صار السؤال: أين “الجزيرة”؟ شبيهاً بالسؤال التونسي الخالد: “وين البترول؟”، وذلك من حيث تكرارهما، فهو سؤال الساعة بعد اندلاع المظاهرات في بعض المدن السودانية، والبعض يرى أنها ستقود إلى ثورة، بل لعلها ثورة شعبية، وإن كانت كل الطرق، من وجهة نظري، ستقود إلى انقلاب عسكري، على الانقلاب!
ولا أستطيع أن أنكر أن شعار القوم هناك داعب مشاعرنا الجياشة في مصر، وهم يهتفون هتاف الربيع العربي الشهير: “الشعب يريد إسقاط النظام”، والأمر برمته أعادنا إلى اليوم الأول للثورة المصرية، عندما كان السؤال: أين “الجزيرة”؟
وكما في مصر ولوقت قريب قبل انهيار الصحف المصرية، كان المثل الرائج “لم يمت من لم يُنشر نعيه في صحيفة “الأهرام”، فإن القول الشائع الآن إنه لا ثورة ما لم تهتم بها “الجزيرة”، ليطرح هذا سؤالاً وجودياً: هل “الجزيرة” تقوم بالثورة أم أنها تتولى تغطية الثورة القائمة بالفعل بنقلها للعالم؟
وهو سؤال لوجوديته يشبه أسئلة مذيع قناة “الجزيرة” محمود مراد: من رئيس الدعوة السلفية؟ ومن رئيس مركز الاتحادية لدراسات الرئاسة؟ وسؤالنا الذي يمثل الامتداد الطبيعي لهذين السؤالين: ومن رئيس اتحاد طلاب مصر؟ فلا نعرف سوى أن ياسر برهامي هو نائب الرئيس في الأولى، ومحمود إبراهيم يقدم اعلاميا على أنه نائب رئيس المركز المذكور، في حين أن الفتى أحمد البقري هو نائب رئيس اتحاد طلاب جامعات مصر، فمن الرئيس؟!
بعد عصر يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011، كنت قد دخلت ميدان التحرير مع واحدة من المسيرات، وكلما جاء قادم للميدان هرولنا نحوه، عن موضع خبر المظاهرات في قناة “الجزيرة”، ومما أتذكره في هذا اليوم، أنني كنت قد غادرت محيط دار القضاء العالي، وقد كان واقفاً على السلالم “أبو العلا ماضي” و”محمد البلتاجي”، فلما جاءا إلى الميدان في آخر النهار وصلنا شعور أنهما ذهبا إلى بيتيهما وعادا منهما، فأردنا أن نعرف الخبر اليقين، حول موقعنا من إعراب قناة “الجزيرة”، وشعرنا يومها بالخذلان، الأمر الذي ذكرني به سؤال: أين “الجزيرة” من المظاهرات السودانية؟
لقد ذهبت لأستريح على “مقهى عزال”، بالقرب من الميدان، ووقفت أمام شاشة تلفزيون مقهى مجاور، قبل أن أدلف إلى المقهى المختار، فمقهى “عم غزال” لا يوجد فيه تلفزيون على ما أتذكر، وإذا كان الشيء بالشيء يُذكر فقد مات “عم غزال” بعد أن غادرنا مصر، لنكتشف أنه ليس صاحب المقهى الذي عُرف باسمه، ولكنه كان يعمل فيه فشهد شبابه، كما شهد شيخوخته. يرحمه الله!
البيت الأبيض على الخط
منذ الصباح والخبر الأول في نشرة أخبار “الجزيرة”، هو نزاع بين الفصائل اللبنانية تقريبا على “شقة بمنافعها”، وكان الموقف الأمريكي بدأ في التبلور، منحازاً لمبارك ونظامه، فخبر المظاهرات المصرية هو الثالث أو الرابع في الترتيب، ويأتي متبوعاً بتصريحات وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، التي قالت إن النظام في مصر قائم ومستمر، ولعل النظام المصري التقط هذه الإشارة، فلم تمض سوى عدة ساعات، إلا وقام بفض المظاهرات بالقوة الغاشمة، وطارد المتظاهرين: “دار دار.. زنقة زنقة”، فلم يكن هدفه مجرد حمل الناس على مغادرة الميدان، كما هي العادة عند عمليات فض المظاهرات في السابق، ولكنه في هذه المرة استهدف الإمساك بالمتظاهرين وضربهم، فمن طاردهم حتى اختبأوا في بيوت فتحت لهم في منطقة “بولاق أبو العلا”، حاول الأمن أن يقتحم هذه البيوت لاخراجهم، في رسالة لا تخطئ العين دلالتها، لولا خوفهم من الاشتباك بالأهالي الذين بدوا يتنمرون بهذا التجاوز الأمني للأعراف المصرية.
