لم يحلّ علينا بعد يوم الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول وقد بتنا مغمورين ومنذ عدة أسابيع بما لا يُحصى من الكتابات والمنشورات والبرامج الإذاعية والتلفزيونية والأفلام وسواها المخصّصة للذكرى العشرين للاعتداءات التي شنّها تنظيم «القاعدة» على نيويورك وواشنطن في ذلك اليوم من عام 2001. والحقيقة أن هذا الاهتمام المبالغ فيه هو عينه ضربٌ مما أسميته «التعاطف النرجسي» في كتاب حرّرته غداة الاعتداءات المذكورة وصدر في عام 2002 تحت عنوان «صدام الهمجيّات». ذلك أن إمبريالية أمريكا الثقافية هي أعظم بعد من إمبرياليتها الاقتصادية والعسكرية، تمارسها من خلال هيمنتها على أكبر وسائط الإعلام العالمية كما على الانتاج الروائي والخيالي، لاسيما أفلام هوليوود والمسلسلات التلفزيونية. والنتيجة هي أن قسماً كبيراً من العالم، وعلى الأخص بلدان الغرب التي تشاطر الولايات المتحدة هيمنتها، والطبقات الميسورة العالمية التي تشارك مثيلاتها الأمريكية نمط عيشها، كل هؤلاء يتماثلون مع أمريكا وكأنهم من أهلها.
لذا أثارت اعتداءات 9/11 صدمة نفسية وتعاطفاً مع ضحاياها لم تثرهم قط أعدادٌ أكبر بكثير من ضحايا ذلك الإرهاب الآخر الذي تمارسه الدول، وعلى رأسها الولايات المتحدة وحليفاتها (تليها روسيا منافستها). وهو تعاطف من النوع النرجسي، المبني على حبّ الذات، تعاطف مع من يعتقد المتعاطف أنه يشبهه وليس مع الشريك في الإنسانية أياً كان عرقه ولونه. والحال أن اعتداءات 9/11 ذاتها لم تكن سوى نتاج لما حلّ قبلها بعشر سنوات، في عام 1991، عندما شنّت الولايات المتحدة وحليفاتها عدواناً على العراق، لم يكتف بطرد القوات العراقية من الكويت التي كانت هذه القوات قد احتلتها في صيف العام السابق، بل دمّر العدوان الأمريكي البنية التحتية المدنية العراقية تدميراً شاملاً. ثم فرضت واشنطن على العراق حالة حصار اقتصادية تضافرت مع التدمير المذكور لتتسبّب بفائض من الموتى بلغ تعداده 90.000 كل عام حسب تقديرات الأمم المتحدة، ومنهم غالبية من الأطفال دون الخامسة من العمر.
أما المستقبل فسوف يشهد تكثيفاً للضربات الموضعية التي باتت أمريكا تمارسها بكثافة منذ أكثر من عشر سنوات بواسطة الطائرات المسيّرة والصواريخ والطيران
هذا ما كان جارياً كل عام خلال السنوات العشر التي سبقت 9/11، وهي أعداد من الضحايا نالت من الاهتمام في الإعلام العالمي ما يكاد لا يُذكر بالمقارنة مع ما لقيته أحداث نيويورك وواشنطن. هذا ويخلّد الإعلام اليوم الذكرى العشرين لاعتداءات 9/11 متناسياً أنها حصلت بنتيجة ذلك المنعطف الكبير في التاريخ العالمي الذي شهد خوض الولايات المتحدة لأول حرب واسعة النطاق منذ خروجها من فيتنام في عام 1973، هي الحرب على العراق التي شُنّت بعد 18 سنة من انتهاء الحرب على فيتنام، على خلفية احتضار الاتحاد السوفييتي وزوال انقسام العالم بين إمبراطوريتين ليقع تحت سيادة إمبريالية واحدة وحيدة، هي الامبريالية الأمريكية، خلال مرحلة انتقالية انتهت مع عودة الإمبراطورية الروسية إلى الحلبة بحلّة جديدة وصعود نجم الصين.
وكانت حرب 1991 أيضاً أول حرب شاملة تخوضها الولايات المتحدة ضد بلد عربي أو إسلامي، وهي ما حدا بأسامة بن لادن إلى الانقلاب على أمريكا، حليفته السابقة في الحرب على الاحتلال السوفييتي لأفغانستان، وتوجيه ضربات شبكته الإرهابية ضدها بما بلغ ذروته في 9/11، أكبر عملية إرهابية في التاريخ من صنف «الإرهاب غير الحكومي» (وهي التسمية المناسبة كي نتذكر دائماً أن الإرهاب الأخطر إنما هو الذي تمارسه الحكومات). هذا وقد سقط أقل من ثلاثة آلاف من الضحايا من جراء اعتداءات 9/11 لكنّ التاريخ سوف يسجّل أن وقعها الأعظم لم يكن في ما نتج عنها مباشرة، بل في ما نتج بصورة غير مباشرة، عندما انتهزت إدارة جورج دبليو بوش بمحافظيها الجدد مناسبة 9/11 لتحتل أفغانستان ومن ثم العراق، مدشّنة حقبة جديدة في تاريخ الإمبريالية الأمريكية بلغت خاتمتها الآن، بعد مضي عشرين عاماً، وأمريكا تواجه تجدّداً حادّاً في «متلازمة فيتنام» (Vietnam syndrome) وهي التسمية التي أطلقت على حالة الشلل التي أصابت قدرة أمريكا على خوض حروب مديدة على الأرض.
