أيهما أكثر أذى لإسرائيل: «سكود» الأسد أم «قسام» غزّة؟

حجم الخط
6

 

السؤال، في عنوان هذه المقالة، طرحه ألوف بِنْ، رئيس تحرير صحيفة «هآرتز» الإسرائيلية، والصحافي الخبير الذي عاصر ستة رؤساء وزارة إسرائيليين: من إسحق رابين، وحتى بنيامين نتنياهو في ولايته الثانية. المقارنة افتراضية، بالطبع، بين صاروخ فلسطيني من طراز «القسام»، محمّل بمواد انفجارية بدائية، يسقط على سديروت أو عسقلان، ويتسبب في أضرار طفيفة لا تتجاوز جرح مستوطن أو حفر طريق إسفلتي؛ وصاروخ سوفييتي الصنع من طراز «سكود»، قد يُحمّل برأس كيماوي، يمكن أن ينطلق من نقطة ما على الجبهة السورية، فيسقط على تل أبيب، ويوقع مئات الإصابات.
وفي حدود الافتراض، دائماً، يبلغ بن خلاصة قد تبدو بالغة الغرابة، للوهلة الأولى فقط: أنّ الصاروخ الأوّل، «القسام»، القادم من غزّة، بالمواصفات المحدودة المعروفة، أو حتى ضعفها، هو الأشدّ خطورة. ذلك لأنّ احتمال إطلاق الـ»سكود» يبدو بعيداً، بل مستبعداً، إذْ يعرف بشار الأسد أنّ عواقب إطلاقه سوف تعني قيام مقاتلات إسرائيلية من طراز F-16 بدكّ مواقع السلطة السورية أينما كانت، ابتداءً من القصور الرئاسية، مروراً بمختلف مقرّات الحرس الجمهوري والفرقة الرابعة والمواقع العسكرية القليلة الباقية على ولائها للأسد، والتي تشكّل العمود الفقري للنظام ومكوّناته.
ليست المشكلة، إذاً، في التكنولوجيا التدميرية للصاروخ، أو الأمدية التي يمكن أن يبلغها، بل في القرار السياسي خلف الأصابع التي تضغط على زرّ الإطلاق. وبهذا المعنى، استخلص بن أنّ الأسد أرحم للدولة العبرية من فتية كتائب عزّ الدين القسّام، وصاروخه الفتاك أقلّ وطأة من صواريخ الهواة التي يصنّعونها بموادّ بدائية وتكنولوجيا فقيرة. يكتب بن: «إذا ضغط الأسد على زرّ الإطلاق، فإنه سيستدعي من إسرائيل ردّ فعل حاداً يُلحق الخطر بنظامه. في المقابل، على نقيض الأسد، فإنّ مشغّلي صاروخ القسام في غزّة لا يمكن ان تردعهم مقاتلة الـF-16، وأيديهم لن ترتجف حين يطلقون صاروخاً آخر عبر السياج».
استطراداً، في سياقات المنطق الافتراضي إياه، يعتبر بن أنّ إسرائيل بحاجة إلى حسن نصر الله، فلسطيني غزّاوي حمساوي هذه المرّة، يضبط صواريخ القسام كما ضبط الأمين العام لـ»حزب الله» صواريخ الكاتيوشا في صفوف الحزب، جنوب لبنان. صياغة أخرى افتراضية، من عندنا هذه المرّة، ولكن ضمن روحية المساجلة ذاتها؛ تفيد بأنّ بن يتطلع إلى وضع صواريخ «القسام» قيد السياسة، وليس وضع السياسة رهينة تلك الصواريخ، على غرار السياسة التي اعتمدها نصر الله، وفرضها ونفّذها «حزب الله»، بعد ـ ولكن، أيضاً، خلال ـ سنوات الاحتلال الإسرائيلي للجنوب: سلاح واحد/ قانون واحد. أكثر من هذا، يعتبر بن أنّ الانسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان سنة 2000 لم يكن مردّه جرأة رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، إيهود باراك، فحسب؛ بل، كذلك، سياسة نصر الله في فرض «وحدة القرار السياسي»، و»وحدة السلاح»، سواء بسواء.
ويكتب بن، في مقال يُقرأ حقاً من عنوانه: «نحن نحتاج إلى نصر الله آخر»، أنّ الأخير: «لا يكره إسرائيل والصهيونية أقلّ من قادة حماس، وفصائل القسام. ولكنه، على نقيض منهم، يمتلك السيطرة ويتحلى بالمسؤولية، ولهذا فإنّ التكهن بسلوكه ممكن عقلانياً ومنطقياً. وهذا، في الظروف الراهنة، هو الوضع الأفضل لنا: إنّ حزب الله يقوم بالحفاظ على الهدوء في الجليل على نحو أفضل بكثير مما فعل جيش لبنان الجنوبي الذي كان موالياً لإسرائيل». ولأنه لا يوجد في الأراضي الفلسطينية المحتلة نصر الله فلسطيني، يتابع بن، كما أنّ الرئيس الفلسطيني محمود عباس لا يبدو زعيماً نافذاً مفوّضاً، وحكومة «حماس» لا تملك السيطرة على السلاح، أو لا ترغب في ذلك أصلاً… فإنّ صواريخ «القسّام» أخطر من الكاتيوشا أيضاً!
