عاد وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن إلى واشنطن بعد جولته التي زار فيها الأردن والعراق ومصر وإسرائيل ليفاجأ مع بقية أركان إدارة بايدن بعودة العلاقات الدبلوماسية السعودية مع إيران. وهي البلد التي طغت على محادثاته وذكرها أحيانا بالاسم وأحيانا أخرى بالمعنى.
جاء أوستن إلى المنطقة برسالة أخرى إلى الأردن ومصر وإسرائيل وهي ضرورة العمل على تجنب زيادة العنف بشكل يؤثر على أولويات الإدارة الأمريكية في محاربة روسيا في أوكرانيا ومواجهة الصين المنافس الاقتصادي لأمريكا على المسرح العالمي.
واكتشفت أمريكا أن عملية إعادة العلاقات الدبلوماسية بين عدوين لدودين في منطقة الشرق الأوسط، تم برعاية صينية، وليس من خلال القوة التقليدية المهيمنة في الشرق الأوسط، أي الولايات المتحدة. وقادت بيجين المحادثات السرية إلى جانب عمان المعروفة بوساطتها السابقة والعراق والذي رعى في الماضي لقاءات سرية بين الجانبين السعودي والإيراني. وتركزت تلك المحادثات في معظمها على ملف اليمن حيث ترغب السعودية بالخروج من مستنقعه بعد ثمانية أعوام من الحرب التي استنفدت الخزينة وزادت من الأعباء العسكرية وعرضت أمن المملكة للخطر وصواريخ إيران ومسيراتها التي منحتها لحلفائها الحوثيين.
ثمن التطبيع
ولكي تزيد الصورة غموضا، سربت معلومات إلى صحيفة «وول ستريت جورنال» و«نيويورك تايمز» حول الثمن الذي تريده السعودية للتطبيع مع إسرائيل، مفاعل نووي مدني الطابع وضمانات أمنية ودفاعية أمريكية. وقد أوردت صحيفة «نيويورك تايمز» (9/3/2023) الخبر نقلا عن مسؤولين على معرفة بالمحادثات الدبلوماسية. وأشارت إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يحاول جاهدا لتكريس إرثه السياسي وإقناع قوة كبيرة ومهمة في الشرق الأوسط لكي تنضم إلى قطار التطبيع أو اتفاقيات إبراهيم التي وقعت في ظل إدارة دونالد ترامب. ويعتقد نتنياهو، أنه لو وافقت السعودية إقامة علاقات مع إسرائيل، فإن القضية الفلسطينية ستحل، وكانت هذه آخر تصريحاته لصحيفة «ريببليكا» الإيطالية، ولا نعرف إن كان يقصد أنه سيضع الستار على الموضوع الفلسطيني أم أن حلا عادلا للقضية ودولة للفلسطينيين هي النتيجة. وبالنظر لتصرفات حكومته الأكثر تطرفا في إسرائيل فإن ما يهدف إليه نتنياهو والوزراء المتطرفون معه هو تحقيق نصر حاسم على الفلسطينيين وإخضاعهم بما يعني السيطرة عليهم وضم الضفة الغربية وتغيير الأمر الواقع. وكان أوستن واضحا مثل بقية المسؤولين الأمريكيين الذين جاءوا إلى المنطقة العام الماضي وبداية العام عندما عبر من مطار بن غوريون حيث تم تغيير مكان اللقاء في وزارة الدفاع الإسرائيلية بسبب الاحتجاجات في إسرائيل ضد تغييرات نتنياهو وحكومته للقضاء والتحكم بقرارات المحكمة العليا. وتم نقل نتنياهو بالطائرة المروحية إلى محيط المطار لكي يتمكن من لقاء الزائر الأمريكي.
لا تحرفوا نظرنا
ولا تزال الإدارة الأمريكية متمسكة بحل الدولتين الذي تعرف أنه بات بعيد المنال، في ظل غياب أي عملية تفاوضية ومنذ آخر محاولة فاشلة من إدارة باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري عام 2014 وبسبب التوسع الاستيطاني ووصول تيار ديني-صهيوني هو ربيب نتنياهو إلى السلطة ويرفض التسوية من ناحية المبدأ. ولهذا كانت الرسائل التي حرصت الإدارة الأمريكية على نقلها عبر الصحافة هي أن أوستن حمل معه رسالة صريحة وواضحة حسبما أشارت صحيفة «فايننشال تايمز» (9/3/2023) وهي أن التركيز على الضفة الغربية يحرف النظر عن تهديد إيران، التي تعد محط اهتمام الحكومة الأمريكية. ومن هنا فتصاعد العنف في الضفة الغربية المحتلة، سيضعف من التعاون معا لمواجهة التهديد القادم من إيران، وذلك نقلا عن مسؤول أمريكي بارز. ونقلت عن مسؤول أمريكي قوله: «التركيز على العنف في الضفة الغربية سيحد من قدرتنا للتركيز على التهديد الإستراتيجي الحالي، تقدم إيران الخطير في مشروعها النووي واستمرار عدوانها الإقليمي والدولي».
