كانت الأعياد أياما مهمة تعبّر عن مشاعر الفرح والسعادة والسكينة والسرور وتجمع العائلات. يشعّ اليوم الأول نورا وضياء بأداء صلاة العيد.. في أروقة المساجد، كان الجيران والأصدقاء صغارا وكبارا في القرى والمدن يعايدون بعضهم بعضا بوجوه مبتسمة ومشرقة. عندما كانت الملابس الجميلة والروائح العطرة تمتزج بالأجواء الرائعة في الصباح الباكر، تصبح الأيام مميزة بشكل خاص في العيد، بعد ذلك، كان الناس ينتقلون إلى المنازل، ويقضون أوقاتا ممتعة ويتبادلون الأحاديث مع أفراد العائلة والأصدقاء، الذين لم يتواصلوا معهم، أو لم يلتقوا بهم منذ فترة طويلة. كان الصغار يُقبلون أيدي الكبار الذي بدورهم يكونون مستعدين مسبقا لتوزيع «العيديات».
عيد الأضحى بشكل خاص كان يتميز بتنوع الأطعمة الغنية باللحوم، يصف الكاتب التركي الشهير رفيق خالد كاراي عيد الأضحى في مقال له بعنوان «أين هي تلك الأعياد القديمة؟» قائلا: «لو قمت فقط بإحصاء وسرد ووصف مأكولات عيد الأضحى التي كانت موجودة سابقا، فكم من أشخاص سيستفيدون من ذلك؟ أين هي تلك الوفرة من الأضاحي، وتلك المطابخ، وأين الطباخات وسيدات البيوت الحاذقات والمربيات المخلصات وأولئك العمال المجتهدون؟ ألم تكن الأعياد وسائل للترفيه والتسلية والسعادة بين جميع أفراد العائلة في مكان واحد، نظرا لانعدام صالات السينما التي يقصدها الرجال والنساء وحتى الأطفال في يومنا، وليالي السهر وتناول البرتقال والكستناء والبندق والفستق وما إلى ذلك، التي تستمر حتى ساعات الصباح؟». استعدادات كبيرة كانت تجري في المنازل قبل أيام من عيدي الفطر والأضحى.. النساء والفتيات يشرعن في تنظيف المنزل وتجديد الستائر وتغيير أغطية الأثاث، وكأنهن يشرفن على إعادة بناء المنزل. أما الرجال، فيقومون بشراء السكاكر والحلويات التي يحتاجها المنزل، وينظمون الحدائق ويدهنون المنزل. يبدأ صباح العيد بأطفال يطرقون أبواب المنازل لطلب السكاكر أو العيديات، ثم يتواصل بتوافد الأقارب والأصحاب والجيران على المنازل وتبادل الأحاديث.
بينما تتلاشى الساعات المرحة لأعياد العالم الإسلامي، أصبحت أعياد الميلاد في أوروبا مناسبات يتم الاحتفال بها بشكل أكثر مرحا؟ ولكن لماذا؟!
تلفزيون تركيا في الماضي، كان يتكون من قناة واحدة فقط وهي «مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية (TRT)»، فقد كانت تعد برامج خاصة بمناسبة الأعياد وتساعدنا في أن نعيش تلك الأيام بشكل مميز. أتذكر أننا كنا نعيش من جديد تقليد «الترفيه والتسلية بين الأعمدة» الذي أصبح منسيا في إسطنبول، من خلال شاشات تلفزيون «TRT». وفي تلك الفترة، كان الزعماء السياسيون يفضلون عدم خلط السياسة في رسائلهم التي يصدرونها للتهنئة بمناسبة الأعياد، تعبيرا عن احترامهم للأعياد الدينية عند الشعب. وكانت الصحف والصحافيون يأخذون إجازة خلال عيدي الفطر والأضحى. وتقوم نقابات الصحافيين في إسطنبول وأنقرة وإزمير بإصدار صحف خاصة بمناسبة العيد تحت اسم «بايرام (العيد)»، حيث يقوم المهتمون بشراء تلك الصحيفة التي تجمع مقالات الكتاب المنشورة في الصحف المختلفة وتنشرها. وكانت هناك شخصيات بارزة محترفة في الصحافة تعرف باسم «كتّاب النكت»، وفي مقدمتهم أحمد راسم، ورفيق خالد كاراي، ورفيع جواد أولوناي، وبرهان فلك وغيرهم، حيث كانوا يظهرون دائما أمام القراء بمقالات جميلة عن العيد. وباعتبار كل صحيفة كانت تحتوي على زاوية «تاريخ»، فإن الشخصيات مثل أحمد رفيق (ألتيناي)، ورشاد أكرم كوتشو، وفي وقت لاحق نيازي أحمد بان أوغلو ومراد سرت أوغلو، وهم مؤرخون شهيرون، كانت تقدم دعما لجهود أولئك الصحافيين من خلال تقديم أمثلة ونماذج من تاريخنا.
ولكن، اليوم أصبحت عبارة «أين هي تلك الأعياد القديمة» جزءا من لغة الجميع، بينما كانت في الماضي تعبر عن لسان الكتّاب. لم تعد تلك الأعياد القديمة موجودة الآن، فالأعياد الدينية التي لدينا يقابلها اليوم في العالم المسيحي أيام الميلاد. يعلم الذين يذهبون إلى المدن المركزية الكبرى في أوروبا أنه مع اقتراب عيد الميلاد هناك أماكن مشرقة مشعة في كل مدينة تزينها أجواء عيد الميلاد، وتمتلئ هذه الأماكن بالحشود المحلية والأجنبية، بعضها يملأ المتاجر الصغيرة التي تبيع هدايا خاصة بتلك الأيام، بينما يندفع الأطفال إلى صالات الألعاب التي يتم تجهيزها لهم خصيصا، والآن؛ بينما تتلاشى الساعات المرحة لأعياد العالم الإسلامي، أصبحت أعياد الميلاد مناسبات يتم الاحتفال بها بشكل أكثر مرحا؟ ولكن لماذا؟!
كاتب تركي