هذا التلكؤ الأمريكي في الانحياز للثورة المصرية، ربما كان سبباً في المبادرة السريعة في يوم المظاهرات، التي خرجت تندد بالتفريط في “تيران وصنافير”، فقد بدا التفاعل سريعاً ومبكراً. وقال البيت الأبيض إنه يتابع هذه المظاهرات عن كثب، وهنا وجد نظام السيسي أنه إذا تأخر في عملية الفض، فقد يحدث خطر على الحكم يتعذر تداركه، مع وجود هذا الموقف الأمريكي المبكر.
وجاء إلى المظاهرات من كانوا قد أعلنوا من قبل أنهم لن يشاركوا فيها بحجة أن الإخوان قرروا المشاركة، وفصيل من الإخوان أصدر بياناً بذلك ولم يشارك.
وقد جاء هؤلاء لاقناع المتظاهرين بالعودة إلى بيوتهم، لأن أمامهم خطوة مهمة هي طريق التقاضي، وهو الطريق الذي فرغ شُحنة الغضب، ليتم الرد على الحكم بمصرية “تيران وصنافير”، بحكم آخر يؤكد سعودية الجزيرتين، جاء مخالفاً للقانون نعم، لكنه صدر من واحدة من المحاكم العليا في مصر!
وفي اعتقادي أن هذا كله كان بحسن نية، وربما جاء هؤلاء لمظاهرات قاطعوها بحجة حماية المتظاهرين من الفتك بهم، فلم تكن الأعداد تزيد عن خمسة آلاف متظاهر، ولو شارك فيها الإخوان، لحمت نفسها، وصار فضها صعباً، لكن من “لسعته الشوربة ينفخ في الزبادي”، وفي أي مظاهرات عندما يُتخذ قرار من المتظاهرين بمغادرة المكان، فإن ضربها يكون أسهل، من إذا كان القرار هو الاستمرار، وقد قام الأمن بالاعتداء على المتظاهرين، في مظاهرات غطتها “الجزيرة” أيضاً.
كان يوم 25 يناير/كانون الثاني 2011 يوافق يوم ثلاثاء، وكنت أكتب هذه الزاوية يوم الخميس، لتنشر السبت، وقد كتبت فيها عن “الجزيرة” التي باعتنا في “محمد محمود”، واهتمت بنزاع على “شقة بمنافعها” في بيروت، وكان النشر في اليوم التالي لجمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني، بعد أن كان غضبي من الجزيرة قد زال، فالحشود التي خرجت بعد صلاة الجمعة، أجبرتها على الاهتمام بالمظاهرات، لتكون الخبر الأول، وكانت التغطية مفتوحة، لهذا كان المقال التالي في هذه الزاوية “فضائيات وأرضيات” في يوم السبت 5 فبراير/شباط بعنوان: “عندما أصبحت الجزيرة صوت الثورة المصرية”.
فالحضور الجماهيري الواسع، هو ما يفرض نفسه على الإعلام، وفي ظني أن “الجزيرة” تعاملت مع المظاهرات السودانية على قاعدة من “لسعته الشُوربة ينفخ في الزبادي”، أو “اليوغرت” عند العرب الأعاجم!
البشير قوياً
مظاهرات السودان بدت عفوية ومفاجئة، فالسودانيون يعيشون أزمة اقتصادية طاحنة منذ سنوات بعيدة، وبدا نظام الرئيس البشير عاجزاً عن مجابهتها، ولا رؤية له في تجاوزها، وكان الأمل في أن تحل برفع العقوبات عن السودان، لكن العقوبات رفعت ثم لا شيء، ثم أنه بدأ يتصرف بأريحية، فيقدم على ما سيقدم عليه السيسي من تعديل الدستور، ليبقى في الحكم ليوم يبعثون، مع عدم وجود اعتراضات دولية على هذه الخطوة، والتي تغطي على العجز الداخلي في الرفض، وبدت القوى السودانية التقليدية خارج نطاق الخدمة، فما حيلتها والعجز غاية قوتها؟ إن شئت فقل إن البشير بدا هو قدر السودان وأهله، وأن الشعب السوداني فقد القدرة على الحركة، فالنخبة السياسية نفسها ماتت منذ سنوات!