وتصاعد العنف في الضفة الغربية التي تشكل غالبية الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 في الأشهر الأخيرة، ما زاد من مخاوف خروجه عن السيطرة. وقتلت القوات الإسرائيلية منذ بداية هذا العام أكثر من 70 شخصا في وقت قتل فيه الفلسطينيون 13 إسرائيليا. وفي يوم زيارة أوستن نفذ مسلح فلسطيني هجوما في تل أبيب جرح فيه عددا من الإسرائيليين داخل مقهى.
وتقول الصحيفة إن واشنطن تنظر بقلق لتصاعد العنف بالضفة الغربية. وتخشى إدارة بايدن من خطط نتنياهو المضي قدما في إصلاحاته القضائية. وفي الوقت نفسه تخشى إسرائيل من تزايد النشاطات النووية الإيرانية وتدعو إلى تهديد عسكري موثوق لردع إيران. ورغم تأكيد أوستن على موضوع إيران والتعاون في محاربة برنامجه النووي، إلا أن إدارة بايدن تفضل الدبلوماسية لمعالجة البرنامج النووي الإيراني وأنها ملتزمة في الوقت نفسه لمنع إيران من الحصول على السلاح النووي. وقد توقفت المفاوضات في أعقاب قمع إيران العنيف للمحتجين العام الماضي ودعمها العسكري لروسيا في حربها ضد أوكرانيا. واتهمت الولايات المتحدة إيران ببيع مسيرات قتالية لروسيا، وهو أمر تنفيه طهران. ولم تقدم إسرائيل دعما قتاليا لأوكرانيا وتحاول واشنطن الضغط عليها لعمل المزيد، وتحديدا ما يراه الغربيون من استخدام إيران الساحة الأوكرانية كمختبر حربي لتجربة الأسلحة. وقال المسؤول الأمريكي البارز «يجب على كل واحد التحضير لما ستكون عليه السيناريوهات عندما تأخذ إيران التكتيكات والطرق الفنية والإجراءات التي تعلمتها في أوكرانيا وتبدأ باستخدامها هنا» أي الشرق الأوسط.
يعرف نتيناهو أن واشنطن بيدها الدفع بالتطبيع مع السعودية ولديها القدرة على ضرب المنشآت الإيرانية وهو ما لا تستطيع إسرائيل القيام به وحدها. ومن هنا كثف الطرفان المناورات العسكرية المشتركة. وكانت إيران حاضرة ولكن بدون ذكر الإسم في محادثات أوستن مع المسؤولين العراقيين، حيث أكد التزام واشنطن بدعم العراق والحفاظ على القوات الأمريكية في العراق و«بدعوة» من العراقيين، وحذر من المساس بالجنود الأمريكيين في العراق. وإلى جانب إيران، حضر تنظيم الدولة وضرورة إعادة العائلات والأفراد المرتبطين به من مخيم الهول في سوريا.
سوريا وكسر العزلة
وجاءت رسالته متناسقة مع زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة إلى القوات الأمريكية مايك ميلي شمال- شرق سوريا، وأكد أن 900 جندي سيظلون هناك. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» (4/3/2023) أن زيارة مايك ميلي التي جاءت قبل يوم واحد من وصول أوستن، ركزت على تقييم الوضع في سوريا، وانه كان يريد التأكد شخصيا من المهمة التي يقومون بها. ووجد أن القوات ضرورية لمنع عودة تنظيم الدولة، وهي جزء من التزام أمريكي، مع أن بايدن كما تقول الصحيفة عبر عن التزام بإنهاء الحروب الأبدية، وأخرج القوات الأمريكية من أفغانستان، إلا من سوريا التي يتعرض فيها الجنود الأمريكيون لمخاطر.
