عُرض أوبريت عزيزة ويونس على مسارح القاهرة للمرة الأولى عام 1945، وهذا التاريخ لا يشير إلى أسعد أوقات فن الأوبريت في مصر، لكنه يدل على أن بيرم التونسي وزكريا أحمد ظلا يعملان على محاولة إبقاء هذا الفن حياً بعد موت سيد درويش سنة 1923، وكان هذا الأوبريت آخر ما لحنه زكريا أحمد للمسرح الغنائي، لكنه لم يكن تعاونه الأول مع بيرم التونسي في هذا المجال، فقد أبدعا معاً الكثير من الأوبريتات الأخرى، من أهمها أوبريت يوم القيامة، هذا بالطبع إلى جانب أغنياتهما الفردية المشهورة بعيداً عن المسرح، وقد توفي زكريا أحمد بعد شهر واحد فقط من وفاة بيرم التونسي عام 1961.
زكريا أحمد من أعظم ملحني مصر، ومن أهم الأسماء في ميدان الموسيقى العربية بشكل عام، وتمتاز موسيقاه أصيلة الطابع بالشرقية البحتة، والتطريب القديم الذي يعود بالغناء العربي إلى جذوره الأولية، التي لا تبتعد عن الإنشاد الديني، وهو من الذين ملأوا المسرح الغنائي بالألحان، وعمل مع فرقة نجيب الريحاني وغيرها من الفرق المسرحية، كما لحن الكثير من الأوبريتات التي تتجاوز أضعاف ما لحنه سيد درويش من أوبريتات قليلة معدودة.
أما بيرم التونسي فهو بيرم التونسي، كما يقول الناقد الفني عزيز أحمد فهمي في مجلة «الرسالة» وهو الشاعر العبقري العظيم الذي نحار في وصفه، فإذا قلنا إنه سيد العامية المصرية، قد يختلف البعض على ذلك، ولا يمكن القول إنه عاشقها الوحيد، لأن هناك الكثير من العشاق، لكننا نوقن بأنه الفائز بقلبها، وأنها هي التي وقعت في غرامه، واختارته من بين الجميع لتطلعه على أسرارها كافة، ولتضم بحب كل أفكاره وفنه وشعره وحكمته، وهي بلا شك تحترمه وتثق فيه، وترفع رأسها عالياً عندما تكون في صحبته، ولا يملأ عينيها سواه، والحق أن بيرم التونسي هو أصل الهوى المصري، وهو مثل سيد درويش نفخر بالانتماء إليه، ونتأمل كلماته دائماً في شغف وإعجاب، سواء في أشعاره المكتوبة، التي لم تلحن، أو المغناة التي تم تلحينها كقطع منفردة، أو جاءت داخل أوبريت من الأوبريتات، وكم عني بيرم التونسي بفن الأوبريت، وكان مقدراً لقيمته مدركاً أهميته، وبلغ به رفقة صديق طفولته وصباه، وزميل لعبه ولهوه في الإسكندرية سيد درويش، ذروة المجد من خلال أوبريت شهرزاد 1921، الذي يعد إلى جانب أوبريت العشرة الطيبة، لبديع خيري وسيد درويش أيضاً، من أعظم الأوبريتات المصرية على الإطلاق، التي تعبر عن الشعب والهوية، وتلخص المأساة والآلام، وتفيض بحب الوطن الحقيقي الخالص، والإيمان بالوجود المصري، على الرغم من كل شيء، وفي العهود المظلمة حالكة السواد، لا تزال تتردد كلمات بيرم التونسي، التي لحنها سيد درويش في أوبريت شهرزاد: أنا المصري كريم العنصرين.
