمة المسلمين لديها. ادّعى كل رئيس أنه سينجح حيث أخفق الآخرون. بالغ بعضهم وزايدوا، لكنهم فشلوا كلهم، وبعضهم جمع بين الخطأ والفشل مثل ماكرون. هل فشلوا جميعا لأنهم أخفقوا في طرح الحلول الصح، أم لأنهم اختاروا مواجهة مشاكل مفتعلة ومُبالَغ فيها؟ على فرنسا أن تنظر في المرآة بشجاعة وتجيب بما لها وما عليها في هذا الموضوع.
في العموم، أزمة فرنسا أعمق وأخطر من أن تكون مع الصحافة. الاختباء وراء «عجز الصحافة عن فهم القيَم الفرنسية» مجرد مشجب لتعليق الفشل، وهروبا من مواجهة الحقائق الصعبة. لو كانت المشكلة فعلا مع الصحافة لحُلّت في زمن قياسي وقبل اليوم بكثير. لهذا ليس من الحنكة السياسية أن يصدر من ماكرون كلام عن أن الصحافة التي سماها «أنكلو أمريكية» لا تريد أن تتفهم حقيقة الوضع في فرنسا، وكأنه يتحدث عن صحافة مستعمرات فرنسية موغلة في التخلف والفشل. الحرب التي يخوضها ماكرون على الصحافة، ولو تحت غطاء إزالة سوء الفهم، تضعه في خانة الذين يدّعي أنه يحاربهما مثل ترامب وأوربان الهنغاري وغيرهما، مع فرق أن ترامب، مثلا، صريح وجريء يسمي الأشياء بأسمائها.
مشكلة فرنسا في إصرار رئيسها وقطاع واسع من سياسييها ونخبها الإعلامية والثقافية على التمسك بكل ما يسيء لديانة جزء معتبر من شعبها. فأسوأ من الرسوم المسيئة للنبي محمد، الإصرار عليها. والأمر اليوم تجاوز الرسوم إلى ما هو أخطر. مشكلة فرنسا في تجاهل قادة السياسة والرأي فيها أن ما تسمى «قيَم فرنسا» لا يمكن اختزالها في رسوم كرتونية حقيرة وحاقدة، إعادة نشرها لا يزيد فرنسا حرية، والامتناع عن نشرها لا يضر قيمها المزعومة في شيء. مشكلة فرنسا في حرية عرجاء تصبح بلا حدود فقط عندما يتعلق الأمر بموضوعات بعينها يأتي على رأسها الإسلام.
سيغادر ماكرون قصر الإليزيه إن في الانتخابات المقبلة بعد 17 شهرا، أو بعد فترة رئاسية أخرى. لكنه سيفعل ومشاكل فرنسا مع الإسلام والمسلمين أكثر خطورة. أزماته تكبر يوميا أكثر وجنوحه نحو اليمين كل يوم أكثر وضوحا ويزيدها صعوبة. في سياساته وقراراته اليوم نُذُر فشلها في المستقبل. سيحفظ له التاريخ أنه دخل الرئاسة موحِّدًا ويغادرها مفرِّقا لم يترك للدهماء شيئا بعد أن دافع، من منصبه كرئيس، عن رسوم قبيحة استغلت الحرية، بينما كان واجبه أن يسمو ويدافع عن الحرية كرأسمال وقيمة توحِّد لا عن رسوم تفرّق.
كاتب صحافي جزائري
اشكر القدس العربي والكاتب، مقال موضوعي ويعالج الأمر من عدالة وحيادية وقوة. ولكن الى متى سنبقى ننظر لواقع المسلمين في الغرب انه ازمة آنية مع اضطراد التهديدات والضغوطات والاضطهاد والاعتداءات اليومية عليهم؟
كان ماكرون منذ اشهر يستهزأ بالجزائر عندما احتجت على هجوم صحفي عليها كدولة وكمؤسسات يشوه الحقائق وينشر الاكاذيب.. وها هو اليوم يفعل نفس الشيء مع الصحافة الأجنبية ولكن بلباقة المنافق المتمرس..
ومع ان الاستاذ رباحي أحسن الوصف والتحليل غير اني اعتقد ان قضية فرنسا مع الاسلام لن تحل داخل فرنسا بقدر ما يمكن حلها من داخل البلدان الاسلامية..
الواقع يسجل فشلا ذريعا في مقاطعة فرنسا إقتصاديا..والامر لا يتعلق بالدول التي تتخندق مع فرنسا في سياساتها الاقليمية فقط ولكن بكل الدول الاسلامية وبمعظم شعوبها ما عدا باكستان..
مواجهة التطرف الفرنسي تجله الاسلام يتم اساسا من طرف مسلمي العالم.. ففي خين كتبت الصحافة الانجلوامريكية مستنكرة اعلان فرنسا لحرب دينية علي الاسلام صمتت كل الصحافة العربية واستمرت شعوبها تتعامل مع فرنسا كأن شيءا لم يحدث..
الأمر فيه تناقض هائل فالسيد ماكرون مع حرية الصحافة في بلده حتى لو أخلت بعايير المهنية بتعد مقصود على رمز للمسلمين بكل العالم، بينما يقف ضد حرية الصحافة حين تنوي نشر مقال تنتقد فيه سيادته وسياسته. هذا النوع من ازدواجية المعايير تعودنا عليه من السياسات الإستعمارية منذ قرون وهو ما أفقد السياسة الغربية جزء كبير من مصداقيتها وخاصة فيما يتعلق بالشعوب المستضعفة
مشكلة فرنسا في تجاهل قادة السياسة والرأي فيها أن ما تسمى «قيَم فرنسا» لا يمكن اختزالها في رسوم كرتونية حقيرة وحاقدة، إعادة نشرها لا يزيد فرنسا حرية، والامتناع عن نشرها لا يضر قيمها المزعومة في شيء. مشكلة فرنسا في حرية عرجاء تصبح بلا حدود فقط عندما يتعلق الأمر بموضوعات بعينها يأتي على رأسها الإسلام.
نعم صدقت ….. علمانية ام صبيانية ؟!!!
أقرت فرنسا بعد الحرب العالمية الثانية تجريم الوشاية، حيث كان المتعاطفون مع النازيين يوشون باليهود و”الأنصار” أو المقاومة اليسارية. ولكن هذه الأيام وللأسف تخترق الشرطة براءة وقلوب الأطفال المسلمين مداهمة البيوت ب”وشاية” من “الصرح التربوي” أي من المدرسة لتجريم رفضهم “للشنئان بالصور” وربطه بمعاداة الجمهورية وقيمها وإلصاق تهما لهم ولأهلهم بعد وترويعهم وقمعهم.
مشكلة ماكرون أن سياسته التحضيرية لانتخابات الرئاسة ماي ٢٠٢٢ جعلته يتبنى خطاب Eric Zemmour المعادي للمسلمين الذين قد يشكلون ضغطا مستقبليا على اللوبي الإسرائيلي في فرنسا …هذا المنعرج بدأ قبل حادثة قتل الاستاذ الفرنسي ليصبح مثل الكرة الجليدية المتدحرجة…
لكن لا حرج فالإمارات و السعودية هبّتا لنجْدته..الكرم العربي بلا حدود لتهدئة الزوبعة…مجانا