أين سقطت صواريخ البوليساريو؟

حجم الخط
132

الشيء البديهي أن هناك حربا تجري اليوم غير بعيد عن الشريط المحاذي للحدود الشمالية لموريتانيا. ولعل من شاهد ما جرى مؤخرا، في الكركرات، سيقتنع حتما بذلك، لكن تلك المنطقة ليست في واقع الأمر سوى جزء بسيط، أو لنقل إنها ركن محدود من مسرح واسع، يمتد إلى عواصم أوروبا وروسيا وأمريكا، ليصل إلى أقاصي القارة اللاتينية، وأدغال القارة الافريقية، حيث تدور معظم فصول النزال الصحراوي.
وربما يكون السؤال الجوهري هنا، في حال ما إذا علمنا أن المغرب هو من يسيطر فعليا على الأرض، أين يحارب البوليساريو إذن بالضبط؟ فمن يقرأ بياناته الحربية الأخيرة، يعتقد أنه يفعل ذلك انطلاقا من تلك الأراضي الصحراوية، التي يدعي ملكيتها، وأنه لا يخوض معارك استعادتها من قبضة المغاربة، إلا من هناك، ولكن الحقيقة قد تختلف كثيرا عن ذلك، فكل شيء عدا تلك الصحراء نفسها، قد يصح أن يكون بنظر البوليساريين ميدانا لذلك الصراع، وقد يصبح منصة جيدة لإطلاق الصواريخ، نحو من يصفونه بـ»العدو المغربي» ولو كان جزءا من مكونات تلك الصواريخ، هو عبوات مليئة ببعض الصور القديمة لقوات الحوثيين، أو للقوات الهندية الباكستانية، في إيحاء للأحداث الجارية الآن في الصحراء، أو بعضا من الفرقعات الإعلامية، من قبيل حادثة نزع العلم المغربي لدقائق من سارية مبنى القنصلية المغربية بفالنسيا، أو سيلا من بيانات الدعم الحماسية التي كتبت من زمن الحرب الباردة، وخرجت من جمعيات مغمورة في أقاصي الدنيا، يكاد معظم الناس في تشيلي أو كوبا أو الأرجنتين، أو بنما، أو الاكوادور لا يسمعون عنها شيئا.
لكن المفارقة الكبرى هي أن تلك الصواريخ لا تحدث أثرا واضحا في المغرب، بل لعلها تسقط بعيدا عنه، والمؤكد أنها تزيد من حماسة الدولة التي ظلت منذ الثمانينيات تمثل السند القوي للجبهة، غير أنها تجعلها تبتعد قليلا هذه المرة عن العواطف الثورية، لتحاول النأي قليلا بالنفس، عندما يتعلق الأمر بإعلان بيان رسمي للتعليق على أحداث الكركرات مثلا. فمع أن وزارة الخارجية الجزائرية قالت إنها «تستنكر الانتهاكات الخطيرة لوقف إطلاق النار.. وتدعو إلى الوقف الفوري للعمليات العسكرية، التي من شأنها أن تؤثر في استقرار المنطقة برمتها» إلا أنها استدركت لتطلب من الطرفين، أي المغرب والبوليساريو «التحلي بالمسؤولية وضبط النفس» قبل أن تؤكد انتظارها بأن تكون الأمم المتحدة محايدة، ودعوتها لأن يسارع مجلس الأمن لتعيين مبعوث أممي جديد في الصحراء، ولكن هل كان الأمر مفاجئا حقا للجزائريين، وهل كان قادة الجيش الجزائري غير مطلعين على خطط البوليساريو ونواياه الحقيقية؟ لقد امتدت أزمة الكركرات لأكثر من عشرين يوما لم تفلح خلالها الجهود والوساطات في دفعه للتراجع عما ظل يصفه «بالحراك المدني الشعبي للاحتجاج على ثغرة الكركرات غير الشرعية» على حد تعبيره. وكان واضحا أنه لم يكن هناك بد في تلك الحالة، وأمام عجز الأمم المتحدة وترددها، وانكفاء وصمت موريتانيا، ولامبالاة الجزائر، أن يأخد المغرب بزمام الأمر، ويحسم في مسألة استمرار ما يربو عن ستين فردا، قطعوا طريقا حيوية تربطه بموريتانيا. وفي ظرف آخر، أو في سياق مغاير تماما للحالي، كان ذلك سيعني وببساطة شديدة تكرار سيناريو مجزرة مريعة، من قبيل مجرزة اعتصام رابعة، أو حتى اقتراف واحدة أفظع منها، لكن لننظر في الأخير للحصيلة النهائية: فكم روحا سقطت جراء ذلك التحرك العسكري المحدود؟ وكم شخصا أصيب بجروح أو بأضرار؟ وكم مبنى قصف أو دمر بعد تلك العملية العسكرية التي اعلنها المغرب الجمعة الماضي «لوضع حزام أمني من أجل تأمين تدفق السلع والأفراد عبر ثغرة الكركرات»؟ لن يختلف اثنان في أن الجواب على ذلك كله يظل صفرا.