وفي هذا الصدد، كانت حكومة إيهود أولمرت قد أعادت، صيف 2006، احتلال ثلاث مستوطنات سبق للجيش الإسرائيلي أن أخلاها قبل نحو عام، بقرار من رئيس الوزراء السابق أرييل شارون. وكان الهدف تكتيكياً وستراتيجياً معاً، يسعى إلى تشكيل مناطق عازلة شمال قطاع غزّة، تحول دون وصول صواريخ القسام إلى عمق، أو حتى إلى تخوم، سديروت وعسقلان داخل ما تسمّيه الدولة العبرية بـ»الحزام الأمني». لكنّ سقوط «قسام» جديد في قلب عسقلان، بعد احتلال المستوطنات الثلاث وتوسيع رقعة المناطق العازلة، أعاد العملية بأسرها إلى السؤال الأمّ: هل يتوجّب إعادة احتلال غزّة، والعودة إلى المربع الأوّل الجهنمي، الذي غادره شارون على عجل وبلا ندم؟
فكيف، في استكمال الصورة، إذا كانت صواريخ «سكود» الأسدية منشغلة بالسقوط على المدن السورية، وحدها؛ ومقاتلو «حزب الله» نقلوا جغرافية «المقاومة» من القرى والبلدات المحاذية للكيان الإسرائيلي، إلى القرى والبلدات والمدن السورية المنتفضة ضدّ… الكيان الأسدي؟ وكيف، اليوم أيضاً، إذا كان صمت الحملان، وحال المتفرّج الأصمّ الأبكم الأعمى، هو ديدن سلوك «حزب الله» إزاء وحشية عملية «الحافة الواقية»، واستمرار القصف الإسرائيلي الهمجي ضدّ غزّة؟ وكيف، أخيراً، إذا كان إعلام الحزب، المباشر والأجير والتابع، منشغلاً بالتطبيل والتزمير لـ»الدور الأوّل من النظام الرئاسي الجديد»، أحدث نوبات ذلك الخبل الجماعي الذي يديره الأسد من شرنقته الضئيلة، أعلى جبل قاسيون؟
وهذه أيام ليست جديدة على السجلّ ذاته، الذي دوّن وقائع التناغم بين همجيتين: في إسرائيل، ضدّ الفلسطينيين؛ وفي سوريا، بيد آل الأسد، ضدّ أبناء البلد. ففي سنة 1981 كان مناحيم بيغن، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك؛ وأرييل شارون، وزير الدفاع وكبير الصقور؛ ويوسف بورغ، وزير الداخلية الممثل للأحزاب الدينية المتشددة؛ قد وجدوا فرصة ذهبية سانحة لإصدار قرار من الحكومة، صادق عليه الكنيست بعدئذ، وقضى بضمّ الجولان المحتلّ إلى دولة إسرائيل. كان حافظ الأسد منشغلاً، يومها، بتنفيذ مجازر جبل الزاوية، وسرمدا، وسوق الأحد وحيّ المشارقة في حلب، وساحة العباسيين في دمشق، وسجن تدمر… ولم تكن الفرصة متمثلة في انشغال جيش النظام بمعاركه ضدّ الشعب السوري، إذْ كانت الحكومة الإسرائيلية واثقة تماماً أنّ الأسد الأب لن يحرّك ساكناً في كلّ حال؛ بل لأنّ ضمّ الجولان سيمرّ دون حرج دبلوماسي، ودون تعاطف دولي مع نظام يذبح مواطنيه في طول سورية وعرضها.
وفي مثال أحدث، على صلة بعدوان إسرائيلي آخر ضدّ غزّة، وقع أواخر 2012؛ كان السذّج وحدهم هم الذين غفلوا عن حقيقة أنّ مخطّطي العمليات الإسرائيلية وضعوا في الحسبان فرصة استغلال سياقات معيّنة تشهدها المنطقة، قد تساعد في تخفيف الضغط «الأخلاقي» الذي قد يخضع له جيش العدوان الإسرائيلي في ناظر الرأي العام العالمي. في عبارة أخرى، أية مقارنة حسابية بين أعداد شهداء غزّة، جرّاء القصف الإسرائيلي، وأعداد شهداء سوريا، جرّاء قصف النظام السوري لعشرات المناطق الآهلة بالسكان… سوف تنتهي لصالح القصف الأوّل: أقلّ من عشرة فلسطينيين، مقابل أكثر من مئة سوري! أيضاً، في أبعاد أخرى سلوكية وأخلاقية، سوف يبدو من حقّ جنرال إسرائيلي أن «يتفاخر» بالحصيلة، قياساً على سلوك أيّ من جنرالات الأسد!
ومع حفظ الفارق بين عدوان «وطني»، يمارسه استبداد سوري محلّي؛ وآخر صهيوني، تمارسه دولة معادية قامت على العدوان والاستيطان والعنصرية؛ فإنّ تمييز الضحية السورية عن تلك الفلسطينية هو شأن ذلك الدجل «الممانع»، مضرّج الوجه واليد واللسان بدم الشعبين معاً.

