أوروبا تستبدل المواجهة المباشرة مع بوتين بـ«حرب استنزاف» في أوكرانيا!

رلى موفّق
حجم الخط
9

دخل غزو روسيا لأوكرانيا أسبوعه الثاني. الضوء الأخضر الأمريكي لتوغّل روسي على نطاق صغير كان قد أعطاه سيد «البيت الأبيض» لـ«قيصر الكرملين» في إيحاء أن رد «الناتو» سيكون على قدر التمادي في خرق الخطوط الحمر. ستكثر القراءات مستقبلاً عما إذا كان جو بايدن بتصريحه ذلك، قبل أسابيع، قد نصب «الفخ» لفلاديمير بوتين، فجرى استدراج «الدب الروسي» إلى وحول حرب على أسواره ستكون حرب استنزاف طويلة وموجعة، وستُرخي بظلالها على مستقبل روسيا الاتحادية تماماً كما انعكست حرب أفغانستان الأولى بتداعياتها على الاتحاد السوفييتي.
بدأ الحديث عما إذا كان التاريخ سيكرِّر نفسه، فيرجع العالم إلى زمن «الحرب الباردة» وإلى ما قبل سقوط جدار برلين، بحيث يُصبح هناك جدار كييف، وأوكرانيا الشرقية والغربية كما ألمانيا الشرقية والغربية، واستبياناً العودة إلى زمن المعسكرين الشرقي والغربي في نهاية الحقبة الأحادية التي تزعمتها الولايات المتحدة ما بعد نهاية «الحرب الباردة».
يضع بوتين جملة شروط تتعلق بالشرق الأوكراني الذي يغزوه من محاور عدّة، ويعمل على التقدّم إلى كييف حتى نهر الدنيبر الذي يُشكِّل خطاً فاصلاً بين الضفتين الشرقية والغربية للعاصمة التي تربط بينهما الجسور. يُلوِّح منظرو روسيا بأن إغضاب «سيد الكرملين» قد يدفع به إلى احتلال منطقة غرب أوكرانيا أيضاً، والذي تقتصر مطالبته اليوم بأن تنتهج الحياد والالتزام بعدم الانضمام إلى الحلف الأطلسي. يأخذ النقاش مجرى أن مصير الشرق الأوكراني مُنتهي. ولو كانت واشنطن وحلفاؤها الأوروبيون غير موافقين ضمناً على سقوطه في الفلك الروسي لكانت قوات «الناتو» أضحت في قلب كييف. فالعقوبات وحدها يمكنها أن تُشذِّب شكل الالتحاق لا أن تمنعه.
يُجادل المنظرون بأن نظاماً عالمياً جديداً يتشكّل راهناً على رقعة الشطرنج الأوكرانية. سيتجلّى الصراع أكثر فأكثر بين روسيا ودول حلف شمال الأطلسي. اليوم أضحى مستقبل أوروبا على المحك بعدما باتت في قلب الحرب، وستحدد تطوراتها مدى انخراطها المباشر فيها. وحّد بوتين أوروبا بقوة ودفعها من جديد إلى حضن الولايات المتحدة الأمريكية بعد رهانات على الوهن الذي يُصيب الاتحاد الأوروبي وينسحب على الحلف العسكري الذي كان الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب يرى عدم جدوى بقائه، فإذا بدوله اليوم ترفع من موازناتها العسكرية وتستشعر بالخطر المحدق بها وتدخل على خط المعركة تسليحاً للقوات الأوكرانية بمختلف أنواع الأسلحة الفتاكة، حتى إن السويد وفنلندا خرجتا عن حيادهما وأرسلتا دعماً عسكرياً هو الأول لدولة أخرى منذ عقود، وكذلك فعلت ألمانيا التي كانت تبتعد عن تزويد مناطق الصراع بالأسلحة، وذهبت إلى اتخاذ قرار استراتيجي برفع موازنة إنفاقها الدفاعي عبر تخصيص مئة مليار يورو لصندوق خاص لقواتها المسلحة.
