بالكاد مرت 14 شهراً على مسيرة روبرتو مانشيني مع المنتخب السعودي حتى حصل ما توقعه البعض الخبير بشخصية المدرب الايطالي، ليفقد عمله المجزي ماليا، بعد عروض باهتة ونتائج متواضعة باتت تنذر بخطر محدق، وهو عدم التأهل الى نهائيات مونديال 2026.
في أخر عقدين، أصبح المنتخب السعودي من نخبة المنتخبات الآسيوية، وبات متوقعاً منه الظهور في الدور ربع النهائي على الاقل في كل نهائيات كأس أمم آسيوية أو أفضل من ذلك، والتأهل الى نهائيات كأس العالم بسهولة، وهذا كله في الأحوال الطبيعية، لكن في ظروف استثنائية يمكن أن يتوقع المشجع السعودي الأفضل، مثل الفوز على الأرجنتين بطل العالم مثلما حدث في المونديال القطري في 2022، ولكن أيضا ممكن أن يكون الفريق على شفا انهيار في ظل انعدام الروح والترابط والعزم بين اللاعبين، وهي كلها مؤشرات باتت واضحة في عهد مانشيني، الذي كان التعادل مع البحرين ضمن الدور الثالث من تصفيات كأس العالم بمثابة القشة التي قصمت ظهر المدرب الإيطالي. ولم يجمع المنتخب السعودي سوى خمس نقاط في أربع مباريات ضمن التصفيات. وفشل مانشيني (59 عاما) بتقديم أوراق اعتماده في السعودية، ففي 18 مباراة مع «الأخضر»، فاز بسبع مباريات وتعادل 5 مرات وخسر ست مواجهات.
ورغم المؤشرات والاغراءات التي قادت الاتحاد السعودي الى التعاقد مع مانشيني، ومنها فوزه بكأس أوروبا مع منتخب ايطالي أخفق في التأهل الى مونديالي كأس عالم، الا أن العامل النفسي والشخصية المعقدة والصعبة في التعامل، هي السمات التي قد تكون شكلت عقبة في نجاحه مع المنتخب السعودي.
بدأ مانشيني مسيرته التدريبية بسرعة وحقق نجاحا مع أندية فيورنتينا ولاتسيو، لكن حقق قفزة كبيرة عندما تولى تدريب الإنتر في 2004، حيث فاز بالدوري الإيطالي ثلاث مرات على التوالي (2005-2008)، وأعاد الفريق إلى قمة المنافسة الأوروبية. إلا أن فشله في تحقيق دوري الأبطال ظلّ عالقًا في ذاكرته. وفي 2009، انتقل إلى الدوري الإنكليزي لتدريب مانشستر سيتي حديث القوة، حيث حقق أول ألقابه مع النادي بفوزه بالدوري في 2012، لكن رغم هذه النجاحات، كان مانشيني دائما يواجه تحديات في علاقاته مع اللاعبين والإدارة، إذ عُرف بعقليته الصارمة وأسلوبه الصعب في التعامل مع الآخرين.
وتُوجت مسيرته الدولية بقيادة منتخب إيطاليا للفوز ببطولة أوروبا 2020، بعد تقديم أداء قوي ومقنع، لكن سرعان ما عاد الضغط عليه بعد فشل إيطاليا في التأهل إلى كأس العالم 2022. هذا الأمر دفعه للتفكير في مسيرته، ليقرر قيادة المنتخب السعودي في مغامرة جديدة. ويعرف عن مانشيني أنه مدرب صارم، يعتمد على الانضباط والتفاصيل الدقيقة في التكتيك. هذا النهج جعله قادرا على تحقيق نتائج كبيرة مع الأندية والمنتخبات التي تمتلك لاعبين ذوي خبرات أوروبية عميقة ومهارات تكتيكية. إلا أن هذه العقلية قد تكون عائقًا عندما يتعلق الأمر بتدريب لاعبين يحتاجون إلى نهج مختلف في التعامل. عقلية مانشيني ليست فقط متطلبة من حيث الأداء التكتيكي، بل أيضا من حيث الانضباط الشخصي. في بعض الأندية والمنتخبات، تم توجيه انتقادات له بسبب عدم قدرته على كسب اللاعبين نفسياً، وعدم مرونته في التعامل مع الظروف. هذا الجانب من شخصيته كان سببا في رحيله عن السيتي، حيث اشتكى العديد من اللاعبين من صعوبة العمل معه. واللاعب السعودي يتأثر بشكل كبير بعوامل نفسية وبيئية مثل التواصل الشخصي والدعم العاطفي، وهو ما لا يتقنه مانشيني بشكل كامل نظرا لأسلوبه القاسي والمتطلب. المنتخب السعودي يحتاج إلى مدرب يمتلك القدرة على التعامل النفسي والاجتماعي مع اللاعبين، وليس فقط التركيز على الجانب الفني أو التكتيكي. وعلى سبيل المثال، المدرب الهولندي بيرت فان مارفيك الذي قاد المنتخب السعودي للتأهل إلى كأس العالم 2018، اعتمد على بناء علاقة ثقة مع اللاعبين وتقديم رؤية تكتيكية تتناسب مع إمكانياتهم. بينما مدربون آخرون مثل هيرفي رينار، المرجح عودته، نجحوا في بناء أجواء إيجابية داخل الفريق، ما ساعد على تحقيق نتائج ملموسة.
مانشيني حدد هدفا له هو «الفوز بكأس آسيا لأول مرة منذ 27 عاما»، بيد أن المنتخب الخليجي ودّع من دور الـ16 أمام كوريا الجنوبية بركلات الترجيح. وقرّر في كأس آسيا مطلع 2024 عدم الاستعانة بخدمات الحارس نواف العقيدي، كما استبعد لاعب الوسط المخضرم سلمان الفرج والظهير سلطان الغنام الأساسيين في مونديال 2022. ودخل في أزمة حادة مع اللاعبين المستبعدين عشية انطلاق البطولة، متهما إياهم برفض تمثيل بطل آسيا ثلاث مرات، ما استدعى دفاعا عن النفس من الفرج والغنام والعقيدي والمطالبة بتحقيق معه لتشكيكه بوطنيتهم. وكان مانشيني عرضة لانتقادات لاذعة من رئيس الاتحاد السعودي ياسر المسحل عقب خروجه من الملعب قبل نهاية حصة ركلات الترجيح ضد كوريا الجنوبية في ثمن نهائي كأس آسيا.
في بعض الاحيان السيرة الذاتية وحدها لا تكفي للحكم على كفاءة مدرب، فشخصيته عادة تحوي اجابات عدة أكثر شفافية من انجازاته.