لاشك بأن اختيار توقيت الزج بعدد من الصحراويين أواخر الشهر الماضي بالقرب من معبر الكركرات لم يكن بريئا بالمرة

ومع أن التحرك المغربي لم يغير شيئا من الوضع القائم أصلا في الصحراء، منذ ما يقرب من ثلاثين عاما، إلا أن جبهة البوليساريو التي طالما هددت في أكثر من مناسبة بالعودة لخيار الحرب مع المغرب، كانت جاهزة على ما يبدو للتعامل مع الخبر بسرعة، والمبادرة للرد الفوري، ببيان ناري صباح السبت الماضي، قالت فيه وبكل سهولة إنه «تم رسميا إلغاء اتفاق وقف إطلاق النار مع المغرب، وما يترتب عليه من استئناف العمل القتالي دفاعا عن الحقوق المشروعة لشعوبنا» على حد تعبيرها. ولعل قائلا قد يتساءل، ألهذه الدرجة صار إعلان الحرب أسهل من شربة ماء؟ وهل سيكتب التاريخ أن ستين فردا أشعلوا، من حيث يدرون أو لا يدرون حربا، لم يكن أحد يدري أبعادها أو امتداداتها الإقليمية والدولية؟ إن ما يحصل عادة هو أن الاعتراض على أي استخدام خاطئ للقوة، ضد أي احتجاجات مدنية أو سلمية يكون في حال الإفراط في استخدامها، أو استخدامها بشكل غير متناسب وهذا ما لم يحصل مطلقا في عملية الكركرات على فرض أن المحتجين الذين كانوا يقطعون الطريق هناك كانوا بالفعل أفرادا مدنيين، يقومون باحتجاجات سلمية كما قال البوليساريو، لا عناصر تابعة له. فما الذي جعل الأمور إذن تتطور على ذلك النحو؟ لا شك بأن اختيار توقيت الزج بعدد من الصحراويين أواخر الشهر الماضي بالقرب من معبر الكركرات لم يكن بريئا بالمرة، وكان من الواضح أن الهدف من وراء العملية هو محاولة المسك بزمام الملف الصحراوي، في وقت بدأت فيه عدة مؤشرات تدل على أنه قد يفلت من بين أيدي الجبهة، لا فقط بعد أن حققت الرباط تقدما واكتساحا دبلوماسيا لافتا، من خلال فتح عدد من الدول الافريقية قنصليات لها في المناطق الصحراوية، بل أيضا عبر توسع دائرة الدول المساندة لرؤيتها للحل الذي تتبناه للمعضلة الصحراوية وهو الحكم الذاتي. ولكن هل فعل البوليساريون ذلك بمفردهم، وبمعزل عن أي دعم، أو في أدنى الأحوال من دون ضوء أخضر من الجزائر؟ سيكون من الصعب جدا أن يكون فخ الكركرات قد نصب بمحض إرادتهم فحسب.
ومع أن فصول القصة كلها حبكت لأجل أن يظهر المغرب على أنه هو من بادر بخرق وقف اتفاق النار الموقع في 1991، فإن السؤال البديهي هو، ما الذي يمكن أن يضطر بلدا يسيطر فعليا على الأرض، ويحرز انتصارات دبلوماسية متتالية في نزاعه ليقدم على فعل مماثل؟ ثم لِمَ لم تعلن الأمم المتحدة إلى حد الساعة عن وجود اي انتهاك أو خرق لذلك الاتفاق؟ ومن الواضح أن هناك خللا ما في رواية الجبهة، وأنها انساقت إلى حرب دونكيشوتية جهزت فيها صواريخها باكرا لتطلقها بعدها بشكل عشوائي وخاطئ. ولعل ذلك سوف يدفعها قريبا لبعض التغيير وربما حتى لاختيار ميدان مكشوف لحربها، التي لا تنتهي مع المغرب. والخطر هو أن تكون الجزائر نفسها هي ذلك الميدان، لأنه لن يكون بوسع أحد حينها أن يتوقع العواقب التي سيحصل أو أن يعرف أين بدأت حرب الصحراء، وأين ستنتهي.
كاتب وصحافي من تونس

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Ahmed HANAFI اسبانيا:

    مقال مفيد جدا، كلام قوي،راي سديد،وتحليل غاية في الدقة والموضوعية.
    من حسن حظك يا كاتبنا العزيز انك من تونس الخضراء وليس من المغرب الاقصى، وإلا لانهالت عليك التهم والاساءات من معلقين يناضلون على الورق وفي المناسبات.
    معلقون لا يهمهم في شيء، قوة الرأي والموقف، ولا استقرار المنطقة ولا مستقبل اهلها، ما يهمهم هو أن ينكسر ” المغرب الشقيق”.
    طوبى لك يا نزار بولحية وسلام عليك وتحية.

