ذُكِرت العجائب السبع مرارا و تكرارا في التاريخ واصبحت مصدرا للفخر و وسيلة لتحقيق أهداف سياسية و وطنية و مصالح تجارية. و سنقوم هنا بالتطرق الى أكثرها رومانسية و غموضا ألا و هي الجنائن المعلقة في مدينة بابل. ولكننا لن نكرر ما يقوله الاعلام عنها و خاصة الأفلام السينمائية بل سنحصر مدى النقاش بحدود الأدلة العلمية.
كان المؤرخون الاغريق (اليونانيون القدماء) أول من تكلم عن العجائب السبع، فجميعها كانت في مناطق سكنها الاغريق أو احتلوها. و قد ذكر كل مؤرخ إغريقي ما أعتبره هو العجائب السبع ثم أستقر الأمر على العجائب السبع التي نعرفها الآن و أثناء ذلك كانت بابل صاحبة أكبر عدد من العجائب في هذه القائمة المتغيرة، فقد كانت هناك في البداية أعجوبتان فيها وهي مسلة سميراميس و سور بابل، لتختفيا عند المؤرخين اللاحقين وتصبح الجنائن المعلقة الأعجوبة النهائية و الوحيدة في هذه المدينة.
نعود الآن إلى الجنائن المعلقة في بابل، فالقصة المتعارف عليها هي ان ملك بابل نبوخذ نصر (634 ق.م. – 562 ق.م.) تزوج من أميرة من مملكة ميديا وأنها شعرت بالكآبة لكون الطبيعة في بابل تختلف عن تلك التي في ميديا، فقام الزوج العاشق بإنشاء جنائن معلقة كي لا تشعر الزوجة بالغربة .و أُعتُبرت هذه الجنائن أعجوبة من أعاجيب العالم لعظمتها. و أكثر تفاصيل هذه القصة أتت من المؤرخ الشهير تيتوس فلافيوس جوزيفوس (37 – 100) الذي ادعى انه اعتمد على مصادر سابقة و لم يكن من الممكن التأكد من صحة هذه المصادر. كما ذكر مؤرخون آخرون أشياء متعددة و متناقضة عن هذا الموضوع فمثلا قال أحدهم ان من أقام الجنائن هو الملكة الآشورية سميراميس بينما نفى آخر ذلك مدعيا أن ملكا آشوريا قام بذلك.
المشكلة في الجنائن المعلقة هي عدم العثور على أثر لها، كما أن نبوخذ نصر الذي بالغ في وصف مآثره لم يتكلم عنها و لم يذكر أي شيء عن زوجته الميدية المزعومة على الإطلاقـ كما أنه لا وجود لدليل على قدرته على القيام بعمل كهذا. ولذلك أقترح بعض المؤرخون الحديثون أن الجنائن من نسج الخيال او أنها في مكان آخر وأن المؤرخين القدماء قد أختلطت عليهم الأمور، فكتبوا مزيجا من المعلومات غير المترابطة أصلا و مزجوها في قصة خيالية رومانسية وقد حدث هذا كثيرا في التاريخ.
وقد توضح الموضوع و بشكل مفاجىء عام 2013 عندما نشرت الاختصاصية في جامعة أوكسفورد الدكتورة ستيفاني دالي Stephanie Dalley كتابها الشهير «لغز جنائن بابل المعلقة» (من إصدار جامعة أوكسفورد) مثيرة ضجة في الأوساط العلمية بقولها بأن الجنائن موجودة فعلا، و لكن ليس في بابل بل في نينوى ألآشورية و امت بالأجابة على كل سؤال وتغطية كل جانب في هذا المجال، و في الواقع أن الأدلة كانت موجودة أمامنا طوال الوقت.