وكان بيرم التونسي يؤلف الأوبريت كاملاً، نصاً وحواراً، ولا يقتصر عمله على تأليف الأغنيات فقط، وعندما نتأمل بعض أعماله ندرك كم الجهد المبذول فيها، وكذلك مدى تمكنه المسرحي والدرامي من ناحية التكنيك والصياغة والحبك الفني، وقد ذكر بيرم التونسي فن الأوبريت في إحدى قصائده قائلاً: «لو كان في نوابنا نايب يفهم الأوبريت، أو حتى ينظم على تربة أبوه كام بيت، أو حد كان قال له إيه روميو وإيه جولييت، ما كانش يصبح قانون الفن والتفكير، مدشوت لغاية ما يتفرق ورق تواليت» وهذه لسعة من لسعات الرجل للسياسيين في عصره على وجه الخصوص، ولمحتقري الفنون وأصحابها في كل زمان ومكان، فقد كان بيرم التونسي ناقداً لاذعاً، حاد الرؤية ثاقب البصيرة، ولا يخفى هذا على أحد، ومن هذه الناحية يصفه الناقد الفني عزيز أحمد فهمي في مجلة «الرسالة» عام 1940 قائلاً: «يجلس مغمض العينين لكنه يرى، وهو يرى من ثقب في إحدى عينيه، لعلها اليمنى، ولا أدري كيف انثقب، وإن كنت أراه تجويفاً استدار في ملتقى الجفنين، في كل جفن منهما فراغ هو نصف الدائرة، ومن هذا الثقب يرى الأستاذ بيرم كل شيء، ولعل هذا هو السر في أنه يرى أبعد وأعمق مما يرى الناس، فهو كعدسة الميكروسكوب، تجمع الأشعة للعين في مستقيم واحد حيزه مجموع وهدفه دقيق، وكما أن بصر الأستاذ بيرم ميكروسكوب، فإن بصيرته ميكروسكوب أيضاً فضاح لا يغيب عنه إلا ما يشاء الله أن يخفيه».
أصبح بيرم التونسي وحيداً في فن الأوبريت بعد موت سيد درويش، على الرغم من وجود ملحن أصيل كزكريا أحمد الذي أكمل معه الطريق، فالفقد كان عظيماً هائل الوقع على نفسه، كما على مصر كلها، وقد عبر عن هذا الشعور بالخسارة، وعن مكانة سيد درويش عنده.
أصبح بيرم التونسي وحيداً في فن الأوبريت بعد موت سيد درويش، على الرغم من وجود ملحن أصيل كزكريا أحمد الذي أكمل معه الطريق، فالفقد كان عظيماً هائل الوقع على نفسه، كما على مصر كلها، وقد عبر عن هذا الشعور بالخسارة، وعن مكانة سيد درويش عنده، وكيف كان ينظر إليه عالياً، في قصيدة نظمها بعد وفاته بعشرين سنة، وقت طويل كان كافياً لخلق النسيان وتبريد الجرح وتخفيف الألم، لكنه بعد مرور كل هذه السنوات يقول: «لو كنت يا سيد هنا» وعن إحساسه بصديقه وارتباطه العاطفي بفنه يقول: «آهات كتير، وأنت عشقت وقلتها، آه م الفؤاد طلعتها، حسيتها من قلبي أنا» ويعبر عن فهمه العميق وتقديره لأهمية سيد درويش ووجوده يوماً في مصر حين يقول: «يبنوا المفاخر بالحجر، ويزولوا هما والأثر، وضربة منك ع الوتر، على الزمان متسلطنة، كنا همل بين الأمم، لوما الهرم والكام صنم، خلتنا ننطق بالنغم، ونقول لهم مين زينا» ولا ينسى أن ينال من جاحدي سيد درويش وحاسديه فيقول: «الجاحد اللي يجحدك، معذور إذا كان يحسدك، ليه بس لما يقلدك، يقول أنا رب الغنا».
في أوبريت عزيزة ويونس يكتب بيرم التونسي هذه المرة باللهجة التونسية، أو يحاول الاقتراب منها قدر الإمكان، من خلال أوزانها وألفاظها البارزة، التي تميزها عن غيرها، مع مراعاة أن تكون واضحة مفهومة للجمهور الذي سيذهب للمسرح وسيكون أغلبه مصرياً، ولا نعرف هل كان يجيد اللهجة التونسية حقاً كالمصرية، أم أن إلمامه بها اقتصر على ما قدمه في هذا الأوبريت، وإن كنا نظن أنه لم تكن هناك لهجة من اللهجات تستعصي على الرجل، وقد كتب في أوبريت شهرزاد بعض المقاطع الرائعة باللهجة الشامية على سبيل المثال، وهذا من أظهر ميزاته ومن دلائل الذكاء والحيوية، وبالإضافة إلى اللهجة التونسية يكتب بعض المقاطع بلهجة بدوية، تشير على نحو ما إلى الصحراء، أما عنوان الأوبريت «عزيزة ويونس» فإنه يذهب بنا إلى السيرة الهلالية، تلك الملحمة الشفهية الكبرى التي تروي سيرة بني هلال، وعزيزة ويونس حكاية من حكاياتها التي استطاعت أن تستقل بكيانها نوعاً ما، وأن تتخذ مكانتها كقصة من قصص الحب العربية المشهورة، وصارت بطلتها عزيزة، أو السفيرة عزيزة، كما يقال عادة، مضرباً للأمثال، ونموذجاً من نماذج الجمال والعز والدلال والحب، والشجاعة في الحفاظ على الحبيب وحمايته، أراد بيرم التونسي إذن أن يعيد تقديم هذه الحكاية بأسلوبه الشيق، وخفة ظله النادرة، وأن يقربها من زمنه قليلاً، ويضمنها بعض أفكاره وآماله ورسائله.
