أين التغطية الإعلامية لاجتماع نادي بيلدلبيرغ؟

اعتادت وسائل الإعلام البحث عن الخبر، خاصة ذلك الذي يشكل السبق الصحافي، لكن في بعض الأحيان، يحدث أن يتهرب الإعلام من تغطية قضايا واجتماعات مهمة، بما في ذلك وسائل الإعلام الغربية الكبرى، رغم أهمية الحدث. الأمر يتعلق بالتغطية الغائبة لأعمال الاجتماع الأخير لما يسمى نادي بيلدلبيرغ المثير للغموض والتساؤل، وهو الاجتماع 67 في تاريخه منذ التأسيس، وعقد في تورين في إيطاليا، وحضره بعض قادة العالم السياسيين والاقتصاديين والمفكرين.
يعود تأسيس هذا النادي الى الخمسينيات، وبقي سريا وغامضا، لم تتطرق وسائل الإعلام الدولية الى نشاطه، بل وحتى وجوده، وبدأ القليلون في العالم يسمعون به في أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات. والمفارقة أنه شبيه بحالة القاعدة الأسطورية «منطقة 51» في صحراء نيفادا الأمريكية التي تروى عنها روايات غريبة ، تمزج بين الواقع بأنها مجال تجارب طيران سرية للجيش الأمريكي، والأسطورة بوصفها مكانا لقاء مع كائنات من حضارات مقبلة من أعماق الكون الفسيح. وكانت الإدارات الأمريكية تنفي وجود القاعدة، واعترفت رسميا بوجودها يوم 29 سبتمبر/أيلول 1995. ولم يعد نادي بيلدلبيرغ سريا بالكامل في وقتنا الراهن، فقد بدأ ينفتح باحتشام كبير، فهو يقلد في هذا الصدد خطوات نوادي الماسونية، التي لا تتردد في تنظيم ندوات علنية الآن بعدما كانت سرية في الماضي. لكن في العمق يستمر ناديا سريا طالما لا يتم نشر جدول أعماله، والخلاصات التي ينتهي إليها، ونوعية الشخصيات الكاملة التي تحضره.

يحدث أن يتهرب الإعلام من تغطية قضايا واجتماعات مهمة، بما في ذلك وسائل الإعلام الغربية الكبرى رغم أهمية الحدث!