٭ كاتب وباحث سوري يقيم في باريس

صبحي حديدي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول adem:

    الاجابة على سؤالك الأخطر على اسرايل ليس السكود السوري او القسام الغزاوي بل الاخطر على اسرايل هم جرحى الثوار السوريين الذين يعالجون في اسرائيل والذين استنزفو مخزون اكياس الدم من مستشفيات اسرايل

  2. يقول رياض العراقي استراليا:

    ليس للنظام السوري الممانع للقيام بأي دور شريف اتجاه شعبه وامته والداعم للتوجهات الطائفية الفارسية المعادية للامة العربية وما على ارضها من البشر.فهذا النظام الخائن للعروبة قد مارس ارذل الاعمال واخسها ضد الشعبين العراقي والفلسطيني في الثمانينات عندما دعم المليشيات الطائفية التابعةلايران لضرب المقاومة الفلسطينية ومحاصرتها والمجازر التالية،ومن منا لا يتذكر الدعم العسكري والاعلامي الذي قدمه للنظام الفارسي الديني المتخلف والعدواني ضد العراق من خلال ارسال الصواريخ والاسلحة المختلفة لضرب العاصمة الحبيبة بغداد وكأنه يرد الجميل لجييش العراق الذي حمى دمشق من السقوط بيد الجيش الصهيوني خلال حرب التحريك التشرينية وكذلك غلق انبوب تصدير النفط العراقي عبر الاراضي السورية،والان في عمل اجرامي مخز يتحالف هذا النظام المجرم مع النظامين العراقي والايراني ويقوم طيرانه وطياريه الجبناء بقصف الاحياء السكنية في المناطق المحررة في شمال وغرب العراق وايقاع المئات من المدنيين الابرياء بين قتيل وجريح وهو بذلك يرد على طيران الكيان الصهيوني عندما اسبتباح قصره والمدن السورية بكل منشآتها وفي أي وقت كأنما هم ذاهبون في نزهة الى بلاد الشام.هذا النظام الفاسد وفي اخر اتفاق بينه وقاسم سليماني مسؤول ملف العراق في النظام الايراني وقعوا اتفاقا في دمشق لتقديم الدعم الكامل للنظام الطائفي المتخلف في بغداد لانقاذه من السقوط على يد ابطال الثورة العراقية الكبرى لازالة مفرزات الاحتلال الامريكي الايراني المجوسي وهو يوم النصر العظيم القادم قريبا وقريبا جدا فالثوار الابطال على على ابواب بغداد.

    1. يقول عربي مسلم:

      صدقت أخي رياض العراقي …تحياتي لك و لصبحي الحديدي …الكاتب الصحفي الصادق و المتميز …

  3. يقول رضا:

    شكرا ADEM , إجابة في الصّميم و إصابة في مقتل

  4. يقول كامل:

    تحية لا استاذنا الكبير صبحي حديدي
    لقد قالوها مسئولين كبار في جيش الاحتلال بان بشار الاسد ملك ملوك اسرائيل فماذا تتوقع من طاغية توغل بقتل شعبه بمساعدة ايرانية اسرائيلية روسية ولا ننسى حزب الله في لبنان.
    لو تجرا وهذا مستحيل بان يقذف حتى فتاشة كما يقولون بسوريا لخسر كرسيه بعد ان خسر سلاحه الكيميائي.

  5. يقول مصطفى من الجزائر:

    عد الى وطنك ان كنت سوريا وشارك في انقاذه .فان استمرت الحرب على سوريا سيؤول مصيرها الى مصير العراق أو مصير ليبيا سواءفي حكم الأسد أوغيره.فالأعداء يتربصون بها .
    انسوا الأحقاد يا مفكري سوريا وعلمائها .

إشترك في قائمتنا البريدية