أيمن الظواهري.. سلالة الغضب والخراب

في أحد الأكوان الموازية، كان أيمن الظواهري سيتولى وزارة الصحة مع الألفية الجديدة، ويكون مقرباً من جمال مبارك نجل الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في لجنة السياسات، مؤهلاته العلمية تؤهله لذلك، والأهم خلفيته العائلية، فجده من طرف والده كان شيخاً للأزهر، ومن طرف أمه، عبد الوهاب عزام رئيس جامعة القاهرة وشقيق عبد الرحمن عزام أول أمين عام لجامعة الدول العربية.
في مرحلة ما بعد خروجه من جنته البورجوازية في منطقة المعادي الراقية في القاهرة بدأ اختلاط أيمن الظواهري المولود سنة 1951 بالواقع السياسي في بلاده، والواضح أن عائلته التي امتلكت علاقات مرموقة مع رجال العصر الملكي، أصبحت تعتبر من التراث القديم الذي يتوجب استبعاده، بوصفها جزءاً من النخبة المصرية التي لم تعد موضعاً لترحيب الجيل الجديد من الضباط الأحرار، والمؤكد أن ذلك كان من شأنه أن يترك آثاراً نفسية، فالأمر المبدئي في حياة الظواهري أنه لم يكن لينخرط في مشروع ثورة يوليو، الذي أدى إلى تقزيم الحقبة التنويرية في مصر. وجداه، المتصوف وشيخ الأزهر من ناحية، والمفكر والدبلوماسي من ناحية أخرى، كانا ينتميان إلى تلك الحقبة بكامل تفاصيلها.
من الواضح أن الطالب الجامعي في كلية الطب التي كانت حكراً على المتفوقين دراسياً، كان لقمة سائغة أمام الاحتواء السياسي للتيارات الإسلامية التي كانت تمثل الطرف المنافس للمشروع الناصري، وعمق ارتباط الظواهري بهذه الحركات، تجربته طبيباً متدرباً بعد تخرجه في نقطة بعيدة عن القاهرة في واحدة من قرى الصعيد، الذي كان يشكل أرضاً خصباً للفكر المتطرف، فالصعيد بمشكلاته كان مهملاً في حسابات الدولة المصرية، ووقتها لم يكن يظهر بوصفه مشكلة أمنية من الأساس، وفي تلك البيئة حيث تتضافر مشاهد اللادولة مقارنة بالقاهرة والمدن الكبرى، كانت مصر تبدو مشروعاً هشاً أمام محاولة تغيير الأمر الواقع، وما زالت فترة التزامن التي أنتجت الحراكات الإسلامية المتطرفة في مرحلة ما قبل حرب أفغانستان غير مطروقة بما يكفي من الدراسة والبحث، على الرغم من وصولها في فترات متقاربة إلى ثلاث نقاط ساخنة في طهران وفي حادثة الحرم المكي 1979 وبعد اغتيال السادات 1981.

من الواضح أن الطالب الجامعي في كلية الطب كان لقمة سائغة أمام الاحتواء السياسي للتيارات الإسلامية التي كانت تمثل الطرف المنافس للمشروع الناصري