في التقارير لمراسلين حربيين داخل أوكرانيا أن 30 مقاتلة و40 مروحية روسية قد تحطمت حتى الرابع من آذار/مارس الحالي على أيدي القوات الأوكرانية منذ الرابع والعشرين من شباط/فبراير تاريخ بدء الغزو. وتُظهر الفيديوهات والصور المنقولة من الداخل حجم الاستهداف الكبير للآليات والمدرعات الغازية، فيما أعلنت وزارة الدفاع الروسية عن مقتل 498 جندياً روسياً وإصابة 1597 في الأسبوع الأول من بدء العملية العسكرية، وهو رقم ليس بسيطاً رغم الاعتقاد السائد بأنه لا يعكس حقيقة حجم الخسائر الروسية التي تقول كييف إنها بالآلاف.
ما تعكسه نوعية السلاح الذي يُرسل من الغرب إلى أوكرانيا (صواريخ ستينغر وجافلين ولاو) وإنشاء فيلق للمقاتلين الأجانب، يُشير إلى أن هذا البلد يُحضِّر لحرب طويلة على شكل حرب عصابات ضد الروس الذين سينجحون، عاجلاً أم آجلاً، في احتلال جزءٍ واسع من الأراضي الأوكرانية في ظل الاختلال في القدرات العسكرية بين البلدين، مع قرار «الناتو» عدم الاحتكاك المباشر مع الروس تجنباً لمستوى آخر من التصعيد يُفتح الباب على حرب عالمية ثالثة لن يكون السلاح النووي بعيداً عنها، ولا سيما أن بوتين، بعدما لوَّح مراراً بإمكان اللجوء إلى هكذا خيار، طلب من جيشه وضع «قوات الردع النووي» في حالة تأهب في رسالة تهديد علنية ومباشرة للعالم، بأنه عازم على «الانتحار الجماعي» إن لم يستجبْ الغرب لمطالبه، في ما يعتبره حماية أمنه القومي والاستراتيجي.
لا يقف طلب بويتن عند ضمان عدم دخول أوكرانيا إلى الحلف الأطلسي، ولا عند التزام «الناتو» بعدم التوسّع شرقاً، بل يُريد تراجعه عن تواجده العسكري في شرق ووسط أوروبا، وعودته إلى ما كان عليه قبل 1997 قبل التحاق دول من أوروبا الشرقية به، وهنا بيت القصيد. فقبل الإيغال في تحديد مرامي الولايات المتحدة الأمريكية الكامنة في إضعاف روسيا وإشغالها وعزلها ليسهل عليها إدارة مواجهتها مع الصين في معركة تقليم أظفار «التنين الأصفر»، فإن القلق اليوم مشروع لدى دول الاتحاد السوفييتي السابق التي استقلّت، وخصوصاً دول أوروبا الشرقية التي انضوت في «الحلف»، إذا نجح «القيصر» في إخضاع أوكرانيا على مرأى من أمريكا والغرب.
فالسؤال المطروح ليس عمّا إذا كان بوتين سيبقى في أوكرانيا… بل ماذا ستكون خطوته التالية بعد أوكرانيا؟ لا يستسيغ طلب جورجيا الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ويُرسل رسائل تهديد إلى السويد وفنلندا إن تجرأتا على الالتحاق بـ«الناتو». ستزيد شهية الرجل مجدداً في القضم وفي التمدّد لانتزاع مزيدٍ من الأقاليم والمناطق المحيطة بروسيا، لن تكون مولدوفيا ولا كازاخستان بمنأى عنه. وجمهوريات البلطيق السوفيتية السابقة (إستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا) في عين العاصفة تماماً كما بولندا ورومانيا بفعل انضمامها إلى الأطلسي.
الغرب يهتزُّ مع وصول حرب بوتين إلى قلب أوروبا، لا بل ينتفض على ذاته وعلى «الدب الروسي». من المُبكر الجزم بمآلات الغزو لأوكرانيا ومسار تبدّل الأمور. فحين كان باب التفاوض متاحاً لمنع الانزلاق، انتهجت أوروبا سياسة التردّد في العقوبات الاقتصادية بدل سياسة الردع. اليوم، تجري عمليات التحشيد الدولي على ضفتي الصراع. وباتت الحرب تدقّ مباشرة أبواب دول الحلف الأطلسي، فأي خطأ في الحسابات سيجرّها إلى حرب شاملة، هي التي يتم وصفها بـ«الحرب العالمية الثالثة».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول ابن الوليد. ألمانيا.:

    الوضع هو كالتاي .. و يمكن تشبيهه لمحبي الشطرنج و غير محبيه ايضا .. بأن الغرب يريد نهاية الحرب في حالة Pat .. و ليس Mat ..
    .
    فليس في صالحه البحث عن “شاه مات” بغظ النظر هل باستطاعته .. و لن يستطيع بوتين الوصول الى “شاه مات” ..
    و إن حاول سيجد حتى الصين ضده ..
    .
    لكن بوتين قد يفاجؤنا بنقلات انتحارية .. سيكولوجية صرف .. كي يحدد على الاقل وضع رقعة الشطرنج النهائي و هي في حالة Pat ..
    .
    و بصراحة .. الانستنزاف قد يحدث شيئا داخل روسيا .. و هذا بدون ضمانة طبعا .. و هذا ما يتمناه الغرب ..

  2. يقول هوزان هكاري:

    لا اعتقد بان بوتين سوف يكسب هذه الحرب
    كما هو يريدها ،قد يحقق بعض المكاسب
    الانية على الارض لكن على المدى البعيد
    سوف يواجه المزيد من الصعوبات على
    الصعيدين العسكري والاقتصادي فضلا عن
    العزلة الدبلوماسية.الاوكرانيون وخلال الأيام
    العشرة الماضية ابدوا مقاومة عنيفة ضد
    الجيش الروسي وكبدوه خسائر كبيرة،الاسلحة
    الغربية الفتاكة وصلت الى الجيش الاوكراني
    والاف المتطوعين من المناهضين للروس
    وخاصة من يسمون بالجهاديين من الشيشان
    وحتى القاعدة وداعش سوف ينخرطون في
    عمليات المقاومة. العملية في بدايتها والزمن
    كفيل باحداث المستقبل

  3. يقول ميساء:

    هههههههه شر البلية ما يضحك حقا وصدقا، حرب استنزاف تشبه التي كانت في أفغانستان وفي النهاية لا الناتو ولا أمريكا انتصروا في أفغانستان لعشرين سنة وخرجوا مهزومين شر هزيمة، وهذا ما سيحصل لهم مع أوكرانيا، والله يحرر فلسطين ويكسر شوكة إسرائيل كسرا لا جبر بعده أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا أبدا

    1. يقول اردني:

      رد على ميساء
      حرب الاستنزاف ستكون اقتصادية عسكرية كل دول العالم ستشترك فيها اجباريا وحتى الصين ستقف على الحياد لانها ستعاقب اقتصاديا ايضا اذا حاولت مساعدة بوتين ، الروبل سيصبح مثل العملة الايرانية الشعب الروسي سيجوع ، الغاز والبترول الروسي لن يجد من يشتريه ، اموال الروس ستجمد بالبنوك الغربية ، لن يكون لهم الوصول للاسواق لا بيع ولا شراء ، العالم كله سيدعم اوكرانيا عسكريا ، بوتين سيحتل اوكرانيا ولكنه سيسقط خلال عام من الجوع والمشاكل الاقتصادية كما صار به بعد دخوله افغانستان تم تمزيقه وانهار الاتحاد السوفييتي والان سينهار الاتحاد الروسي ولن تقوم له قائمه ،الايام بيننا اوكرانيا ستكون سبب دمار روسيا ونهاية بوتين كما كانت افغانستان سبب دمار روسيا

    2. يقول ابن الوليد. ألمانيا.:

