من المؤكد أن اللقاء في بداية الشهر بين رئيس الوزراء نتنياهو والرئيس اوباما كان متوترا، فقبل ذلك بيومين فقط اتهم الرئيس اسرائيل علنا ببناء ‘عنيف للمستوطنات أكثر مما كان في فترات سابقة’، ونشر المكتب المركزي للاحصاء قبل اللقاء بساعات معدودة تقريرا يظهر زيادة كثيفة للبناء في العام الماضي في مناطق يهودا والسامرة.
والتناقض أن الضجيج كان في أكثره على لا شيء. ويدل نظر أساسي في معطيات المكتب المركزي للاحصاء أن كل البناء تقريبا تم في الكتل الاستيطانية وهي مناطق تم الاعتراف بها في جولات التفاوض السابقة بأنها ستبقى تحت سيادة اسرائيل في اطار تبادل الاراضي.
وطرحت المعطيات في موقع المكتب المركزي للاحصاء في الشبكة وهي في متناول كل قاريء، فبين 2534 الوحدة السكنية التي بنيت في يهودا والسامرة في 2013 بني الربع منها في جفعات زئيف وبيتار العليا، وخمس آخر في معاليه ادوميم وموديعين العليا. وتفسر هذه المستوطنات الاربع التي ستبقى تحت سيادة اسرائيل في كل سيناريو معقول، تفسر وحدها نصف البناء الذي أُجيز في يهودا والسامرة في العام الماضي.
إن المعطى الحاسم هو عدد الوحدات التي أجيز بناؤها خارج الكتل الاستيطانية في المناطق المخصصة للسيادة الفلسطينية في المستقبل. والذي يدل عليه تقرير المكتب المركزي للاحصاء في هذا السياق هو أنه تمت الموافقة في العام الماضي على 908 حالات شروع بالبناء في ‘مستوطنات عدد سكانها أقل من 10 آلاف في يهودا والسامرة’. وهذا تعريف يشمل مستوطنات تقع في داخل الكتل الاستيطانية مثل بيت آريه أو حشمونئيم، ومستوطنات معزولة مثل يتسهار وهار براخا ايضا. وفي الخلاصة يبلغ عدد الوحدات السكنية التي تمت الموافقة عليها خارج الكتل الاستيطانية مئات معدودة. واذا أخذنا في الحسبان أنه يسكن خارج الكتل نحو من 90 ألف اسرائيلي فان معدل البناء هذا لا يثبت حتى للزيادة الطبيعية.
جرى الحديث في وسائل الاعلام عن ‘معدل بناء عنيف’، لكن الصورة التي تبينها المعطيات تشير الى عكس ذلك بالضبط. فعدد رخص البناء التي أعطيت في العام الماضي تحت حكم حكومة نتنياهو (908) أقل بثلاث مرات من العدد تحت حكم اهود باراك في سنة 2000 في فترة كامب ديفيد. وفي 2002 أجيز تحت حكومة شارون بناء 960 وحدة سكنية جديدة قبل استقرار الرأي على اخلاء غزة بزمن قصير.
إن ميزة معطيات المكتب المركزي للاحصاء هذه أنها تعرض مجموع رخص البناء الرسمية، وهذا معطى يبين سياسة الحكومة بصورة افضل من حركة السكان المستقلة. ويدل النمط الذي تبينه معطيات السنوات الاخيرة على أن اسرائيل تحت نتنياهو تسير نحو تقسيم البلاد فثم بناء كثيف في الاجزاء التي ستحتفظ اسرائيل بها مع مضاءلة البناء في الاجزاء التي ستنقل الى السيطرة الفلسطينية.
لماذا لا يرى الرئيس الامريكي هذا؟ ولماذا لا يكرر رئيس الوزراء اعلان ذلك؟ إن المفارقة الساخرة هي أن نتنياهو ليست له مصلحة في أن يعبر عن هذه السياسة علنا لأن ذلك سيبعد عنه قاعدته السياسية، فقد اصبح ممثلو المستوطنين في الليكود ينتقدون الحكومة على ‘عدم بناء كاف’. ولارضائهم يزداد البناء في الكتل الاستيطانية وفيما حول القدس وهو شيء يفضي الى انتقاد احزاب المعارضة والفلسطينيين والرئيس الامريكي.
تجاهل الاستعراض الاعلامي لتقرير المكتب المركزي للاحصاء تماما هذه الدقائق المهمة، ومن العجــــب عدم التفرقة في الخطاب العام فيما يتعـــلق بموضــــوع الكتل الاستيطانية لأن قــراءة أدق للمــعطيات يفترض أن تشجع مؤيــدي حل الدولتين وتقلق قيادة المستوطنين.
يُستعمل النقاش فيما يتعلق بالبناء في المناطق في احيان كثيرة وسيلة للتعبير عن مواقف اخرى تتعلق باسرائيل وتقسيم البلاد أو بحكومة نتنياهو. لكن الارقام في هذه الحال تتحدث من تلقاء ذاتها.
اسرائيل اليوم 20/3/2014