وفي سوريا، هناك محاولات عربية لإخراج نظام الأسد من عزلته وسط معارضة أمريكية وأوروبية، فقد باتت الدول العربية هي المحرك الرئيسي في هذه الجهود. ومنذ الهزات الأرضية الكارثية في شمال سوريا وتركيا توافد مسؤولون عرب على دمشق، كان آخرهم وزير الخارجية المصري الذي دعا لعودة سوريا لمكانها الطبيعي في المنظومة العربية، وزارها وزير الخارجية الأردني والإماراتي. وتقود الإمارات منذ سنين جهود إخراج نظام بشار الأسد من العزلة التي فرضت عليه بعد قمع الانتفاضة عام 2011. وفي الشهر الماضي سافر الأسد إلى عمان بناء على دعوة من سلطانها، وهي دولة حليفة أخرى ومهمة للغرب، إلى جانب كونها شريكا استراتيجيا. وأشارت صحيفة «التايمز»(6/3/2023) أن الإمارات تسعى لوقف «التشرذم» العربي. وحتى السعودية التي ظلت تقاوم تحرك الدول العربية، غيرت من موقفها على ما يبدو.
تقوم فكرة إسرائيل في توسيع اتفاقيات التطبيع على أن العالم العربي منشغل بمصالحه لكي يلتفت إلى موضوع الفلسطينيين، وأن هناك إمكانية لعقد اتفاقيات مع الدول العربية من وراء ظهر الفلسطينيين، وهذا هو جوهر اتفاقيات إبراهيم التي رعتها إدارة ترامب وعملت جهدها لتهميش ومعاقبة الفلسطينيين وتبني رؤية نتنياهو عن الصراع، لكن الأحداث في القدس الشرقية والضفة هي تذكير دائم لإسرائيل وحلفائها العرب أنه بدون تسوية واستجابة للتظلمات التاريخية الفلسطينية فسيظل احتلال إسرائيل عامل توتر بالمنطقة العربية، وستضطر الدول العربية التي طبعت مع إسرائيل لمواجهة الواقع الذي حاولت إدارة ظهرها. فمن جهة يقول مسؤولون إسرائيليون إن السعودية لم تعد تسعى إلى الحصول على تنازلات كبيرة بشأن القضية الفلسطينية كجزء من المحادثات وربما رضيت بأقل مما تعلن حسب «نيويورك تايمز» وقالت صحيفة «وول ستريت جورنال» (9/3/2023) إن وفدين، أمريكي وإسرائيلي، زارا الرياض أواخر العام الماضي، وقالا إن السعوديين لا يرون أن القضية الفلسطينية ذات أهمية قصوى. مع أن استطلاعا أجراه معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى وجد فيه إن نسبة 76 في المئة من السعوديين لديهم مواقف سلبية من التطبيع. وخلافا للإمارات والبحرين فإن السعودية بسكان يتجاوز عددهم 25 مليون نسمة لا تستطيع تجاوز مواقف سكانها، وفي ظل التحولات الجديدة في البلاد والتي ترمي التحضير لعصر ما بعد النفط. وأي صفقة سعودية- إسرائيلية ستقضي على إنشاء الدولة الفلسطينية ولعقود، فلطالما التزمت السعودية ورسميا بأن التطبيع مرتبط بإقامة الدولة الفلسطينية، مع أن الصحيفة تشير إلى تطور العلاقات الأمنية والاقتصادية. ويقول مسؤولون في إدارة بايدن وبعض المسؤولين السعوديين إن على إسرائيل أن تفعل شيئًا بشأن تطلعات الفلسطينيين إلى الاستقلال، وقال مشاركون في المحادثات بين البلدين إنه يمكن التوصل إلى اتفاق إذا وافقت إسرائيل على اتخاذ خطوة متواضعة، مثل إجراء محادثات سلام مع الفلسطينيين. ولا تأخذ هذه التصريحات مواقف الفلسطينيين أنفسهم، من ناحية شعور الخيبة بالجهود السلمية وعدم الإيمان بالحلول السلمية والإيمان بالسلاح والعودة إليه، وحتى الذين توقفوا عن القتال بدأوا بدعم الجيل الشاب وكتائب المقاتلين التي لم تعد تستجيب لأوامر القيادة السياسية ولا الفصائل التقليدية، حسبما ورد في عدد من التقارير الصحافية في أمريكا وبريطانيا في ألآونة الأخيرة.
