الناصرة- “القدس العربي”:
في مقابلة موسعة لصحيفة إسرائيلية، طرح أيمن عودة الاشتراطات الأربعة للانضمام لحكومة إسرائيلية بديلة لحكومة نتنياهو، فيما تواصلت الضجة الواسعة في الجانبين العربي واليهودي حول تصريحاته.
وقالت “يديعوت أحرونوت” إن المواطنين العرب في إسرائيل عزفوا عن التصويت للكنيست بنسبة كبيرة بعدما فقدوا الثقة بإمكانيات التغيير لبقاء ممثليهم في صحراء المعارضة طواعية أو عنوة، مستذكرة أن نسبة المواطنين العرب في الانتخابات للسلطات المحلية في بلداتهم العام الماضي بلغت 84%، بينما في انتخابات الكنيست هبطت إلى 49%، معتبرة أن عودة قرر اختراق هذا الجدار وتغيير المعادلة في هذا التوقيت بالذات عشية الانتخابات العامة للكنيست في 17 أيلول/سبتمبر القادم.
وتابعت: “لم يطلع عودة أحدا من شركائه في (القائمة المشتركة) أو في حزبه، الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة، وتوقع ردود فعل رافضة منهم، لكنه يشعر أن جموع الناخبين مع توجهه هذا، خصوصا الشباب”.
في المقابلة المنشورة في ملحق “يديعوت أحرونوت”، يقول عودة إنه يرغب بنقل السياسة العربية في إسرائيل من حالة الاحتجاج لحالة التأثير، لافتا إلى تحولهم منذ هبة القدس والأقصى عام 2000 إلى مجموعة “غير شرعية” في السياسة نتيجة ثلاثة أسباب: أولها فهم اليمين خصوصا نتنياهو أنه خسر السلطة عام 1999 لصالح إيهود براك بسبب تصويت العرب. والسبب الثاني برأيه انجرار اليسار الصهيوني خلف اليمين في نزع الثقة من المواطنين العرب، وثالثها أخطاء ارتكبها العرب أنفسهم.
وردا على سؤال، يعتبر عودة أن الحل يكمن بالسعي لأن يكون نواب “المشتركة” جزءا من “كتلة مانعة”. وتابع: “في حال أشار بيني غانتس رئيس حزب (أزرق- أبيض) نحو اتجاه إيجابي بالنسبة لنا سنوصي عليه أمام رئيس الدولة، وأعتقد أنه سيكلف الليكود في البداية بتشكيل الحكومة للأسف. وربما يصبح عربي رئيسا للمعارضة للمرة الأولى منذ 1949، ولكن إذا تحلى غانتس بالشجاعة وتوجه لنا لن نرفض توجهه فورا وسنطرح شروطنا للانضمام لائتلاف”.
إعلان نوايا
ورغم علم عودة بأن احتمالات ذلك قليلة جدا، لكنه يولي لتصريحاته وتوجهاته أهمية لكونها إعلان نوايا وتحطيم مسلمات سياسية تبلورت منذ عقود. وتزعم “يديعوت أحرونوت” أن رؤية عودة الحقيقية باندماج الفلسطينيين بدلا من التقوقع والمقاطعة تثير حماسه منذ كان محاميا شابا، لكن ما يجعل من توجهه هذا أكثر إثارة هو التغيير وربما الانقلاب في الجو العام لدى المجتمع العربي في إسرائيل.
حتى خصوم عودة يعترفون أن أغلبية المصوتين يفضلون انشغالا بأجندة مدنية على الخطاب الوطني الفلسطيني، وهم يتوقعون من ممثليهم الغوص في اللعبة السياسية الإسرائيلية والعودة منها مع إنجازات.
ويعتبر عودة أن بوسع فلسطينيي الداخل أن يلعبوا دور “بيضة القبان”. ويقول إنه بحال صوت 65% منهم سيخسر نتنياهو وحاشيته الحكم.
وتابع: “نحن 17% من السكان ولا نستطيع وحدنا، ولكن من دوننا لا أحد يستطيع أيضا ولا يمكن تحقيق سلام ولا ديموقراطية ولا مساواة وعدالة اجتماعية. ومن دوننا لن تستبدل حكومة اليمين”.