والحال كذلك، فقد كانت المفاجأة في خروج المظاهرات في عدد من المدن، وفي إحداها تم حرق مقر الحزب الحاكم، ولا يستطيع أحد خارج السودان أن يحدد أعداد المتظاهرين، أو قدرتهم على الحشد أو الاستمرار، والنظام قام بتصدير صورة للخارج أنه لا يقدر عليه أحد، والمشهد السوداني من المشاهد المركبة وليست البسطية، حيث يستعصي على من غير السودانيين فهمه، هل أقول بل إن النخبة السودانية نفسها فوجئت بهذه المظاهرات العفوية، فمن يقدر على البشير، الذي خطا خطوة للأمام فزار سفاح سوريا، في خطوة مفاجئة، غير مكترث بمشاعر الناس، ولا هو مشغول بما ارتكبه من مذابح، وبدا أنه حامل لرسالة من آخرين ربما لا يجرؤون على ذلك خوفاً من شعوبهم، لكن البشير لا يأبه إلا بذاته، فالشعب السوداني يعيش الفاقة باعتبارها قدرا مكتوبا على الجبين!
بيد أنه في اللحظة التي يشعر فيها البشير أنها دانت له، ولم يعد يسمع حتى همسا كانت المظاهرات، ضده في بعض المدن، وعفويتها هي التي تجعل الإعلام يأخذ حذره في التعامل معها، وإذا كانت “الجزيرة الاخبارية” تعاملت معها باعتبارها خبراً سريعاً في نهاية نشرة الأخبار، فإن “الجزيرة مباشر” نقلت جانباً من المظاهرات، لكن من سألوا: “أين الجزيرة؟” كانوا يريدون تغطية على مدار الساعة، والسؤال يأتي من باب “العشم”، عشمنا ونحن في ميدان التحرير، وهناك من يطرح السؤال بصيغة الاتهام، فالبشير صديق القطريين ومن هنا يأتي التجاهل!
الجزيرة هل هي زعيمة سياسية؟
والذين يتحدثون “بعشم” لا ينظرون للأمر من الزاوية المهنية، فهم يرون أن تركيز “الجزيرة” على المظاهرات سيمثل دعماً لها ودعوة للسودانيين للخروج، حتى وإن كان الموجود على الأرض حتى كتابة هذه السطور لا يشي بثورة عارمة، وهذا يقودونا إلى سؤال هل الاعلام دوره تغطية الثورات أم التحريض عليها، هل الشبكة قناة تلفزيونية أم زعيمة سياسية؟!
الشاهد أنه لا توجد قناة اخبارية، اهتمت بهذه المظاهرات، بدءا من الـ “بي بي سي”، وانتهاء بقنوات أخرى مثل “الحرة”، لكن “العشم” يدفع لأن تتبنى “الجزيرة” هذه المظاهرات وتنفخ فيها من روحها لتحولها إلى ثورة، فهل ستنتهي إلى ثورة فعلا؟!
القراءة الأولية تقول إنه إذا زاد زخمها فإنها ستؤدي إلى انقلاب عسكري داخل معسكر الحكم قد يقع ليقطع الطريق على انقلاب عسكري يقوم به الخصوم، وفي الحالتين سيكون التخلص من البشير، وسيسعدني هذا على المستوى الشخصي، باعتباره أخف الضررين، فلا شيء بيد البشير ليقدمه للسودانيين، والمظاهرات السودانية قد تغري بمثلها في مصر، وحتى يعلم السيسي أن التحرك على أساس موت الشعب، مخاطرة كبرى، هذا فضلاً عن أني أرى نهاية البشير طبيعية، فكل من صافح السيسي وبداية من رئيس الغابون، فالرئيس الفيتنامي، فوزيرة الشباب التونسية، كانت هذه آخر أعمالهم من الدنيا، والبشير والسيسي في حالة اندماج كامل، فهي النهاية بالقياس.
لكن إدارة المؤسسات الإعلامية، لا ينبغي أن تحكمها الأماني والعواطف الجياشة، حتى وإن كان سقوط البشير في السودان، هو إشارة الى دنو أجل الانقلاب العسكري في مصر! ربك كريم.
صحافي من مصر
نحمد الله ان لنا قنواتنا وطرقنا الخاصه..جاء الربيع بالحركه الاسلاميه وجرذانه في الدول التي هبت بها تلكم العاصفه اما نحن في السودان فثورتنا علي من يسمون بالحركه الاسلاميه
ونحن علي درب الثوره سائرون
أي ثورة تتحدثون؟ وأي إنقلاب تتكلمون؟
ليس هناك ثورة بل هناك مؤامرة لتدمير البنية التحتية وقتل الألاف من الأبرياء؟ السودان تبقي سالمة بأذن الله وان العملاء وتجار البشر سيخيب آمالهم….
كم من السوريين يتمنون أن يعيد التاريخ إلى ماقبل الثورة لاجئون في كل مكان
حلوة العرب الأعاجم
بكل بساطة الجزيرة او غيرها من الفضائيات لا تهتم للسودان او غيره الااذا كان مالك تلك الفضائية له هدف من التغطية
الوحيدة التى تركز على المظاهرات السودانية وتبرزها فى العالم كله هى قناة الشرق