والسيرة الهلالية ليست غريبة على الجمهور المصري، أو العربي بشكل عام، وهي في مصر على سبيل المثال تعد من أقدم الفنون وأكثرها انتشاراً، فلا يكاد يوجد من لم يسمع بها أو يعرف شيئاً قليلاً عنها، وإن لم يكن من مريدي رواتها، وعلى الأرجح أن هذا الفن يرتبط بصورة عميقة بأهل الجنوب في محافظات صعيد مصر، ويلامس مشاعر معينة لديهم، ربما لا تكون موجودة بتلك القوة لدى أهل الشمال، لكن السيرة الهلالية منتشرة في كل أرجاء مصر بشكل عام منذ قديم الزمن، وعلى مر العقود المتتابعة، ويطلق على رواتها لقب «الشاعر» الذي يكون عازفاً على الربابة في الوقت نفسه، وهناك الكثير من الرواة المشهورين، المعروفين لدى هواة هذا الفن، وما صنعه بيرم التونسي هنا، ونظن أنه كان يعرف جيداً ماذا يفعل، هو أنه قام بإعادة تقديم هذا الفن الشفهي الفطري في صورة حديثة متطورة ومشذبة فنياً، داخل أطر التكنيك والقواعد الدرامية، ونقله إلى مستويات أخرى من التلقي، فمن لا يستطيع أن يستمع إلى حكاية عزيزة ويونس بصوت أحد الرواة على أنغام الربابة، سيمكنه أن يستسلم تماماً لسرد بيرم التونسي، مستمتعاً بنثره وشعره على السواء، وسيتعرف بوضوح على جانب من السيرة الهلالية التي تعد متاهة كبرى يضيع فيها من ليس لديه الخبرة الكافية بها.
عندما يبدأ الأوبريت نكون في تونس، حيث توجد السفيرة عزيزة بنت السلطان، وتلعب دورها تمثيلاً وغناء في النسخة الإذاعية الفنانة اللبنانية صباح، الناجحة دائماً في كل ما تؤديه بقدراتها التمثيلية والصوتية الهائلة، وخفة ظلها وحسها الفني الرفيع، وتناغمها مع ألوان مختلفة من الفنون، والأداء بشكل نادر الوجود، ولا نبالغ إذا قلنا إن صباح من خلال دور عزيزة، حملت وحدها معظم هذا العمل تمثيلاً وغناء، وقدمته بحماس منح العمل روحاً حية، ولم يسمح للملل بأن يتسلل إليه، وبالطبع عبرت بمهارة عن وداعة الأنوثة ودلالها في شخصية عزيزة، وكذلك عن شجاعة العاشقة الثائرة، بعد أن وقعت في غرام يونس، وفي الأوبريت تتحدث صباح التي لا يصعب عليها شيء باللهجة التونسية، من خلال لهجتها المصرية المحببة الآتية بدورها من لهجتها الأم اللبنانية الجميلة، لكن هذا الخليط كان رائعاً ولطيفاً في النهاية، ولعب دور يونس المطرب اللبناني محمد جمال الدين، الذي أدى بعض المقاطع الحوارية والغنائية التي تعد قليلة إلى حد ما، رغم أنه البطل والحبيب، لكن بيرم التونسي كان تركيزه الأكبر على شخصية عزيزة، فجعل الأحداث كافة، تبدأ من عندها وتنتهي إليها، ووضع في يديها مفاتيح الحبكة والحلول الدرامية، وكتب لها أغلب الأغنيات، ولا يعني ذلك أنه أهمل الشخصيات الأخرى، بل اهتم بها وأظهرها درامياً على أفضل ما يكون، وإن كان في اختصار موجز، لكن المستمع في النهاية يخرج بأفكار خاصة عن كل شخصية، وإن كانت هامشية تماماً، مثل شخصية الخادم الخواف البكاء المنهار طوال الوقت، أو شخصية العلام الذي يحاول أن يتقمص دور الرجل القوي والفارس الشجاع، في حين أنه ليس كذلك، وأضعف من أن يكون كما يتمنى، وشخصية القاضي المرتشي صاحب الذمة الخربة، وسعدة وفوزة صديقات عزيزة، وكما أحبت هي يونس أحبت كل منهما مرعي ويحيى أشقاء يونس.