الصين في المنطقة
وإذا كان هدف أوستن، أو سيده بايدن هو إبقاء الغطاء على الوضع في المناطق المحتلة لكي تتفرغ أمريكا للصين وروسيا، فقد جاءت الصين إلى المنطقة وملأت الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، فهي حاضرة وذات تأثير على طرفي الخليج، علاقات جيدة مع إيران ومثلها مع السعودية والإمارات ودول مجلس التعاون الخليجي. وهي حاضرة في مبادرتها الحزام والطريق، وأشار موقع «أويل برايس» (7/3/2023) إلى التنافس الأمريكي- الصيني في عمان والإستثمارات الصينية في هذا المكان الحيوي من الخليج، وأن حضورها هنا هو جزء من سياسة السيطرة على مناطق الاختناق البحرية والتي يمر منها معظم نفط العالم وغازه الطبيعي. وطالما ظلت الصين مهتمة بمصالحها التجارية وتدفق النفط من الخليج إليها، لكن طموحاتها في المنطقة زادت، وحذرت واشنطن الإمارات من تقارير عن محادثات لإنشاء قاعدة بحرية صينية، إلى جانب القاعدة الصينية الوحيدة في جيبوتي، وهو ما يمنحها قدرة على التحكم بمضيق باب المندب. وعليه فالوساطة الصينية بين إيران والسعودية هي بمثابة «انقلاب» حسب صحيفة «ديلي تلغراف»(10/3/2023)، مشيرة إلى أن عودة العلاقات إلى مجاريها تم التوصل إليها بعد محادثات استمرت أربعة أيام في العاصمة الصينية. وقالت إن الاختراق الدبلوماسي يظهر أن الصين باتت لاعبا مهما في سياسة الشرق الأوسط في وقت يتراجع فيه الأمريكيون والغرب من المنطقة. وقال باحث في معهد بريطاني «هذا أمر كبير» و «لأن السعوديين وإيران لململوا خلافاتهم، لكن الولايات المتحدة لم تكن حاضرة، والتحولات تجري بشكل سريع». وقللت أمريكا من حجم الاختراق مؤكدة على أهمية العلاقات السعودية-الإسرائيلية. وفي الوقت الذي تبادلت فيه الأطراف السياسية في إسرائيل الاتهامات، حققت الصين انتصارا دبلوماسيا في المنطقة، وبعد رفض الغرب جهودها للوساطة في الحرب الأوكرانية. ويبدو أن إخفاء الأمر عن الولايات المتحدة هو رد على المحادثات السرية التي أجرتها إدارة باراك أوباما عبر قناة عمان مع إيران للحد من نشاطاتها النووية، حينها غضبت دول الخليج ولم ترض عن خطة العمل المشتركة الشاملة كما أطلق عليها. ورأت مجلة «ناشونال انترست» (9/3/2023) أن الولايات المتحدة تريد كبح النفوذ الاقتصادي والتكنولوجي والجيوسياسي العالمي المتنامي للصين. بشكل قد يحول منطقة الخليج في علاقاتها المتنامية مع بيجين إلى ساحة تنافس. فالأنظمة الملكية في دول مجلس التعاون الخليجي في وضع حرج، حيث يجب أن تسعى جاهدة لتحقيق قدر أكبر من الاستقلالية عن طريق الحد من تعرضها للمنافسة الاستراتيجية بين القوى العظمى. لكن سرعة احتدام التنافس بين الولايات المتحدة والصين خلقت وضعا محفوفا بالمخاطر بشكل لا يصدق للسياسة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي. وفي المقابل، تدرك دول مجلس التعاون الخليجي المخاوف الأمريكية المتزايدة بشأن الصين ولا تريد الوقوع في صراع بين البلدين. لكن المنافسة المتصاعدة بين الولايات المتحدة والصين تضغط على دول مجلس التعاون الخليجي للانحياز إلى إحدى القوتين. وربما لن تجدي صيغة الدفاع من أمريكا والتعامل الاقتصادي مع الصين في الأيام القابلة، فوساطة بيجين هي دليل على تجاوز طموحاتها الاقتصاد إلى التأثير الجيوسياسي، فهي مرتبطة مع طهران بشراكة استراتيجية مدتها 25 عاما وعازمة على توطيد علاقاتها مع دول الخليج باتفاقيات وبروتوكلات تعاون. وبالمحصلة جاء أوستن ليذكر الحلفاء بالتزام بلاده في أمنها ودعمها في مواجهة إيران ليجد عالما تغير وأن طهران التي حذر منها هي نفسها التي أعادت السعودية العلاقات معها.
بل جاء لاسعاف دويلة الصهاينة الملاعنة التي بدأت في التصدع، فاللهم عجل بزوال دويلة الباطل إسرائيل المحتلة لأرض فلسطين التي تقتل الفلسطينيين وتهدم منازلهم بغير وجه حق منذ 1948 وإلى يوم الناس هذا ???