تعرفت على شاعرنا الكبير تميم البرغوتي في احدى المناسبات الاجتماعية في العاصمة الأمريكية، عندما كان يُدّرس في جامعة جورج تاون، حيث قدمه لي صديقي الدكتور كلوفيس مقصود. وكنت قد قرأت له بعض القصائد عبّر فيها عن حماسه القومي العربي، وكانت قضية شعبه الفلسطيني بارزة بشكل ملحوظ في كثير من أشعاره، حيث كان يحملها معه ويطوف العالم يعرض عليه الصليب الذي يحمله هذا الشعب منذ عشرات السنين.كما قرأت له الكثير من الآراء السياسية، حيث كنت أتفق مع بعضها واختلف معه في بعضها. ولكن حرية الكلمة كنز ثمين ولكل انسان الحق في عرض افكاره والحق للآخرين قبولها أو رفضها أو انتقادها. وقرأت في صحيفة ‘الشروق’ المصرية (13/5/2013) مقالا مطولا لتميم البرغوتي عنوانه، ‘حل مصري للأزمة السورية’، حاول فيه عرض استراتيجية لإنهاء الحرب الدائرة في تلك البلاد منذ أكثر من سنتين، وكنت خلال هذه الفترة الزمنية أتابع بقدر المستطاع ما يكتبه شاعرنا عن هذه الأزمة. ولكن الفرق بين ما كان يكتبه والمقال الذي نحن بصدده، أن هذا المقال يعبر عن رؤية إستراتيجية لحل الأزمة السورية. وتميم البرغوتي ليس كاتبا إستراتيجيا بالمفهوم العلمي لهذا الموضوع. اختار الكاتب حلا يفرض على سورية نظاما ومعارضة، وهو حل مبني على أسس إسلامية طائفية، تشارك فيه دولة إسلامية شيعية إيران ودولة عربية سنية، وهي مصر، بحيث تدخل الدولتان إلى الأراضي السورية قوات لحفظ الأمن في مناطق التجمعات الطائفية. وقد وصل الكاتب إلى هذه النتيجة كون أن ‘الحسم العسكري مستبعد’، ويقول ان ‘انتشار السلاح وتفتت المعارضة وعمق الجروح بين الطرفين يجعل اي حوار داخلي بين المعارضة والحكومة غير ذي معنى’. الغريب في هذا الرأي أنه يأتي بعد أكثرمن سنتين من اراقة الدماء، وبعد أن بدأ الجيش السوري تطهير بلاده من المرتزقة، الذين جاءوا لخوض حرب طائفية، أو للحصول على مكافآت مالية شهرية من أنظمة عربية. فوسائل الإعلام العالمية، خصوصا الغربية منها، تعترف اليوم بإحراز الجيش السوري تقدما على الأرض. وعندما نتحدث عن سورية فإننا نتحدث عن بلد عربي وأرض عربية وعن دولة مستقلة عضو في الأمم المتحدة، وإحدى الدول المؤسسة لجامعة الدول العربية، ولها ممثلون في معظم المؤسسات العالمية. أما الصراع على السلطة فيها فهو أمر داخلي يتعلق بالشعب العربي السوري. فإيران دولة صديقــــة لها مواقف مساندة لحقوق الشعب الفلسطيني، ومنظمات المقاومة العربية ضدّ إسرائيل، ولكنها دولة أجنبية لها طموحاتها في المنطقــــة، وتدخلها في سورية بقوات عسكرية قد تكون له مضاعفات في المستقبل، تؤدي إلى تقسيم القطر السوري على أساس طائفي، وبالتالي ضياع البُعد القومي الذي تميز به هذا القطر، الذي كان أساسا في التصدي للمخططات الغربية والإسرائيلية، التي كانت تطرح لحل مشاكل المنطقة لصالح إسرائيل والغرب. أما مصر فهي دولة عربية، ولكن نظامها الحالي فقد مصداقيته وبرهن على أنه نظام عميل يخدم مصالح أجنبية وعقيدة سياسية هدفها السيطرة على الحكم وليس خدمة المصالح الوطنية. فالنظام المصري الحالي يمثل جزءا من الحرب الطائفية لبعض الدول العربية، خصوصا الخليجية منها ضدّ سورية، وأيضا يمثل نظام الرئيس محمد مرسي جزءا من الخطوات غير القانونية التي اتخذتها جامعة الدول العربية ضدّ سورية، ويسير في ركاب المخططات التي تمليها عليه الولايات المتحدة. وتميم البرغوتي واع للمواقف المصرية، ولهذا يضع شروطا في مقاله لنجاح استراتيجية السلام التي يعرضها. يقول الكاتب ‘إن شروط نجاح هذا الحل يعتمد على قرار مصري واع ونهائي بإعادة تموقع مصر استراتيجيا، فتخرج من الحلف الإستراتيجي الأمريكي إلى حلف إقليمي مثلث تكون فيه وسيطا بين إيران وتركيا’. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل يستطيع نظام مثل نظام مرسي الخروج من الحلف الإستراتيجي الأمريكي؟ إنه لم يستطع اتخاذ موقف من تصرفات إسرائيل ضدّ الفلسطينيين، ولا فرض موقفا على تل ــ أبيب طالب فيه بتنفيذ كل بنود اتفاقية كامب ديفيد المتعلقة بالوضع الفلسطيني، كما كان هذا النظام جزءا من قرار الجامعة العربية المتخاذل بالتنازل عن أرض فلسطينية، فهل يمكن إئتمانه وسيطا محايدا في الأزمة السورية؟ ويؤكد ذلك كاتب المقال بقوله:’بقي أن نؤكد أن طرح هذا الحل المصري لا يعني أن لي ثقة في أن القيادة الحالية لجماعة الإخوان المسلمين ستنفذه’. أما تركيا فهي دولة إسلامية غير عربية برهنت تذبذبها بالنسبة للقضية والحقوق الفلسطينية، وتذبذبا بالنسبة للوضع في سورية، وهي دولة لها أطماع في المنطقة وتسير حسب مؤشرات القيادة العليا في واشنطن. إذن الثلاثي الذي يتحدث عنه تميم في مقاله لا يخدم حلا عادلا للشعب العربي السوري. عناصر كثيرة سقطت من مقال الكاتب، فهو لم يأخذ بحسابه الموقف الإسرائيلي الذي يرى أن هذا التحرك قد يشكل خطرا عليه، خصوصا إذا لم يستلم الحكم نظاما مواليا للغرب يكون هدفه تحطيم أسس الدولة الحالية وتغييرالهوية القومية وهدم الدولة والوطن، وإقامة دولة جديدة بكل المفاهيم التي تتبعها دول عربية أخرى مؤيدة للغرب، أي إسقاط البعد العربي القومي. كما سقط من حسابات شاعرنا معالجة الموضوع قوميا، فالشعب العربي السوري له ما يقوله بهذه النقطة بالذات نظاما ومعارضة (باستثناء بعض قادة المعارضة الذين رموا أنفسهم في أحضان الصهيونية). أليس من حقه تقرير مستقبله القومي والسياسي والاجتماعي؟ هل في الإمكان زرع الثقة في إيران وتركيا وحكم الإخوان المسلمين في مصر في أن يعالجوا الموضوع قوميا؟ لا أعتقد ذلك. فتركيا وإيران ليستا دولتين عربيتين، ونظام الإخوان بعيد كل البعد عن الإحساس القومي العربي. إنني اقدر الجهد الذي بذله الأخ البرغوتي في هذا المقال، ولكن النتيجة التي توصل إليها (وهذا رأيي الخاص) هي أن المقال يدعو إلى تقسيم القطر السوري إلى دول طائفية، وهذا مرفوض قوميا وعربيا.
هل في الإمكان زرع الثقة في إيران وتركيا وحكم الإخوان المسلمين في مصر في أن يعالجوا الموضوع قوميا؟ هدا الثالوث يعرفه السوريون حق المعرفة ولسان حالهم يقول : كيف أعاودك وهده أثر فأسك …وضياع العراق ليس ببعيد وخاصة هدية عيد الأضحي المبارك …ونقطة علي السطر.
هل في الإمكان زرع الثقة في إيران وتركيا وحكم الإخوان المسلمين في مصر في أن يعالجوا الموضوع قوميا؟ هدا الثالوث يعرفه السوريون حق المعرفة ولسان حالهم يقول : كيف أعاودك وهده أثر فأسك …وضياع العراق ليس ببعيد وخاصة هدية عيد الأضحي المبارك …ونقطة علي السطر.