فقد عالج بيرم التونسي هذه القصة بكتابة درامية، وتكنيك مسرحي يتسم بقوة الحوار الواضح، ودقة وصف الشخصيات ورسمها بواسطة اللغة، ونوع الألفاظ المنطوقة، والموسيقية الموزونة، دون أن يتحول الأمر إلى سجع بدائي سخيف، ونحن هنا أمام ثروة من كلمات بيرم التونسي، كما في كل عمل من أعماله، نستمتع بكل حرف خطه بيده، وكل فكرة دارت في رأسه وشغلت باله، وكل إحساس أشعل خاطره ومس قلبه، ويحتوي الأوبريت على عشرة ألحان فقط ليست بالطويلة، في عمل تصل مدته إلى الساعتين، لذا لا نشعر بأننا أمام عمل موسيقي متكامل منذ أول لحظة وحتى النهاية، كما في أوبريت شهرزاد لسيد درويش، على سبيل المثال، لكن يطغى الطابع الدرامي السردي والحواري، وتتحقق المتعة أو أكثرها من خلال هذا الجانب، حتى الأغنيات تتفوق فيها الكلمة على الألحان كما يخيل إلينا، على الرغم من أن بيرم التونسي لم يؤلف الحكاية، وإنما أعاد روايتها بعد أن أسبغ عليها بعضاً من روحه ومشاعره، وقد جاء من بعده من حاول تقديمها، لكن تظل نسخة بيرم التونسي هي الأكثر تطوراً من الناحية الفنية.
في أوبريت عزيزة ويونس يكتب بيرم التونسي هذه المرة باللهجة التونسية، أو يحاول الاقتراب منها قدر الإمكان، من خلال أوزانها وألفاظها البارزة، التي تميزها عن غيرها، مع مراعاة أن تكون واضحة مفهومة للجمهور الذي سيذهب للمسرح وسيكون أغلبه مصرياً.
يبدأ الأوبريت بالإعداد لزواج عزيزة من العلام الذي لا تحبه، وتغني صباح أول ألحان العمل «آه يا عزيزة» حيث ترثي حالها التعيس، فهي وحيدة وغير سعيدة، على الرغم من الجاه والعز والسلطان، ويعبر الشاعر عن مشكلتها القائمة «كيف أنا يا ربي أعيش مع اللي لا يريده قلبي… دلوني» وعن آلامها القديمة المتجددة باستمرار، بسبب فقدها لأمها «مين يحمل همك يا اللي فقدت في صباك أمك… يا ميمة» هذه الكلمات التي صاغها بيرم التونسي لا يقدر على فهمها حقيقة إلا من فقد أمه في طفولته، وفقد الأم كان مأساة من المآسي الكثيرة التي اجتمعت على بيرم التونسي في حياته، وإن كان فقد أمه عندما كان في السادسة عشرة من عمره، لكنه يعد سناً صغيراً أيضاً على كل حال، وبينما تكون عزيزة غارقة في أحزانها، يكون الخال أبو زيد الهلالي وأبناء الأخت يونس ومرعي ويحيى، يعانون من العطش في الصحراء وهم في طريقهم إلى تونس، وبعد قيامهم بقتل عشرة من خدم السلطان منعوهم من الشرب من البئر، يخفون جواهرهم الثمينة ويتنكرون في ثياب مداحين فقراء، ويدخلون إلى قصر سلطان تونس، وهنا نسمع أشهر ألحان الأوبريت، الذي استقل بوجوده وبات يسمع كأغنية فردية، وهو لحن «يا صلاة الزين» الذي غناه زكريا أحمد بصوته، لكننا في النسخة الإذاعية نستمع إليه مختصراً سريعاً ويكاد يكون مقتصراً على إيقاعات الدفوف، ونستمتع بكلمات بيرم التونسي وهو يتغنى بتونس قائلاً: «تونس خضرا مخضرها رب القدرة منورها، يا صلاة الزين على تونس يا صلاة الزين» بعدها يشتعل الحب بين عزيزة ويونس الذي تجهل هويته الحقيقية وتظن أن اسمه سعيد، ونستمع إلى لحن «من أول يوم» وهو دويتو عاطفي تغنيه صباح مع محمد جمال، وفي لحن «البرجاس» ينغمس بيرم التونسي بشكل أكبر في الثقافة التونسية، وتبدع صباح في غناء هذا اللحن الذي تقول كلماته: «هيه هيه هيه يا لالة، الفرسان أهي هله، بالبرجاس تتسلى، واللي يفوز يا سعده، واللي يطيح له ذلة» وهو لحن إيقاعي يعتمد على الدفوف أيضاً.