      بسبب افغانستان تفكك الاتحاد السفياتي … يا أٌخية …
      .
      و كم قال اخي أثير في أحدتعليقاته القيمة .. قد يهدي الغرب اكرانيا لروسيا .. و قد تنتصر روسيا .. و سوف تهللين بالنصر ..
      لكنها .. و كما قلت مرارا مصيدة لاسنتزاف طويل الامد .. سيتفكك ما تبقى من روسيبا بسببها ..
      أو .. سيلحق عطب بروسيا لن تستطيع رفع رأسها بعده ..
      .
      و الشاهد هو نوعية تسليح الغرب لاوكرانيا .. اسلحة خفيفة فتاكة تحمل على الكثف .. ستينغر .. جافلين .. الخ ..
      ايذانا بحرب عصابات و مباغتات لن ينجح عسكر نظامي ضدها أبدا .. حتى و ان استولوا على كييف .. و اقاموا هناك حكومة موالية ..
      .
      انها وصفة افغانستان تتكرر بحذافرها ..
      .
      انصحك و نفسي بمتابعة تعليقات اخي أثير .. و اخي عبد الرحيم .. و اخوة آخرين و أخوات أٌخريات ..
      فستجدين فيها اللوحة كاملة .. و ستتضح الرأية .. لك يا أخية.

  4. يقول اكرم:

    وفي النهاية اللي ادمر اوكرانيا

  5. يقول Ali:

    ستنهار روسيا كما انهار الاتحاد السوفياتي سابقا بحري استنزاف سيجعل روسيا تجر اذيال الهزيمة

  6. يقول رضوان ابوعيسى:

    إن استراتيجية بوتين هي تدمير البنية التحتية العسكرية للجيش الاوكراني للقضاء على قدراتها العسكرية لفترة طويلة من الزمن من ناحية واحتلال المدن لخلع الحكومة الشرعية المنتخبة وتنصيب طغمة ممن ينصاع لارادته في الحكم وتوقيع اتفاقيات بأن تكون اوكرانيا حيادية وخارج الناتو وان تتخلى عن ما يدعيه بالنازية. فهو لا يريد ضرب المدنيين (يريدهم ان يتركوا المدن ويلجأوا الى الدول المجاورة لتسهيل احتلالها) حتى لا يجرّم بجرائم ضد الانسانية والملاحقة القضائية. وما يؤكده هو تصريحاته المتكررة بهذا الشأن ورفض بايدن اتهامه بجرائم ضد الانسانية!
    هذه إستراتيجية بوتين اما استراتيجية الحكومة الشرعية فهو صد الجيش الروسي والحيلولة دون احتلال اوكرانيا بضرب الجيش الروسي بالاسلحة المتوفرة كصواريخ ضد الطائرات والدبابات (والاليات) والطائرات المسيرة كبرقدار وغيرها وقد استطاع لهذه الساعة ان ينجح في تأخير زحف الجيش الروسي لكن كيف ستطور الامور في الساعات والايام والشهور المقبلة فهي محض سيناريوهات، ان استمرار تقدم الجيش الروسي سيؤدي الى احتلال المدن بما فيها كييف بعد قتال عنيف وتعيين حكومة جديدة وتحول الوضع الى افغانستان جديدة.

    1. يقول رضوان ابوعيسى:

      وتحول الوضع الى افغانستان جديدة، يتحول الجيش الاوكراني ومن معه الى مقاومة عصابات كالمجهادين الافغان ويصبح المدنيين اما لاجئين او نازحين لكن اظن ان هذا السيناريو خطير على استقرار اوروبا والعالم ولن يسمح الغرب به لذا سيتدخل عندما او قبيل ان تسقط كييف اما لايقاف الروس عسكريا او لفرض حل سلمي على الطرفين وهذا الاخير هو ربما الاكثر احتمالا!
      اما في حالة وقف تقدم الزحف العسكري الروسي وخاصة على كييف واستمرار استنزاف الجيش الروسي بالعدة والعتاد والوصول الى حالة من التوازن لا تقدم ولا تقهقر فمثل هذا الوضع يمكن ان يستمر الى فترة طويلة واذا كان نزيف الجيش الروسي كبير فهذا سيؤدي في الحالتين الى انسحاب وتقهقر الجيش الروسي، والانسحاب من معظم اراض اوكرانيا ويركز فقط على الجزء الشرقي ويفصله عن باقي اوكرانيا ويعتبره اما اراض روسية او مستقلة عن أوكرانيا!

إشترك في قائمتنا البريدية