وفي الماضي، لم يكن أحد يعرف نوعية الشخصيات التي تحضر نشاطه أو بالأحرى التي يتم اختيارها للمشاركة، لكن الآن لائحة المشاركين متوفرة تقريبا، وهي تنتمي الى عالم المال والسياسة، وكذلك الثقافة والإعلام. ومع مرور الوقت كذلك، بدأت تتوفر بعض المعطيات التي تبرز أن أجندة أعمال النادي تتمحور حول محورين رئيسيين، الأول وهو اقتصار الحضور عموما على شخصيات غربية، وفي الغالب مسيحية، يكون لها وزن في صنع القرار السياسي والاقتصادي، ويجمع بين نوعين، شخصيات مخضرمة لها تاريخ في الممارسة السياسية وتحولت إلى مرجع، وشخصيات يفترض أنه سيكون لها دور في المستقبل، ومن ضمن الأمثلة، حضور كل من مارغريت ثاتشر وتوني بلير هذه الاجتماعات قبل تولي رئاسة الحكومة. وتتعهد هذه الشخصيات بتطبيق جزء من أفكار هذا النادي عندما تكون في منصب صنع القرار، سواء السياسي أو الاقتصادي، ونادرا ما حضرت شخصيات من الشرق الأقصى مثل حالة بعض الصينيين، بينما هناك انفتاح على تركيا نسبيا، لكن لا أحد من العالم العربي حضر هذه الأشغال. والمحور الثاني وهو نوعية القضايا التي يتم العمل عليها، وهي نوعان، كيفية ضمان استمرار هيمنة الغرب، ثم كيفية مساعدة البشرية على الاستمرار، خاصة توفير أسباب مجالات العمل.
وسمحت لي الظروف باللقاء والدردشة مع شخصية أوروبية ساهمت في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي في أعمال بيلدلبيرغ. هذه الشخصية تقول «في تلك الفترة، كان النقاش مركزا حول إقناع العالم بالعولمة وكيف يجب استحضار الموضوع في وسائل الإعلام ومراكز البحث الاستراتيجي، لأن جزءا من الحضور كان مقتنعا بأهمية العولمة لمستقبل البشرية، فالتجارة بدون حدود هي التي طورت العالم». ويضيف «في اجتماع في نهاية الثمانينيات، طرحت بعض الشخصيات ما يلي «العالم يحتاج الى مناصب عمل جديدة لتنشيط الدورة الاقتصادية، وكان التركيز كثيرا على عولمة الحواسيب والهواتف النقالة، ولهذا جرى التركيز على تطوير هذه القطاعات بتوفير تكنولوجيتها نسبيا لبعض الدول، وبالفعل خلقت مئات الملايين من مناصب الشغل خلال الثلاثين سنة الأخيرة، من باحثين وصانعين ومبرمجين وتجار ومن يقومون بإصلاح الحاسوب أو الهاتف و..». ويضيف «في الاجتماعات الأولى بعد التأسيس في الخمسينيات، بحث المشاركون كيفية تنشيط السياحة بين دول الغرب، ثم بين الغرب والمستعمرات السابقة، وكان وقتها التركيز على تأسيس شركات طيران جديدة، ووكالات الأسفار والتشجيع عبر الإعلام في الجرائد ومجلات متخصصة مثل «ناشيونال جيوغرافيك». هناك أفكار يستفيد منها السياسي، كما يستفيد منها رجل الأعمال، يستثمر فيها بتشجيع أو باستحضار الضمير». المشارك يعترف بوجود قضايا سياسية حساسة لا يمكن للأعضاء الحديث عنها، وينفي صفة التآمر في أعمال هذا النادي، ويتحجج أعضاؤه بضرورة النقاش الهادئ بعيدا عن أعين الرأي العام، لكن طالما لا يتم نشر خلاصات نادي بيلدلبيرغ في بيان رسمي، لا يمكن نفي طابع المؤامرة عليه، وما يجعل الشكوك تحوم حول هذا النادي هو الصمت المفروض على كبريات وسائل الإعلام الغربية بعدم تخصيص حيز له باستثناء أخبار محدودة.
وهذه رقابة غريبة من نوعها، إذ يتميز الصحافي بالبحث عن السبق، لكن في مثل هذه الحالة هناك تجنب من طرف الصحف للتعاطي معها، بتوصية من المشاركين في أنشطة النادي. ويشكل هذا تناقضا مع الحريات الممارسة في الدول الغربية مثل، فرنسا وبريطانيا والسويد والولايات المتحدة. ولم يكن العالم يعرف أي شيء عن هذا النادي، لكن كل شيء بدأ يتغير مع استعمال الإنترنت، حيث بدأ باحثون وصحافيون مستقلون يتعاطون أخبار وخبايا هذا النادي، رفقة نواد أخرى، وتوجد الآن معلومات كافية لرسم صورة عن دوره، وهذا لا يزيل طابع الغموض السائد. ورغم الانفتاح المحتشم والنسبي، يبقى السؤال المطروح على وسائل الإعلام الدولية: أين هي التغطية الإعلامية للاجتماع الأخير لنادي بيلدلبيرغ؟ مئات الملايين من آلات التصوير والهواتف النقالة بالكاميرات، ولم تتسرب ولو صورة واحدة طيلة العشرين سنة الأخيرة لاجتماع النادي، غريب وعجيب.
كاتب مغربي من أسرة «القدس العربي»

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول معاد:

    هذا النادي واحد من النوادي السرية التي تتجكم في مصير البشرية، هيئات فوق الحكومات دون أن ندري

إشترك في قائمتنا البريدية