وبعد أن يعترف يونس بالحقيقة لعزيزة، وأثناء اصطحابها له في المغارة الحمراء من أجل أخذ الجواهر لدفع الدية الشرعية للخدم المقتولين، وإنقاذ رقبة كل من بو دحروج وبو بعروج المتهمين ظلماً بقتل الخدم، نستمع إلى لحن «يا دليل الحي» الذي يعد من أسرع الألحان وأكثرها حيوية، وفيه يمزج الشاعر بين الحب وتأدية المهمة الصعبة «خدني يا غندور في الدرب المهجور، ضلمة ولا نور وجهك فيه الضي، يا دليل الغار ومغيث المحتار، ليلي بيبقى نهار لما تكون حدي» ثم تغني صباح لحن «سلام سلام» بأسلوب لطيف ساخر على لسان عزيزة، الفرحة بضرب يونس للعلام وتحطيم عظامه وتأجيل الزواج، وتقول: «سلام سلام سلام محبة في العلام، محبة في المضروب الراجل المغلوب، لا هو سليم محسوب، قولوا عليه لا باس» وعندما نستمع إلى اللحن التالي «أنا يا زناتي» الذي يغنيه أبو زيد الهلالي عندما يواجه الزناتي خليفة بحقيقته، نشعر بأننا انتقلنا إلى أجواء صعيدية تماماً على أنغام الربابة، حتى في طريقة الغناء وصياغة الكلمات التي تقول: «أنا يا زناتي نقول لك صفاتي، سريع العوالي ومن أصل غالي، واسمي الهلالي، وأرضي تهامة، أبو زيد جالك ييتم عيالك، وواقف قبالك وتسمع كلامه، دخلت المغارب محارب مضارب، ورايا كتايب تقيم القيامة» وفي خضم الكثير من المعارك والحيل والهزائم والانتصارات المؤقتة، وقبل الحسم، نستمع إلى لحن «يا بنية هيا بينا» الذي تغنيه صباح قائلة: «يا بنية هيا بينا على سور المدينة، نستقبل وفد الأحباب اللي منا وعلينا، أحبابنا في القومية ووجوههم عربية وسيوفهم مشرقية تحصد روس أعادينا، جيشنا جاي من الجيزة، جية والله عزيزة، ويقولوا يا عزيزة افتحي وكلمينا» وعندما تقع عزيزة مع يونس في الأسر تغني لحن «يا رب صبرني» الذي يليه آخر ألحان الأوبريت «لحن الفرح» بعد مقتل دياب بن غانم، واتفاق الهلالية مع السلطان، وفيه يقول بيرم التونسي: «هيا هنونا هيا، الأمة العربية، مصرية وتونسية، بقلوبنا وحدناها» حيث يتغنى هذا الشاعر العظيم بمصر التي نفته بعد أن ذاق العذاب على أرضها، «الأولة مصر قالوا تونسي ونفوني» وبتونس التي لم يجد فيها حضناً دافئاً «والتانية تونس وفيها الأهل جحدوني» كما قال في إحدى قصائده، وليس خافياً ما لاقاه الرجل من ويلات الغربة وعذابات التشرد في باريس، لكنه كان أقوى من كل شيء في النهاية، وعاد إلينا في مصر كما يجب أن يكون، وحيث كان يجد هو راحته، رغم المنغصات، فتلك كلماته: وأقول لكم بالصراحة اللي في زماننا قليلة، عشرين سنة في السياحة وأشوف مناظر جميلة، ما شفت يا قلبي راحة في دي السنين الطويلة، إلا أما شفت البراقع واللبدة والجلابية.
كاتبة مصرية
تنسب لأمير الشعراء احمد شوقي مقولة ” اني اخشى على الفصحى من عامية بيرم التونسي” و القول في حقه انه
–
كان سيد العامية ليس بالمبالغة و من المفارقات ان شوقي نفسه انتهى به الامر مقتفيا اثر بيرم التونسي في نظم الازجال
–
اذ و كما هو معروف نظم لعبد الوهاب بلبل حيران النيل تجاشي و غيرهما من الازجال لكنه لم يصل كغيره لروح
–
العامية كما ولجها بيرم التونسي اما الموسيقار زكريا احمد فشخصيا تكاد تكون اقرب مطولات ام كلثوم لمزاجي من
–
تلحينه و نظم رفيقه بيرم كالاولى في الغرام و الليلة عيد و انا في انتظارك في الاخير لا يسعنا الا الترحم على هذين
–
الرائدين الخالدين مع وافر الشكر و التقدير للاخت مروة متولي تحياتي
ورثاه بيرم التونسي قائلاً وكان وقتها في باريس: مكتوب لي في الغيب مصيبة، والغيب عن علمي خافي، تطول حياتي الكئيبة، وأرثي أمير القوافي. عامية شوقي مختلفة تماماً وجميلة أيضاً، مصر كانت محظوظة بهذا التنوع وبكل هذه النعم البشرية. ربنا يرحم الجميع يا رب. كل الشكر لك أنت أخي الكريم. سلامي لك
بالنسبة إلى الذائقة الشعرية، لا أميل عادة إلى الشعر المكتوب بالعربية العامية بأية لهجة عربية كانت، إلا فيما ندر – كمثل بعض الأشعار العامية لمظفر النواب باللهجة العراقية وغيرها! ولكن لا بد من الاعتراف بأن هناك موسيقى داخلية فريدة من نوعها يمكن استشفافها في الأشعار العامية لبيرم التونسي، سواء كانت باللهجة المصرية أم باللهجة التونسية (وعلى الأخص عندما يعتوره شيء من الحنين إلى جذوره الأم). وفي رأيي الخاص كذلك، أرى تألق شعر بيرم التونسي في أوجه شكلا ومضمونًا في الفترة التي عقبت نفيه من مصر من قبل سلطات الاستعمار الإنكليزي إبانئذ!
أما بالنسبة إلى الذائقة الموسيقية، فيبدو أنها صارت لازمةً نفسية أو حتى عاطفيةً بنحو أو بآخر: كلما تأتي سيرة زكريا أحمد تحضرني بحزن شديد سيرة سيد درويش (تماما كمثل تلك اللازمة النفسية/العاطفية المقابلة: كلما تأتي سيرة أم كلثوم تحضرني بحزن عميق سيرة أسمهان)! فلو عاش درويش حياة أطول (ثلاثة عقود أُخَر، بالأقل) لكانت الموسيقى العربية في مصاف أرقى ما ينتجه الخيال البشري من موسيقى عالمية وكونية، ولا ريب – وذات الشيء ينطبق كذاك على أسمهان فيما يتعلق بالغناء الأنثوي العربي / مع التحية
وعبد السلام عامر في المغرب نفس الحسرة والله… رغم إني كنت أتمنى العكس لكن عبد الوهاب كان أذكى من أن يقترب من الأوبريت بعد سيد درويش. هو أصلاً كان يقول عن نفسه إنه “سوسة” يعني شديد الذكاء
ودائما ان شاء الله قطرات بلغة الفن لاصيل مرة أ×رى وعلى ظهر الكلمة الفنية الصادقة نرحل الى البلد العربي الكبير الدي دخل من الباب الواسع للفن يد في فن الشعر يد في فن التشكيل يد في فن الرواية يد في فن القصة يد في فن الخط يد في فن المسرح يد في فن السينما فاالكاتبة المحترمة تدخل هده المرة عالم الفن المصري القديم الجميل الدي لايمكن ان يشيب لتعرف القارئ المحترم حيت ماوجد عن أصوات موسيقية راقصة ظاحكةومتنوعة كدالك صحيح لقد كانت مصر تعيش قضايا لكن الفن كان شامخا مثل الجبل ناس في المستوى الفني منهم من دخل بين قوسين عالم السينما العالمية لم تنتهي كلمتي لكن المساحة قصيرة لاتسمح
شكراً بلي محمد تحياتي لك