    1. يقول al Moghraby:

      BIS .
      – مقال مفيد جدا، كلام قوي،راي سديد،وتحليل غاية في الدقة والموضوعية.

    2. يقول عبد العزيز بن النوري:

      لولا دعم فرنسا للمغرب لكان الامر
      انتهى منذ عقود

    3. يقول عماد:

      إلى الأخ عبد العزيز…
      لولا فرنسا لما كانت للجزائر حدود مع الصحراء المغربية

    4. يقول حسن:

      لولا دعم الجزاءر للبوليساريو لحل المشكل بين المغاربة فيما بينهم في لحظته .

  2. يقول شهدان:

    تحليل في الصميم وموضوع يستحق النشر حي الله الكاتب يظهر عليه حمل هموم المغاربيين لان هذا المشكل يبقي حجرة عطرة وحجرة في حذاء اتحاد المغاربي الذي اخر مشيه الي الامام منذ سنين وبسببه نعاني جميعا من تخلف في كل الميادين وربما هناك قوي اجنبية لاتريد لنا هذا الاتحاد

  3. يقول عبد الله:

    صحفي جزائري ذكي في لحظة صدق مع نفسه مقال جميل جداً المرجو قرائته كاملاً :
    اليوم واليوم فقط ونحن في 2020 وبعد 45 سنة من العيش في سراب الأوهام استيقظ البوليساريو وأدرك أن المرحوم الحسن الثاني حينما ألقى بملف الصحراء في مزبلة الأمم المتحدة عام 1991 فقد أقبر ما يسمى قضية الصحراء نهائيا خاصة وأنه حسم الأمر عسكريا على الأرض بعد أن أنهى بناء الجدار الرملي وألقى بملشيات البوليساريو خارج الجدار وتركهم ينطح بعضهم بعضا وساعده في ذلك الوقت الوضع الأمني المفقود في الجزائر إبّان العشرية السوداء أي منذ 1991 وهو تاريخ وقف إطلاق النار ، فلا تتأسفوا يا معشر البوليساريو على قبول وقف إطلاق النار في ذلك التاريخ فكل الظروف كانت ضد وجودكم أصلا ومهيأة لِتُرْغِمَكُم على وقف إطلاق االنار ، أما عِنَاد الحليف الجزائري فكان حربا طاحنة ضد الذات الجزائرية وفي مقدمتها الشعب الجزائري نفسه وضد المصالح العليا للوطن الجزائر ، وها هو النظام الجزائري يحصد نتائج العناد الصبياني وهو أكبر خطإ ارتكبه النظام الجزائري بخصوص هذا الملف ،

  4. يقول Mohamed Sid:

    الجزائر اعظم منکم

    1. يقول Amazighi:

      اتمنى لك التوفيق يا استاذ.
      سيبقى تبون يحكم وهو على سريرالموت كما حكم بوتفليقة فوق الكرسي وهم يتكلمون باسمه.
      المغاربةوالله العضيم لا يكرهونكم وخير دليل على ذلك أن اتيت إلى المغرب ما عليك إلا أن تصرح بأنك جزائري وسترى كيفية الاستقبال .نظام المخزن لم يقتل 250 الف جزائري في العشرية السوداء و 20 الف مفقود حتى الان ولم يسرق لكم 1000 مليار دولار . حرب 63 بن بلا وبو خروبة هما لي بداوها. سير قرا التاريخ وخليك من غسل الادمغة لي داروه ليكم كابرانات فرنسا.

  5. يقول سمير:

    أتصفح جريدة القدس للاطلاع على مقالاتك استاذ نزار كتاب مثلك قلائل

  6. يقول احمد:

    على هذه المشكلة ان تحل ، ويأخذ كل ذي حق حقه ، بدون ان يدور احد على أحد ، الامور غير واضحة والا كيف تأخذ هذه القضيه هذا الوقت كله ، ان وراء الأمة ما وراءها.

  7. يقول منحر المفگوع:

    الايام بيننا ، حرب طويلة الامد، هذه المرة لن ينخدع الشعب الصحراوي،النار إشتعلت ولن تنطف حتي تحرير كل شبر في أرض الساقية الحمراء ووادي الذهب.
    كل الوطن أو الشهادة.

