مرسوم بوتين يضفي طابعا رسميا على عقيدته النووية الجديدة التي توسع نطاق اللجوء إلى أسلحة نووية، للرد على أي هجوم تشنه دولة لا تملك أسلحة نووية بدعم قوة نووية.
باريس ـ «القدس العربي»: تطوران غير مسبوقين خيما على مجريات الحرب الدائرة في أوكرانيا منذ أكثر من ألف يوم: الأول، ضرب كييف العمق الروسي مستخدمة صواريخ أمريكية وبريطانية، لأول مرة، بعد حصولها توالياً على الضوءِ الأخضر من واشنطن ثم من لندن لاستخدام صواريخ أتاكمز الأمريكية بعيدة المدى وصواريخ ستورم شادو البريطانية. والثاني، الرد الروسي عبر إطلاق صاروخ بالستي جديد متوسط المدى فرط صوتي على الأراضي الأوكرانية، وذلك بعد تهديد موسكو بتعديل عقيدتها النووية، ما أثار موجة استنكار غربية.
فقبل شهرين من مغادرة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته جو بايدن للبيت الأبيض، أعطت إدارته أخيراً الضوء الأخضر لأوكرانيا لاستخدام صواريخ أتاكمز البالغ مداها 300 كيلومتر لضرب منشأة عسكرية روسية في منطقة بريانسك. فسارعت كييف، في اليوم الموالي، إلى ضرب موقع في منطقة بريانسك الروسية بهذه الصواريخ الأمريكية بعيدة المدى، حسب وزارة الدفاع الروسية، مؤكدة أن الدفاعات الجوية أسقطت خمسة صواريخ، فيما سقطت شظايا من صاروخ سادس على منشأة عسكرية متسببة بحريق محدود، وفق الوزارة الروسية. واعتبر وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أن ضرب أوكرانيا للأراضي الروسية بصواريخ أمريكية بعيدة المدى يشكل «مرحلة جديدة» في الحرب، متوعداً في الوقت نفسه، برد «مناسب». فيما اتهم المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، الولايات المتحدة بـ«بذل كل ما في وسعها لإطالة أمد الحرب» من خلال تعزيز إمداداتها من الأسلحة لأوكرانيا.
بعد يوم من ضربها روسيا بصواريخ أمريكية بعيدة المدى، ضربت أوكرانيا أيضا وللمرة الأولى أراض روسية بصواريخ ستورم شادو البريطانية، وذلك بعد حصولها على موافقة لندن، وفق ما أكدته وسائل إعلام بريطانية، بما فيها صحيفة «فاينانشل تايمز» التي أوردت أن هذه الصواريخ، التي يتخطى مداها 250 كيلومترا، أطلقت على هدف عسكري روسي واحد على الأقل. وذكرت صحيفة «ذي غارديان» أن الضوء الأخضر البريطاني أتى رداً على نشر قوات كورية شمالية من أجل مساعدة القوات الروسية.
ردا على الخطوة الأمريكية، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي سبق له أن حذر مراراً من مغبة أن إعطاء أوكرانيا الضوء الأخضر لضرب روسيا بصواريخ غربية سيعني «ضلوع دول حلف شمال الأطلسي مباشرة في الحرب في أوكرانيا» قام بالتوقيع على مرسوم يضفي طابعا رسميا على عقيدته النووية الجديدة التي توسع نطاق اللجوء إلى أسلحة نووية، ليشمل استخدامها الرد على «أي هجوم جوي مكثّف» تشنه دولة لا تملك أسلحة نووية لكن تدعمها قوة نووية، في إشارة واضحة إلى أوكرانيا والولايات المتحدة الأمريكية. وتشمل التحديثات الجديدة اعتبار أي هجوم تقليدي على روسيا من دولة غير نووية مدعومة من دولة نووية هجوما مشتركا، بالإضافة إلى أن أي هجوم جوي واسع النطاق بطائرات وصواريخ موجهة وطائرات مسيرة تعبر حدود روسيا قد يؤدي إلى رد نووي.
سارعت واشنطن ولندن وباريس إلى التنديد بتحديث روسيا لعقيدتها النووية. واستنكر البيت الأبيض «الخطاب غير المسؤول» الذي تبنته روسيا. فيما قلل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو من أهمية قرار الرئيس الروسي بتحديث العقيدة النووية لبلاده، واصفاً ذلك بأنه «مجرد كلام». في حين، دعت الصين إلى «الهدوء» و«ضبط النفس» على لسان المتحدث باسم وزارة خارجيتها لين جيان، الذي شدد على أنه «على جميع الأطراف الحفاظ على الهدوء وإظهار ضبط للنفس من خلال العمل معا عبر الحوار والتشاور لتهدئة التوتر».