ومع ذلك، فلا تظنّنّ أن الحكم الأمريكي بات عاجزاً عن إلحاق الأذى بأخصامه. بل سوف يكتفي بإعادة تكييف خططه العسكرية في ضوء الدروس التي كان قد استخلصها من هزيمته في فيتنام، تلك الدروس التي صيغت في الثمانينيات وجرى تطبيقها على العراق في عام 1991، عندما دمّرته واشنطن لكنّها أبت أن تحتلّه. كان ذلك في عهد بوش الأب، وهو ما خرج عنه طوشاً بوش الابن بما أفضى إلى هزيمتين جديدتين. أما المستقبل، وكما نوّهتُ به في مقالي السابق على هذه الصفحات، فسوف يشهد تكثيفاً للضربات الموضعية التي باتت أمريكا تمارسها بكثافة منذ أكثر من عشر سنوات بواسطة الطائرات المسيّرة والصواريخ والطيران، مع التهديد المستمر بتحطيم أي بلد يهدّد المصالح الأمريكية مثلما جرى تهديم العراق قبل ثلاثين عاماً، بدون احتلاله.
كاتب وأكاديمي من لبنان
لا يُلام الذئب في عدوانه
إنّ بك الراعي عدو الغنم”
منذ عام ١٩٥٨ أُبتلي الشعب العراقي بحكام لا يجلبوا إلّا الدمار ، و جعلوا البلاد بلا أبواب
لقد غزا مغول العصر ( امريكا) عشرات البلاد من افغانستان والعراق وفيتنام والصومال وسوريا وليبيا ولبنان وغرب افريقيا وغيرها وقتلوا الملايين من شعوب هذه دول دون اي محاسبة او عقوبة تحت شعار محاربة الإرهاب
ورد في المقال “وكانت حرب 1991 أيضاً أول حرب شاملة تخوضها الولايات المتحدة ضد بلد عربي أو إسلامي” و الحقيقة انه قد سبقها حرب ١٩٦٧ التي لم تكن لتكون لولا الحماية الامريكية و حرب ١٩٧٣ التي تخللها و تبعها اكبر عملية تزويد و دعم امريكي للكيان الاسرائيلي و ضرب ايران ولبنان و ليبيا. ناهيك عن حروب طرابلس في اوائل القرن التاسع عشر ثم الفلبين.
تاريخ امريكا هو تاريخ حروب و يكفي ان تعلم ان الحرب الاهلية الامريكية 1861 – 1865 كلفت امريكا نفسها 750000 قتيل او 2.5% من عدد السكان البالغ31 مليونا آنذاك. ناهيك عما فعلوه في اوروبا
كتب الأكاديمي الأمريكي/اللبناني (جلبير الأشقر) عنوان (أيهما أخطر 11/9 أم 1991؟)، وأحب أن أضيف إلى المقارنة الرائعة، الرابط التالي عن مفاوضات (صفوان) في عام 1991
https://youtu.be/lQTtedTyLyg
وما كتبته، في موضوع، بالأمس، هل هو غباء، أو أين الذكاء، عند أميركا (الدولة)، بعد 20 عام، عنوان (الولايات المتحدة تستأنف محاكمة “العقل المدبر” لهجمات 11 سبتمبر)، والأهم هو لماذا، وما دليلي على ذلك؟!
الإشكالية بالنسبة لي هو ما صدر من ممثلي الشعب الأمريكي، تحت عنوان تقرير 911، ويقول فيه لا يجوز (معاقبة) أي أحد بحجة هناك (غش) أو (تقصير) أو (فساد) في أداء (الوظيفة)،
بمعنى آخر، هم ملائكة،
وغيرهم (شياطين)، ممن تم وضعهم في (غوانتنامو)، أو ما زالت مهزلة مفاهيم العدالة والقضاء (الأمريكي)، وكأنّ لهم علاقة بأي عدل أو عدالة،
وهنا هي المأساة أو الأزمة الأخلاقية، عند صاحب أي سلطة بلا مرجعية مثل مرجعية لغة القرآن وإسلام الشهادتين، سبحان الله، على الأقل من وجهة نظري.??
??????