    1. يقول متتبع صحراوي:

      البولساريو و صانعها عسكر الجزائر مازالوا يعيشون في الماضي الذي لن يعود أبدا ويقامرون بمستقبل المنطقة كلها ، هم عسكر الجزائر الوحيد التي يتاجر باللآجئين هو محاصرة المغرب والحصول على منفد للمحيط ولكن هذا لن يتحقق ولو دخلت الجزائر بنفسها وجيشها للحرب لأن المغرب ومن ورائه حلفاؤه قادر على التصدي لكل معتد ودحره وإلحاق الهزيمة به

  8. يقول Ahmed HANAFI اسبانيا:

    ااختار الكاتب لمقاله المفيد عنوانا على شكل سؤال انكاري، لأنه يعرف الجواب مسبقا.
    اين سقطت صواريخ بولبساريو؟
    سقطت نارا ملتهبة فوق رؤوس من اطلقوها. وسقطت بردا وسلاما على ” العدو” لأنها أعطته الفرصة والذريعة لبسط نفوده الفعلي علة المعبر فاكمل بذلك سيطرته على الشاطئ الاطلسي من طنجة إلى موريتانيا.

    تذكر واقعة الكركرات بواقعة وادي الذهب قبل عقود.
    انسحبت موريتانيا من تيرس الغربية بعد اتفاق سري مع بولبساربو برعاية جزائرية. كان الهدف هو قطع الجذور الإفريقية للمغرب عبر وضع اليد على الجزء الجنوبي من الصحراء في انتظار الباقي.

    لكن المغرب سيطر على تيرس العربية قبل أن يرتد لهم بصرهم فتحولت إلى وادي الذهب وطويت صفحة التقسيم.

    1. يقول OMAR NADDIR:

      لبوليساريو هي وحدها في العالم من يمتلك صواريخ تظهر في البيانات العسكرية و لا ترى بالعين المجردة ههههههه.

  9. يقول Hiba:

    نحن المغاربة في قراراة أنفسنا نجنح للحرب نعم للحرب ضد مرتزقة البوليزاريو و من يدعمهم

  10. يقول Panther Algeria:

    ولماذا لا تنسب كل ما حدث هذه المرة في معبر الكركرات جاء موافقا لفتح سفارة الإمارات بني صهيون العرب في العيون… وأنت تعلم جيدا أن أي مكان تطأفيه قدم الإمارات إلا بشر بفتنة أو حرب أو انقلاب أو أي شيء من هذا القبيل..والدليل ليس ببعيد مما يحدث في إثيوبيا هاته الأيام..ومن وراء ذلك بالضبط هل هي الجزائر!؟.

    1. يقول أسامة حميد -المغرب:

      الإمارات لا دخل لها فيما حدث في الكركرات أنتم فقط تبحثون عن مشجب لتعلقون عليه فشل الجزائر وصنيعتها. أذكرك فقط أن مو انئ الجزائر تدار من قبل الإمارات العربية من زمان.

    2. يقول مغربي من أصول صحراوية:

      وهل الإمارات هي التي تحتضن ميليشيات وتدعمها وتسلحها لسفك الدماء من أجل أطلالة على المحيط الأطلسي ؟ وهل الإمارات هي التي قامت بقلب الطاولة على الشعب الجزائري حين قرر مصيره في إنتخابات حرة ونزيهة خلال تسعينيات القرن الماضي ؟ وهل الإمارات هي التي أوعزت لجنيرالات فرنسا بخلق حرب أهلية بين الجزائريين راح ضحيتها ما يقارب ربع مليون ؟ وهل الإمارات هي التي رفضت مطالب الشعب الجزائري الذي ظل يصرخ في الشوارع لأكثر من سنة و9ـشهر : الجنيرالات آلابوبيل والجزائرتدي الإستقلال ؟
      ياأخي كن واقعي لأن الجزائر هي من تحتضن المرتزقة وتسلحهم وتحرضهم وتروج لأضاليلهم وأكاذيبهم عبر وسائل إعلامها مثلما تفعل الآن

    3. يقول خالد:

      الإمارات إشترت أكبر الموانئ الجزائرية و آلاف الهكتارات في الجزائر، وكل نقود جنرالاتكم التي نهبت هي في الإمارات، وتتحكم في إقتصاد الجزائر.

    4. يقول سفيان - المغرب:

      لأن الامارات لم تطلب من البوليساريو قطع معبر الكركارات، إلاّ اذا كانت الامارات تتآمر مع الجزائر ضد المغرب من اجل اشعال النار في المنطقة. فالبوليساريو لا يمكن ان تتحرك بدون ضوء أخضر من الجزائر!!!

1 2 3 4 5 9

إشترك في قائمتنا البريدية