تعرّضت استعدادات السلطات الفرنسية للتحضير لحفل افتتاح كبير لدورة الألعاب الأولمبية، باريس 2024، لضربة غير متوقعة، أمس الجمعة، مع إصابة شبكة القطارات بالخلل نتيجة أعمال تخريب منسقة أوقفت معظم القطارات عالية السرعة، وقد توجهت الشكوك في مسؤولية هذا التخريب إلى الفوضويين من أقصى اليسار الذين لديهم تاريخ باستهداف الشبكة، كما حامت شكوك حول روسيا التي قال الرئيس الفرنسي سابقا إنها تخطط لاستهداف الألعاب.
على الجبهة السياسية، لفت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الأنظار بتصريح له يطالب فيه دول العالم بوقف الصراعات المسلحة كجزء من الهدنة الأولمبية، وذلك بالتناظر مع افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في باريس 2024 أمس الجمعة. توجه غوتيريش في أول أمثلته على الصراعات الجارية إلى «المعاناة المروعة في غزة» دون أن ينسى طبعا ذكر ما يحصل في أوكرانيا والسودان والكونغو وميانمار. يستعيد غوتيريش في تصريحه إرث الأولمبياد الإغريقي القديم الذي كانت تتوقف خلاله المعارك وتتركز المنافسات على الرياضة.
كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، قد أعلن، في اليوم نفسه، عن أمله في حصول «هدنة سياسية» توقف مؤقتا الأزمة الحكومية التي تتعرض لها بلاده خلال الأسابيع الأخيرة. قبل أشهر من هذا التصريح كان ماكرون، يطمح، كما يصرح أحد المؤرخين الفرنسيين لوكالة رويترز، إلى أن يتم التعامل معه خلال الأولمبياد مثل إمبراطور، لكنه الآن «بطة عرجاء». تعرض الرئيس الفرنسي لخيبة كبرى بعد مقامرته السياسية التي حلّ خلالها البرلمان وأعلن انتخابات تشريعية جديدة، متوقعا صعوده مجددا عبر جمع أصوات الخائفين من انتصار اليمين المتطرّف الشعبوي الذي حقق فوزا كبيرا في الانتخابات الأوروبية، وكانت النتيجة فوز تحالف اليسار، ليأتي اليمين المتطرّف ثانيا، وحزب ماكرون ثالثا.
ماكرون المشغول بحصول «هدنة سياسية» في بلاده، لم يقترب أدنى اقتراب من الحسّ الأخلاقي الذي أبداه غوتيريش نحو معاناة الفلسطينيين والسودانيين والأوكرانيين وغيرهم، وكان يمكن لهبوطه من حلم الامبراطور إلى درك «البطة العرجاء» أن يفسّر اقتصاره على الهمّ المحلّي، لولا أنه قال قبل أيام إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مرحب به لحضور حفل افتتاح دورة الألعاب الأولمبية في باريس، في الوقت الذي يخوض فيه الأخير في دماء الفلسطينيين، وتدرس محكمتا الأمم المتحدة، العدل والجنائية، في اتهامات له بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة الجماعية.
حصلت أمثال لهذا الموقف المعطوب أخلاقيا مع المبالغات التي أبداها وزير داخلية ماكرون، جيرالد دارمانان، في هذه القضية حين تحدث عن توفير بلاده حماية للرياضيين الإسرائيليين على مدى 24 ساعة خلال دورة الألعاب الأولمبية، ردا على تصريح لنائب يساري قال إن الوفد الإسرائيلي غير مرحب به في فرنسا، وتنطع نظيره وزيره الخارجية ستيفان سيغوريه، بدوره، للترحيب بالوفد الإسرائيلي.
تعبّر هذه المواقف، في مجملها، عن تهافت الكلام عن عدم ارتباط الرياضة بالسياسة، وتكشف بشكل فاضح الانحيازات السياسية الداخلية والخارجية للمسؤولين المذكورين، وتفيد في هذا مجال المقارنات هذا استعادة بعض مواقف كيليان مبابي، لاعب كرة القدم الفرنسي الأشهر حاليا، وهو ابن لمهاجرين، مثل قيامه بعد فوزه ببطولة العالم بعمر 19 عاما بالتبرع بالمبلغ الكبير الذي حصل عليه نتيجة ذلك الفوز إلى جمعية خيرية في باريس، ودعوته للناخبين الشباب، بعد إعلان ماكرون عن الانتخابات الأخيرة الصريحة إلى مواجهة «المتطرفين» من اليمين الشعبوي، وصدهم عن «أبواب السلطة».
سارع جوردان بارديلا، زعيم حزب «الجبهة الشعبية» المتطرّف، للرد على مبابي قائلا: «لا تتجاوز الخط الذي تسوق فيه» بمعنى أن على مبابي عدم التدخّل في السياسة التي هي ليست شأنه. ما تقوله كل الوقائع الآنفة إن السياسة هي شأن الجميع، وأن موقف مبابي كان مهما لمجابهة مواقف بارديلا ودارمانان و»البطة العرجاء»!