“الكويت واقعة على مثلث برمودا”، التعبير يعود لأحد المحللين الكويتيين، وقد يكون الأكثر دلالة على حجم التحدّيات السياسية للقيادة الكويتية التي تسير في حقل من الألغام المحيطة بها، والتي تستدعي دوماً التعامل بحكمة ودقة لحماية بلادها من ارتدادات الصراعات الإقليمية على وجودها وتكوينها المجتمعي. ذلك أن موقعها الجغرافي وحاجة الشقيق الأصغر إلى الأكبر في محيطها الخليجي العربي يجعلها جزءاً من الصراع، سواء أرادت أو لم ترد ذلك.
ليس جديداً على أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح حنكته السياسية في التعامل مع أزمات الداخل والعلاقة بين المؤسسات، لا سيما بين مجلس الوزراء ومجلس الأمة، حتى لو أدى ترف “الاستجوابات البرلمانية” للوزراء في الحكومة إلى آفاق مسدودة تدفع بالأمير إلى إجراء تعديلات وزارية حيناً أو حل البرلمان حيناً آخر.
فالكويتيون الذين يجاهرون بتمسكهم بحكم آل الصباح بوصفه صمّام أمن البلاد، يعتبرون أن النظام الديمقراطي ومناخ الحرية الذي يظلله، هو “الأيقونة” الكويتية التي تحمي وطنهم. فليس بالأمر البسيط أن يحدث في الخليج استجواب وزير من أبناء الأسرة الحاكمة وأن يتم نزع الثقة عنه. هذا دليل على أن الحياة الديموقراطية في الكويت مستمرة، وسط منطقة يحوطها الغليان ومخاطر الأفكار المتطرّفة التي شكل تنظيم “داعش” أحد نماذجها ولا يزال.
وليست جديدة أيضاً شخصية أمير الكويت التي تمنحه القدرة، في وقت المحن والصعاب بين الأشقاء، على التدخل لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر بينهم. هو الدور الذي يواصل القيام به منذ أن نشبت الأزمة الخليجية بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة ثانية، ويبدي عزماً على استمرار المحاولة بغض النظر عن التعقيدات التي تشوب هذا الملف.
وإلى الأزمة الخليجية، واصلت مساعيها لتعزيز فرص الوصول إلى الحل في اليمن. فتولّت نقل الحوثيين من صنعاء للمشاركة في محادثات السويد، وأعلنت عن استعدادها مجدداً لاستضافة جولة جديدة من المفاوضات لدفع مسار الحل إلى الأمام.
لكن الخطوة التي ميّزت الكويت عام 2018 كانت استضافتها مؤتمر إعادة إعمار العراق، لا سيما المحافظات المحررة من تنظيم “داعش” والتي دُمّرت عن بكرة أبيها وهُجّر أهلها. قامت القيادة الكويتية بهذه الخطوة على الرغم من أصوات معترضة من الداخل على المبادرة باتجاه جار غزا، قبل عقود، الكويت واحتلها وهجر أهلها، وكانت كلفة تحريرها باهظة الثمن سياسيا وعسكريا عليهم وعلى المنطقة وشعوبها. لكن رؤية أمير الكويت تنطلق من رغبته في فتح صفحة جديدة مع العراق بعدما تمّت تسوية كل التداعيات التي نجمت عن الغزو العراقي لبلاده، ومن إيمانه بأن عودة العراق إلى عمقه الخليجي مصلحة وطنية بلا شك، وأيضاً مصلحة عربية.
وحيث لم تغب تعهداتها كإحدى الدول المانحة لدعم الأوضاع الإنسانية الناجمة عن الأزمة السورية، فإنها اختتمت سنتها بتأكيد مدى التزامها بالقضايا العربية المحقة، وفي مقدمها قضية فلسطين، رغم المرارة التي لا يزال يُعبّر عنها الكويتيون نتيجة وقوف منظمة التحرير الفلسطينية مع الرئيس العراقي صدام حسين في غزوه للكويت، حيث تصدّى المندوب الكويتي في مجلس الأمن لصدور بيان أممي قدمته واشنطن يدين حركة “حماس” على خلفية أحداث غزة الأخيرة.
وفيما تدخل الكويت عاماً جديداً، لا يبدو واضحاً مدى نجاحها في تأكيد وجودها خارج لعبة المحاور في المنطقة، خصوصاً حين يستعر الصدام ويصبح المطلوب هو تحديد الخيارات. لا تعود الوسطية خياراً ممكناً، ولا يعود اللون الرمادي مقبولاً. فإما “أبيض أو أسود”.
هذا مأزق الدول الصغرى: الخيار يكون قاتلاً تماماً كما “اللاخيار”! حتى الآن نجحت الكويت في تجنّب الكأس المرّة، فهل ستكون قادرة، مع تلك الغيوم السوداء في المنطقة والملبدة فوق المثلث الإيراني – العراقي – السعودي، على أن تنجو من خيار الاصطفاف والأثمان المترتبة عليه؟