وكشف عودة أن مركبات القائمة المشتركة مختلفة حيال السؤال هل يوصي نوابها بعد الانتخابات على غانتس لتشكيل حكومة؟ لافتا لتوافقهم على فكرة الانتظار لما بعد الانتخابات وانتظار توجهه لهم رسميا.
وردا على سؤال: ما الذي تريدون سماعه من غانتس؟ قال عودة إنهم يتوقعون منه اهتماما بقضايا حياتية حيوية بالنسبة للمجتمع العربي، وتأكيدا منه أنه يتجه نحو سلام على أساس حل الدولتين مع الشعب الفلسطيني. وتابع: “أنا أوافق على كل اتفاق توقعه إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية”.
السلام الاقتصادي
وردا على سؤال، قال عودة إنه يرفض السلام الاقتصادي “لا مع الفلسطينيين في الضفة وغزة ولا مع الفلسطينيين داخل إسرائيل. لا يمكن شراء الفلسطينيين بالمال”. وقال عودة إنه يتطلع لبناء مدينة عربية جديدة وبناء مستشفى عربي وجامعة عربية وإلغاء قانون القومية.
وبعد العاصفة التي أثارتها تصريحات عودة، أضاف شرطا آخر في منشور على صفحته في “فيسبوك” قال فيه إن الانضمام للحكومة يكون فقط بعد توقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين، وبعدها صحح ما كتب بالقول: “بعد إطلاق مفاوضات سلام”.
وحدد عودة أربعة شروط للمشاركة في حكومة غانتس: “تطبيق خطة لوقف هدم المنازل العربية وبناء مدينة عربية، ومشروع حقيقي لمكافحة العنف والجريمة ومحاربة منظمات الإجرام داخل البلدات العربية، وخدمات رفاه منها بناء مستشفى وبناء منازل للنساء المضروبات وتعزيز مكانة المسنين. وفي المستوى السياسي: مفاوضات مباشرة مع منظمة التحرير بهدف إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية مستقلة وإلغاء قانون القومية”. وتابع عودة: “لست فئويا، ونحن نؤيد توجها اجتماعيا أمميا”.
ويوضح عودة أن نسبة مشاركة الأقليات القومية في العالم بكل انتخابات أعلى من نسبة مشاركة الأكثرية عدا الفلسطينيين في إسرائيل؛ معللا ذلك بالقول إن نتنياهو نجح بإقناع أوساط واسعة منهم بأن الكنيست هو مكان ينتج أمورا سيئة لهم ولا جدوى منه.
انتقادات الرفاق والشركاء
وردا على سؤال حول ردود الفعل المختلفة من قبل زملائه في “القائمة المشتركة”، قال عودة إن توجهاته هي التوجهات العامة للمشتركة ومن الطبيعي والديموقراطي ألا يوافق قسم منهم معي. وحتى رفاق عودة وأعضاء حزبه وجهوا انتقادات له، معتبرا أن ما جرى ليس سوى “عاصفة في فنجان”.
وتابع: “لا تغيير في موقفنا التاريخي، ولن نشارك في حكومة تواصل الاحتلال والتمييز ضدنا”. وتبعته عضو الكنيست عايدة توما – سليمان التي دعت في تصريحات للصحيفة ذاتها إلى أن “يهدأ كل المتحمسين للتصريحات، ولا يوجد أي تغيير في موقفنا، ولن نجلس في حكومة احتلال وحروب وعنصرية، ولا يوجد ما نتفاوض حوله”.
وهذا ما أكده أيضا النائب أحمد الطيبي، الذي قال: “لن نجلس في حكومة برئاسة نتنياهو أو غانتس، ولن أكون عضوا في حكومة الجنرالات”.
وأصدر الحزب الشيوعي الإسرائيلي مع الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة بيانا رفضا فيه موقف عودة الذي ينتمي للجبهة ذاتها، وهكذا التجمع الوطني الديموقراطي حمل على عودة رافضا الفكرة مبدئيا.