لنبدأ القصة من البداية فقد عرف السومريون الجنائن ولكنها كانت دائما صغيرة واستمر التقليد حتى وصل الى الآشوريين حيث قام الملك تكلاثبيليسير (1114 ق.م. – 1076 ق.م.) بجلب نباتات من خارج البلاد و زرعها و بعد ذلك جاء آشورناصربال (883 ق.م. – 859 ق.م.) الذي زرع في حديقة قصره 39 نباتا أجنبيا و قام بدعوة سكان المدينة لحضور حفل الإفتتاح و ثم جاء الملك سرجون الثاني الذي حكم من 722 ق.م. الى 705 ق.م. و قام بانشاء جنائن معلقة صغيرة في قصره وبعد ذلك أتى ابنه سنحاريب الذي حكم من 705 ق.م. الى 681 ق.م. و قام بانشاء شبكة عملاقة من القنوات و الجسور بلغ طولها 80 كم لأيصال الماء إلى نينوى و ما جاورها من مزارع و بلدات طوال العام للتغلب على نقص المياه في الصيف الحارق و قد بلغ أقصى إرتفاع للجسر 9 أمتار و كانت كل الجسور مقامة على أقواس صخرية و جرى الماء على طبقة من الخرسانة بلغ سمكها 40 سم وقد كانت احدى مهام الشبكة إرواء الجنائن المعلقة التي بناها سنحاريب ووصفها بدقة بل و رسمها و ذكر أنواع النباتات الغريبة فيها وكيف دفع أجور العاملين فيها بسخاء و هو الملك الذي أعلن ولعه بزوجتيه المتتاليتين. ولقد كان ما بناه سنحاريب معجزة بمقاييس عصره حيث استخدم كوادر هندسية و فنية محلية تراكمت خبرتها على مدى قرون في أنشاء أعجاز هندسي كان أفضل مثال على التفوق العلمي بدون منافس في العالم آنذاك.
لقد كان الآشوريون معجزة بحد ذاتهم و فلسفة حكمهم جديرة بالإحترام، فالملك هو حامي الضعيف و الحارث و المزارع و فارض القانون و النظام و هيبة الدولة، فعندما بنى سرجون الثاني عاصمته الجديدة دور شاروكين (خورزاباد الحالية) أعلن انه اشترى الأرض بسعر السوق كي لا يتهمه أحد بالظلم و كانت الزراعة من أهم واجبات الملك فكل المشاريع الزراعية من انجازات الملوك الذين كان همهم الأكبر الرفع من مستوى معيشة مواطنيهم و تسهيل حياتهم ولذلك حاولوا جهدهم أن يتعلموا من غيرهم و تطوير ما لديهم. فالخرسانة concrete وحلزون الماء water screw و البطارية و ألأقواس الصخرية هي من ابتكار الآشوريين كما استخدموا نظرية فيثاغورس و كانت وسيلتهم هي العمل و الانضباط الى أقصى حد و التفكير العلمي فكل ما قاموا به كان ذا أهمية علمية و لم تكن لديهم أعمال عشوائية أو عاطفية بمقاييس زمنهم.
أنتهى الآشوريون نتيجة حرب أهلية طاحنة كهوية و دولة الا ان تأثيرهم بقي، فعندما أسس الفرس دولتهم قاموا باقتباس أغلب ما لديهم من الآشوريين من هندسة معمارية (و خير مثال طاق كسرى) و حبهم للحدائق الضخمة، و قد انتقل هذا التقليد الى الإغريق و الرومان و من ثم أوروبا الحديثة. كما أخذ الفرس من الآشوريين فكرة قنوات الصرف الصحي و المجاري و بناء الطرق و أسلوب تنظيم الجيش و جميع الرموز الفنية و الدينية، فرمز الدين الزرادشتي الفارسي مأخوذ من الرمز الآشوري للإله مردوخ. و لم يختفي اسم الآشوريين في متاهات التاريخ، فقد بقي الأسم الى يومنا هذا حيث سمى المؤرخون الأوروبيون الشرق الأوسط Assyria (وهي بلاد ألآشوريين في اللغة ألإغريقية) و منها أتى أسم سوريا على الرغم من أن بابل ونينوى ليستا في سوريا.
*كاتب عراقي
زيد خلدون جميل
ولأن عراق اليوم هي بلاد مهد الحضارات الإنسانية عبر كل العصور، لهذا كان ولا زال وسيبقى تكالب الغابوية عليها حتى يوم الدين، فالمعركة بين التحَضُّر والغابوية أبدية، وما تشهده هذه البلاد اليوم، مثال.
المشكلة بقيت على ماهي عليه
أي آثار حدائق بابل أو نينوى الآن
فلو كانت الآثار رومانية لوجدت الخبراء والتقنيون الأجانب يبحثوا عنها
ولا حول ولا قوة الا بالله
الى الاخ
الكروي داود النرويج
لا حول ولا قوة الا بالله