الأبوة الروحية في المجال الاعتقادي للظواهري كانت مع الشيخ محمد هراس، الذي واظب الظواهري على حضور حلقته الدعوية، وكان هراس يصر على التلقي المباشر من الشيوخ بناء على قاعدة «من كان شيخه كتابه، فخطؤه أكثر من صوابه»، التي شاعت في هذه الأوساط، وما يثير الاستغراب أن الظواهري، ويؤكد وجود رغبة التمرد داخل الظواهري أن عائلته المزدحمة بالقامات الفكرية والعلمية لم تتمكن من تحقيق الإشباع الفكري لابنها ليمضي بخطوات متسارعة في مصير يمكن أنه لم يحلم به يوماً في ذلك الوقت، أو لعل كل ما حدث في حياته كان بحثاً عن مصير مشابه، فالظواهري، وبوضع كل شيء جانباً رجل خرج الرئيس الأمريكي في بث مباشر ليعلن مقتله. مثل غيره من آلاف الشباب يغادر الظواهري إلى أفغانستان، ولكنه كان يمثل قطاعاً مختلفاً، فهو لم يخرج من طلبة العلوم الشرعية، ولم يكن من أبناء الهوامش الحضرية مثل البادية أو الأرياف، كما كانت طبقته الاجتماعية بعيدة عن المعاناة التقليدية للشرائح الدنيا من الطبقة المتوسطة، التي أنتجت معظم المنضوين في التنظيمات القتالية في أفغانستان، كما لم يكن الظواهري ذلك الرجل الذي يحظى بالاهتمام من قبل الدوائر الأمنية التي اتخذت من إسلام أباد مقراً لها، وأقامت جسور التموين والإمداد التي خرج من داخلها أسامة بن لادن نجماً تحتفي به الصحافة الأمريكية، وتسبغ عليه صفات البطولة. العقل المدبر هو الوصف الذي أطلقه الأمريكيون على أيمن الظواهري بعد هجمات سبتمبر 2001، وبات واضحاً أن الفتى القادم من المعادي غير منبهر بفكرة الظهور مثل زميله المدلل أسامة، القادم من الأسرة بالغة الثراء والنفوذ، وبذلك لم تدرس شخصية الظواهري بالصورة الكافية، لا في تأسيسها ولا تحولاتها، ويبدو أن فصلاً مهماً من تاريخ تكوّن فكر الصحوة الإسلامية والتوجه إلى العنف في السبعينيات سيبقى مستغلقاً على الفهم، وبالتالي، قابلاً للاستعادة، إن لم يتم تفكيك هذه الشخصية التي قررت أن تنقل المعركة بصورة غير مسبوقة إلى العالم بأسره. يبقى أن الظواهري لم يتخلص بالكامل من فكرة العروبة، كما أشار الصحافي ضياء رشوان في مقاربة منطقية ووجيهة، نظراً لظروف نشأته في بيت يحمل هذه الانتماءات القومية من طرف أسرة والدته، وكأن الظواهري في جزء منه يعبر عن حالة من الغضب التي لم تستطع الأنظمة العربية أن تفهمها، أو تروضها، فالشباب كان مستعداً من أجل الالتحاق بفكرة ثورة أو التخريب أياً يكن من أجل الهروب خارج السلطوية والإقصاء المستمر، بما يعني أن الأيديولوجيا بغض النظر عن محتواها وجدت الشباب أرضاً خصبة لتمددها، طالما أتاحت لهم التنفيس عن رأيهم والتعبير عن ذاتهم في مواجهة عالم غير مفهوم وغير عادل كما يتبدى لهم بوضوح. بدأت حياة الظواهري تتغير في الطفولة، والطفل الذكي استطاع أن يحمي تغيراته وتحولاته ويبقيها بعيدة عن الآخرين، لتجد نفسها في المواجهة قبيل اغتيال السادات، وتجد فرصتها في أفغانستان، ولرجل ذكي أصبحه ذلك الطفل، كانت عملية تنظيم أكبر عملية إرهابية في التاريخ عمله الأكثر اكتمالاً وذروة سيرته الذاتية، التي ختمت بخروج الرئيس الأمريكي لإعلان مقتله.
في كون موازٍ آخر، كان الظواهري سيجلس في الاستوديو ليتلقى أسئلة المشاهدين الذين يعانون من أمراض في العيون، وسيدير جدولاً مليئاً بالعمليات في الصباح التالي، وفي حال موته كان سيحظى بنعي في جريدة «الأهرام» يستذكر أجداده وأقاربه ومعه استرحام صادق من آلاف المحبين في ذلك النوع من المحبة الذي لم يعرفه في حياته، ويبدو أن فكرة العالم وتأسيس الثقافة العامة والمجتمعية في الدول العربية لا تركز إلا على الاستئثار بالمحبة، لكائن هلامي يسمى الوطن يطلب المزيد والمزيد من التضحيات من غير أن يقدم شيئاً في كثير من الأوقات، وتبقى مواجهته بالتخريب تحت أي ذريعة كانت، الحل الجوهري لأي شخص يمسه بعض التشويه النفسي والنبذ ولا يجد رصيداً كافياً من الاحتواء داخل مجتمعه الصغير.
كاتب أردني

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول تاريخ حروب الغرب وأتباعهم:

    محكات البناء والخراب لا تغفل جرائم الغضب الصهيوصليبي والصفوي على الشرق حيث شخصيات حاقدة حاكت المكر عبر عقود وأجيال تراكم فيها خطط تدميرية طويلة الأجل محكمة نفذها لورنس وهيرتسل وكوكس وبلفور وروتشيلد وسايكس وبيكو ..الخ وأتباعهم. تخرجوا من كليات العصور الوسطى ليعيثوا فسادا ديمغرافيا انتقاميا تخريبيا ويصنعوا كيانات ووكلاء قهروا أجيالا وأعاقوا طموحاتهم التنويرية الإبداعية وأتبعو عقود تهويد قمع تدجين، وتبذير الثروات ورفع المنحط واحباط السامي ومذابح ومعاهدات تآمرية وتجهيل وتضليل وتغييب قسري وتحكيم اقليات وتابعين ثم حروب إجهازية على المقاومة الفلسطينية وعلى العراقيبن والأفغان والسوريين والحال الآن محاولات الجريح العربي المنكل به الغارق بدمائه تحريك أطرافه للنهوض سرعان ما منظومة التكالب ذات الأحلاف والأتباع والأذناب تنهال عليه وتوسعه تحطيما بدءا بالكلمة التجريحية والمقال التحريفي الطعني والفتوى المعدَّلة ايديولوجيا والسجن الدياجيري مرورا بالعنقودية والنابالم والفراغية والذكية وأمهات القنابل وتهميش المناهج الدراسية وتغليب تواريخ وطبائع (مأكلية ومشربية ورقصات وقماش رايات غينسية) ودونكيشوتيات على علوم وتقنيات تُجثِم اتباع لورنس عقودا اخرى على التنويري المهمش المقصى والمهشم!

إشترك في قائمتنا البريدية