في ما مضى من السنوات، احتفى العالم الثقافي الفرنسي بصدور مؤلف اعتبر من أهم المؤلفات الفكرية التي صدرت في الحقبة المعنية، وهو مؤلف يحمل عنوان «أوروبا.. الطريق الروماني».
في هذا العمل، اهتم المفكر Rémi Brague بالتمعن في الروافد العديدة – منها الرافد الفلسفي العربي- التي تجمعت فارتوت منها الثقافة اليونانية – الرومانية.
وكأن عنوان المؤلف جاء ليذكر بأن كل الطرق، خاصة الثقافية منها، تؤدي إلى روما، لكن باستثناء توصية قصيرة بالرجوع إلى هذا الكتاب القيم لمن يتقن اللغة الفرنسية، ليس موضوعنا اليوم على صلة مباشرة بالجانب العريق للثقافة الأوروبية المؤصل في عصور مضت من الأخذ والعطاء، تميزت على سبيل المثال لا الحصر، بترجمة أعمال الفلاسفة العرب، وكذلك كتب الطب العربي، بالاعتماد على اللغة اليونانية القديمة من جهة، واللغة اللاتينية من جهة أخرى.
هدفنا هنا التوجه لإحدى أعرق الحضارات، احتياجا لتعزيز جسور التواصل والتعاون بينها وبين القارة الأوروبية، ألا وهي الحضارة الإيرانية.
بغض النظر عن المصالح المشتركة التي شكلت خلفية السعي الأوروبي الحثيث، والسعي الفرنسي تحديدا، إلى تأطير الاتفاق النووي الموقع عام 2015، أبرزت هذه الخطوات التي طبعت التحركات الجيوسياسة الدولية في السنوات الأخيرة، إقرارا ضمنيا بأن إيران أصبحت شريكا لا يمكن الاستغناء عنه في أي من المجالات.
وما تكاتف أصوات المسؤولين الدبلوماسيين من أعلى المستويات في الاجتماعات الأممية، التي انعقدت هذه الأيام، سوى تعبير عن وحدة شبه مقدسة – إذا اردنا هنا العودة إلى مصطلح شاع في أدبيات التاريخ الفرنسي، زمن الحرب العالمية الأولى. استمعوا إلى تريزا ماي: «لو كنا اتبعنا نهج ترامب، لكنا أخطأنا جميعا، كنا خرجنا من الاتفاق واستعادت إيران نشاطها النووي». ثم لنستمع إلى سيرجي لافروف: «إن لم يتم إنقاذ الاتفاق، فإن التوتر في الشرق الأوسط مرشح للتصعيد».
ثم لنتابع كلام إيمانويل ماكرون الذي يأتي في صورة تحصيل الحاصل: «أمام ترامب، بقي كل المتدخلين جامدين مثل تمثال من رخام، من أجل الدفاع عن الاتفاق النووي». ومضى ماكرون يقول ويلح ويؤكد «ينبغي العمل وفق استراتيجية بعيدة المدى، لا تقف عند حد العقوبات أو الاحتواء، وإنما ينبغي المضي قدما عن طريق ضمان البعد السلمي لبرنامج إيران النووي بواسطة مراقبة المفتشين الدوليين. منذ الآن، يجب التخطيط لمفاوضات جديدة حول تأطير النووي الإيراني، ما بعد سنوات 2025 – 2030 لضمان استقرار المنطقة».
ضمان استقرار المنطقة هذا لن يتأتى، بالتأكيد، من دون إشراك إيران بوصفها طرفا فاعلا يؤثر على المسار التفاوضي لحلحلة نزاعات المنطقة.
التعاون الدبلوماسي الإيراني منتظر إذن وعلى المحك أيضا، بدءا بالمساعدة التي تتوقعها فرنسا من السلطات الإيرانية، لكشف ملابسات العمل الإرهابي المحبط في مدينة Villepinte في ضواحي باريس آخر شهر يونيو/حزيرن الماضي. لا اتفاق يصمد من دون عقد ثقة، وفرنسا ستكون في طليعة الدول التي ترصد الخطوات الإيرانية إلى الأمام، لكن الى الوراء أيضا.
علاقة فرنسا بإيران قديمة وعريقة دبلوماسيا وثقافيا أيضا، أرختها الرسائل الفارسية لمونتسكيو، وتوجتها الرسامة مرجان ساترابي، كما كللتها الجامعية ليلي انفار، صاحبة برنامج فلسفي شهير تبثه إذاعة «فرنسا الثقافية». أدركت فرنسا، صاحبة زمام قيادة دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، أن الدبلوماسية الدولية تمر عبر الطريق الإيراني، عسى أن تؤكد إيران لفرنسا أن دبلوماسيتها الدولية تمر عبر الطريق الأوروبي، والفرنسي تحديدا.
باحث وإعلامي فرنسي