وقال بعض المراقبين المحليين إن عودة وقع في خطأين هذه المرة بعدم تشاوره مع شركائه ورفاقه، علما أن معظمهم يؤيدون طروحاته بشكل عام، وكذلك ذهابه بعيدا لفكرة المشاركة في حكومة بدلا من الاكتفاء في ائتلاف من الخارج من خلال ما يعرف بـ”سلة أمان” لحكومة برئاسة غانتس أو ما يعرف بـ”الكتلة المانعة”.
قطع الطريق على نتنياهو
وردا على سؤال: لماذا الآن؟ قال عودة إنه حتى الآن كان يستمع ويصغي والآن حان الوقت ليمارس القيادة، خصوصا أن نتنياهو بادر للجمهورية الإسرائيلية الثانية القائمة على “أرض إسرائيل الكاملة”، وعلى التحريض ضد العرب أكثر من كل رؤساء حكومات إسرائيل السابقين معا وتدمير الديموقراطية. وتابع: “أرى إلى أين يرغب نتنياهو في إيصالنا وأريد قطع الطريق عليه”.
وعن سؤال الصحيفة حول وجود نجاحات فردية كثيرة لدى فلسطينيي الداخل، قال عودة إن الإنجازات الفردية من دون حماية الديموقراطية ستقود للكارثة، وقد ذاق اليهود على جلودهم ذلك في ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي.
“وطالما تؤمن بالشراكة العربية – اليهودية فلماذا تقف على رأس قائمة عربية؟”، سُئل عودة، فقال إن “الإطار الأفضل هو حزب عربي- يهودي كبير وينبغي بناؤه من القاعدة بمئات وآلاف اللقاءات البيتية، ولن تشهد إسرائيل تغييرا حقيقيا من دون ذلك”.
وكما كان متوقعا، سارع نتنياهو لاستغلال تصريحات عودة لمهاجمة المعارضة بقيادة “أزرق- أبيض”، فأطلق شريط فيديو يقول فيه: “الآن بات واضحا أكثر من أي وقت مضى. غانتس سيقيم حكومة يسار مع أيمن عودة”.
من جهته، حاول “أزرق- أبيض” السير بين النقاط، فقال في بيانه: “نحن نحترم المواطنين العرب كمتساوين في الحقوق وسنعمل من أجلهم، ولكن لا مكان لحكومة تشمل حزبا ينفي حق إسرائيل بالوجود كدولة يهودية ديموقراطية كالتجمع الوطني الديموقراطي”.
وقال أحد أقطابه الجنرال بالاحتياط، غابي أشكنازي، لإذاعة جيش الاحتلال، إن الهوة بين حزبه “أزرق- أبيض” وبين المشتركة أكبر من إمكانيات جسرها، نافيا احتمال إشراكها في حكومة قادمة. لكن زميله الجنرال بالاحتياط، موشيه يعلون، قال عكس ذلك للإذاعة ذاتها: “الاحتمال وارد بإشراك عربي في الحكومة إذا قبل بإسرائيل كدولة يهودية- ديموقراطية”.
من جهته، أعرب رئيس حزب العمل، عمير بيرتس، عن دعمه للفكرة. وقال: “إذا قبلت المشتركة بدخول حكومة صهيونية فينبغي عدم رفضها”. وتابع: “يجب التعامل مع ذلك كخطوة مهمة من شأنها تغيير رؤية المواطنين العرب وانتمائهم للمجتمع الإسرائيلي، ولكنني أستصعب تحقق ذلك بسبب التجمع الوطني الديموقراطي”.
كما اعتبر حزب “المعسكر الديموقراطي” ( تحالف ميرتس و إيهود باراك) خطوة عودة سليمة ومهمة، معتبرا أن “الحديث يدور عن تحديات تستغرق وقتا، ولذا هذا يحتاج لأن يكون حزبنا المؤيد للشراكة قويا”.
وتابع باراك: “أدلى عودة بأقوال سليمة والشروط التي طرحها ينبغي أن تكون أهدافا للحكومة لا شروطا”.