بعد ذلك، أطلقت موسكو صاروخا باليستيا فرط صوتي متوسط المدى يحمل اسم «أريشنك» على منشأة عسكرية أوكرانية. وأكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ذلك في كلمة متلفزة، موضحا أن بلاده اختبرت نوعا جديدا من الصواريخ البالستية متوسطة المدى فرط صوتية عبر إطلاق صاروخ من هذا النوع على مدينة دنيبرو الأوكرانية، مشددا على أن الصاروخ كان مزوّدا برأس حربية تقليدية وليس نووية. وحذر بوتين من إمكانية إطلاق المزيد، ومن أنّ النزاع في أوكرانيا اكتسب «عناصر ذات طابع عالمي». وقال إن موسكو لا تستبعد ضرب الدول التي تستخدم أوكرانيا أسلحتها ضد الأراضي الروسية، منددا بالضربات التي نفذتها أوكرانيا ضد الأراضي الروسية باستخدام صواريخ أمريكية وبريطانية.
المتحدث باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، أكد أن موسكو أبلغت الولايات المتحدة قبل ثلاثين دقيقة من إطلاقها للصاروخ الباليستي الجديد لأول مرة على أوكرانيا، مشيراً إلى أنّ عملية الإخطار تمّت عبر قناة «تواصل دائمة» تربط بين البلدين للحد من خطر الأسلحة النووية. ونقلت وكالة «تاس» للأنباء عن بيسكوف قوله إنّ المركز الوطني الروسي للحدّ من الخطر النووي أرسل «بصورة تلقائية» رسالة إلى مركز مماثل له في الولايات المتحدة قبل 30 دقيقة من إطلاق الصاروخ. على المنوال نفسه، تحدث مسؤول أمريكي، مؤكداً أن روسيا أخطرت بلاده قبل وقت قصير من تنفيذ الضربة. وشددت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارين جان-بيار على أن واشنطن «لا تسعى إلى حرب مع روسيا» متهمة موسكو، رداً على قول الرئيس الروسي إن الصراع في أوكرانيا اكتسب «عناصر ذات طابع عالمي». واتهمت جان-بيار روسيا بـ«التّسبب بالتصعيد» في أوكرانيا.
الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، طالب حلفاء بلاده الغربيين بردّ «شديد» على الهجوم الروسي على بلاده بصاروخ بالستي فرط صوتي، معتبرا أن الأمر يمثل تصعيدا كبيرا في «نطاق الحرب ووحشيتها». وقال زيلينسكي إنه «من حق أوكرانيا الكامل» أن تستخدم ضد روسيا الأسلحة التي حصلت عليها من الدول الغربية.
في ضوء هذا التصعيد العسكري، أغلقت دول غربية، الولايات المتحدة وإسبانيا وإيطاليا والمجر واليونان، سفارتها في كييف بشكل مؤقت، بعد تحذير من السفارة الأمريكية من «هجوم جوي كبير محتمل» على أوكرانيا، وهو ما أثار استياء المسؤولين الأوكرانيين. واعتبر الرئيس الأوكراني أن نشر هذا النوع من الأخبار يصب في مصلحة روسيا، مشدّدا على أن التهديد الروسي «ما يزال على حاله» وأن الهجمات بالمسيّرات والصواريخ المكثفة أحيانا، شبه يومية في كييف منذ أسابيع ومنتظمة منذ بداية الحرب. وأيضا، قالت وزارة الخارجية الأوكرانية إن «التهديد بشن ضربات أصبح واقعا يوميا للأوكرانيين منذ بداية الغزو الروسي».
الرئيس الصيني شي جينبينغ، الذي تعد بلاده شريكا أساسيا لروسيا وتواجه الاتهام بدعم موسكو عسكريا، دعا، على هامش مجموعة العشرين التي احتضنتها البرازيل هذا الأسبوع، دعا إلى حشد «مزيد من الأصوات» للعمل من أجل «حل سياسي» ينهي الحرب في أوكرانيا، وذلك عقب لقائه نظيره البرازيلي ليوس إيناسيو لولا دا سيلفا. في المقابل، طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من نظيره الرئيس الصيني، خلال لقائهما على هامش قمة مجموعة العشرين في ريو دي جانيرو، أن يمارس «كل ما لديه من تأثير» على الرئيس الروسي لوقف الحرب في أوكرانيا.
وسيعقد حلف شمال الأطلسي «الناتو» اجتماعا يوم الثلاثاء المقبل للبحث في إطلاق روسيا صاروخاً بالستياً فرط صوتي على منطقة أوكرانيا، حسب ما قال دبلوماسيون.