بعد أن تقلصت هوامش المناورة لدى باراك اوباما على الصعيد الداخلي بعد التحول الذي حصل في مجلس الشيوخ، فان الساحة الدولية تعتبر شباك الفرص الوحيد الذي تبقى أمامه ليترك بصمته، لذلك فان الادارة الامريكية تفكر الان بمجموعة من القضايا الاستراتيجية والدُبلوماسية، والتي تشكل حبل النجاة والنجاح. ليس فقط في الموضوع الايراني الذي هو الان في مرحلة حساسة وحرجة وانما ايضا بالموضوع السوري حيث تشهد الادارة الامريكية نشاط وعمل مواظب على هذا الصعيد، الامر يشير أن البيت الابيض موجود امام تحول استراتيجي؟
ولكن التقديرات الاولية تشير إلى ان النمط الذي يميز باراك اوباما والذي هو مليء بالتقلبات والمتناقضات، لا زال مستمراً ويؤثر على تفكير اوباما سواء اتجاه الحرب الاهلية في سورية او اتجاه الشرق الاوسط. وبعد ان تعهد في استخدام القوة ضد الاسد اذا تجاوزت سورية الخطوط الحمر أي اذا استخدمت السلاح الكيميائي، فانه انكر ذلك، وبذلك يكون اعطى نظام الاسد شرعية. وهناك تحول آخر بنظرة اوباما وطريقته، وقبل أن يتبين اذا ما نضجت الظروف المحلية والاقليمية لضمان نجاح الاستراتيجية الجديدة.
بشكل محدد، وعلى ضوء المؤشرات بان الهجوم الجوي على داعش في العراق لم يضعف هذه المنظمة، فقد تبلورت لدى القيادة الامريكية فكرة الابتعاد عن «العراق اولاً» وبدلاً من ذلك اعتماد استراتيجية جديدة تعتمد على جهود دبلوماسية وعسكرية من أجل انهاء حكم الاسد.
تنوي الولايات المتحدة عمل ذلك من خلال زيادة الدعم «للجيش السوري الحر» ومن خلال خطة شاملة لارشاد وتسليح للنواة المعتدلة لدى معسكر المتمردين. اسقاط الاسد كما تتمنى الولايات المتحدة يحرر هذا المعسكر من انياب قوات الاسد من جهة من أنياب قوات داعش من جهة أخرى، ويمكنه من استثمار امكانياته في الصراع ضد المنظمة القاتلة واذرعها المتزمتة.
ورغم المنطق في هذا التوجه والذي يعبر عن الاشكالية والصعوبة في استمرار الحرب على جبهتين، فان الاستعجال والفوضى يؤشران على ضعف وفشل يميزان مسيرة اوباما على جبهة الشرق الأوسط. مثلاً ليس واضحاً كيف ومتى سينجح شركاؤه السوريين في هذه المهمة. وهل يعتبر الفشل المتواصل على الصعيد العراقي مؤشراً على محدودية القدرة على تدريب وتهيئة وتسليح قوة مدربة، تحسم وترجح الكفة في المعركة السورية؟ وهل سيرافق هذه الخطة خطوات اضافية مثل منع الطيران لسلاح الجو السوري، الأمر الذي يستوجب من الولايات المتحدة وشركاؤها تصعيد تدخلها في المواجهة؟ وماذا سيكون دور تركيا وهل ستوافق على النزول عن الجدار وتتحول لشريك فاعل في الصراع من اجل اسقاط الاسد؟
في هذه المرحلة بقيت هذه الاسئلة يشوبها الضباب الكثيف. ليس واضحاً بعد ان كانت هذه الاستراتيجية الجديدة سيرافقها نشاط دبلوماسي على شكل مبادرة دولية، تحاول بلورة موافقة واسعة حول النظام الجديد في دمشق. الامر الواضح هو انه وعلى العكس من الادارات الامريكية السابقة التي كانت تعمل بشكل ممنهج واساسي فإننا اليوم أمام ادارة متذبذبة ومتقلبة وتعتمد على التجربة والخطأ وليس على التحليل الواعي للساحة السورية والعراقية، وما يعنيه ذلك من وجود لاعبين وقوى يؤثرون على هذه القضايا.
واذا كانت بالفعل هدف الادارة هو تسجيل النجاح بعد سنوات من الفشل وغياب الانجازات في الساحة الدولية، فان من المتوقع أن يجد باراك اوباما نفسه محبط من جديد، لأنه ليس بهذه الطريقة تتشكل الرؤية والنظرية الجديدة.
اسرائيل – 16/11/2014
بروفيسور ابراهام بن تسفي