أول النهايات وآخر النهايات

حجم الخط
0

تعيش مصر هذه الأيام حالة متوقّعة من الشد والجذب، وظرفاً صاخباً ومزلزلاً، تعبّر عنه ملايين الحشود من المتظاهرين في الشوارع والميادين، وتدفع مصر فاتورة طويلة وباهظة لأيام من المخاض السياسي والتاريخي العسير، بعد أشهر من التفرّد والتخبط الرئاسي، تتلو عقوداً من التجبّر والفساد والانهيار، في بلد تربّع فوق مئات وآلاف السنين من الحضارة والتاريخ العميق عند الإطاحة بالنظام المصري السابق، كان شعب مصر على قدر المسؤولية الوطنية والتاريخية آنذاك، ليقبل بنتائج اللعبة الديمقراطية حاملاً معه الأمل والرغبة بغدٍ ومستقبل أفضل، ثم ليعيش عاماً قاتماً من التأرجح والتأزم، فالقيادة الجديدة تصطدم بالأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدنيّ، وتصدر إعلاناً دستوريا مثيراً للجدل، ثم تتصارع مع القضاء لتجد نفسها في سجال مع الإعلام والفن وحرية التعبير، وتصدر دستوراً ارتكز على الأكثرية الموجودة لا التوافق المفترض، بالإضافة لجملة طويلة وبائسة من الفشل في معالجة المشكلات الاقتصادية والمائية والأمنية، المغلّفة بخطاب سياسيّ منبثق من رحم جماعة الإخوان المسلمين، خطاب تنقصه المعرفة والتحضّر، يخلط ويطوّع مبادئ وقيم الدين المنزّهة عن الخلط والتأويل، فيُخفض قطار الربيع العربي تسارعه، ويدور دورته باتجاه مصر من جديد، معلناً أن المهمة لم تكتمل بعد.
لن يكون من السهل لقيادات وأتباع ومريدي حزب الحرية والعدالة أن يقبلوا واقعاً شعبياً مغايراً وجديداً، خوفاً منهم أن يحمل الغد معه معاً، وقد لا تنتعش ذاكرتهم السياسية والوطنية، ليتذكّروا أن الشعب هو مصدر السلطة ومنبعها، وأن الشرعية تُبنى وتتغيّر وتُعدّل في ميدان التحرير، وقد لا تُصدّق روايتهم بأن أركان النظام السابق هم من يريدون إشغال مصر وإغراقها، فعجباً كيف يرحل نظام ويتلاشى، بينما ما زال في جعبته وتحت يده وسيطرته عشرات الملايين من النخب والبسطاء من أقصى مصر الممتدة إلى أقصاها!
أما الجيش المصري فلن يكون أمامه إلا التخندق مع أرادة الشعب، والتصافح مع الشباب الذي فجّر ثورة مصر المجيدة، وإرساء خارطة طريق تضمن الخروج الآمن من الأزمة الطاحنة، المهلة تحمل من الجديّة والنديّة الشيء الكثير، فمصر لا تحتمل المزيد، والتنازل أمام المطالب الشعبيّة هو ما تحتاجه مصر سريعاً، وعسى أن تنقضي المهلة فارغة من الضحايا والمصابين وتدمير الممتلكات وانتهاك الحرمات الخاصة والعامة، ويملأها ويختمها توافق مصري يبقى فيه الفائزون والخاسرون سالمين متحابين على المسرح السياسي المصري.
م. زيد عيسى العتوم
[email protected]

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية