أي سمعة لتونس اليوم؟!

حجم الخط
15

أكتب تونس أو قيس سعيّد في أي خانة بحث وانتظر النتائج:
الرئيس التونسي يحل المجلس الأعلى للقضاء، القضاة يرفضون ويهددون بالتصعيد، أحزاب تونسية تندد بعودة الاستبداد، مظاهرة لحراك «مواطنون ضد الانقلاب» سفراء مجموعة الدول السبع الكبرى يعربون عن قلقهم من حل المجلس الأعلى للقضاء، كذلك الأمين العام للأمم المتحدة والخارجية الأمريكية، مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي يقول إن الاتحاد يمكن أن يبحث قريبا تعليق المساعدات المالية للحكومة التونسية، بيانات إدانة متلاحقة من «منظمة العفو الدولية» و«هيومن رايتس ووتش»وغيرهما، لا تقدم في مفاوضات تونس مع صندوق النقد الدولي، المنتدى الاقتصادي العالمي يحذر من مخاطر كبرى تهدد تونس من بينها انهيار الدولة، أزمة في المالية العمومية، تأخر محير في صرف الرواتب، إقبال ضعيف على استشارة إلكترونية غريبة….إلخ.
هذه هي أخبار تونس اليوم، لا يوجد عنوان إيجابي واحد يمكن أن تعثر عليه في الصحف أو مواقع التواصل أوصفحات مراكز البحث والدراسات، أو نشرات الأخبار في الإذاعات والتلفزيونات العالمية، مع تساؤلات حائرة عن مستقبل البلاد.
ربما لم تكن يوما صورة تونس في الخارج والحديث عنها في البيانات الدولية والإعلام بمثل هذا الاتساع والسوء، ومع ذلك فالسلطة في تونس إما أنها غير واعية بخطورة ذلك أو أنها لا تعبأ، به وكلاهما أخطر من الثاني. ما رأيناه إلى حد الآن هو أن سعيّد يستهزئ مرة بالتصنيف الائتماني لبلاده، ومرة بالقلق الذي أعرب عنه سفراء الدول الكبرى السبع من حل المجلس الأعلى للقضاء، مشيرا في كل مرة إلى أن تونس حرة وذات سيادة حتى يكاد يقترب بحديثه هذا الحماسي من قادة عرب وأجانب دخلوا في مساجلات مع دول كبرى أدت إلى حالة عداء أو حروب، مع أنه، هو نفسه، لم يتردد أكثر من مرة في الخوض في قضايا بلاده الداخلية مع قادة وسفراء أجانب.
ما يزيد من عبثية ما يجري أن تونس ليست بلدا غنيا قادرا على الاستغناء عن الآخرين، على افتراض أن الدول الغنية تستغني عن غيرها، بل هي دولة استقرت منذ استقلالها عام 1956 على أن تحافظ على علاقات جيدة مع الجميع.

دولة يحكمها باعتباطية شديدة مزاج رجل واحد، صرح أخيرا أنه «يعرف ويفهم التوازنات الدولية» لكن لا شيء يدل على ذلك أبدا خاصة عندما نراه يوميا بصدد تحويل تونس، بسياساته الغريبة وسلبية معظم التونسيين تجاهها، إلى «دولة الأخ القــائد»

أول رئيس لها الحبيب بورقيبة كان يدرك ذلك جيدا، فهو رغم علاقاته المميزة مع فرنسا والمعسكر الغربي عموما، لم يدخل في أي عداء مع المعسكر الشرقي، كما أن علاقاته العربية ظلت متوازنة ويده ممدودة إلى الجميع، ما عدا أزمات محدودة لم تخرج عن القنوات الدبلوماسية إلا نادرا، وكذلك كان زين العابدين بن علي حتى غدت تلك الخطوط العريضة الكبرى سياسة الدولة التونسية مهما كان رئيسها.
تونس بلد صغير، لا ثروات كبرى لديه، يعتمد بالأساس على ثروته البشرية والسياحة والقطاع الزراعي والفوسفات وبعض النفط، ولهذا كان طوال تاريخه يعوّل على أفضل العلاقات الاقتصادية والتجارية مع الشرق والغرب. وحتى حين ساءت علاقات بورقيبة أو بن علي بهذا الطرف أو ذاك، فإنها عموما ظلت في شكل حملات إعلامية لم ينخرط فيها مسؤولو الدولة الكبار، فما بالك برئيس الدولة، فضلا عن أن البلاد لم تكن حينها بمثل ما هي عليه الآن من هشاشة اقتصادية وانسداد سياسي وحيرة اجتماعية.
هل من الشعور العالي بالمسؤولية الوطنية العليا أن يطلق أي رئيس دولة مسؤول العنان لبعض العنتريات وهو في أشد الحاجة إلى علاقات جيدة مع الولايات المتحدة، صاحبة القول الفصل في صندوق النقد الدولي وغيره من الهيئات المالية الدولية؟! وفي أشد الحاجة إلى أفضل العلاقات مع الاتحاد الأوروبي وكل دوله ومنها فرنسا المستثمر الأجنبي الأول في البلاد ؟! وفي أشد الحاجة إلى دولة مثل تركيا التي عاد كثيرون من خصومها السابقين إلى مد الجسور معها، وخصّوا رئيسها بأعظم الاستقبالات؟! أو قطر المستثمر العربي الأول في البلاد؟! خاصة حين لم يأت لدعمه من كان يظن أنهم سنده في ما أقدم عليه من انقلاب على الدستور والمؤسسات ومن بعثرة كاملة للمشهد السياسي والقانوني للبلاد. تونس في حاجة إلى الجميع وكانت دائما تدرك أن ليس من مصلحتها أن تصطف مع أحد أو تعادي أحدا.
لم تكن سمعة تونس في الخارج يوما بمثل هذه القتامة التي عليها اليوم، و لا بمثل هذه العزلة الدولية مع تساؤلات كثيرة يطرحها الكتاب والمحللون حول مستقبل البلاد إن هي ظلت على هذا النهج.
سمعة تونس رأسمال حقيقي لا يقدر بثمن ومن المحزن جدا أن يتحوّل صيتها العربي والعالمي من دولة ملهمة في التحول الديمقراطي والبناء المؤسسي، رغم كل الشوائب والعثرات، إلى دولة يحكمها باعتباطية شديدة مزاج رجل واحد، صرح أخيرا أنه «يعرف ويفهم التوازنات الدولية» لكن لا شيء يدل على ذلك أبدا خاصة عندما نراه يوميا بصدد تحويل تونس، بسياساته الغريبة وسلبية معظم التونسيين تجاهها، إلى «دولة الأخ القــائد» وفق وصف الرئيس السابق المنصف المرزوقي.

كاتب وإعلامي تونسي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    أغلب التوانسة مع سعيد!
    الدليل هو بالأعداد القليلة للمتظاهرين ضده!! ولا حول ولا قوة الا بالله

    1. يقول بيان:

      هذا المنطق لا يصلح كمقياس . وإذا أردت إعتماد أعداد المتظاهرين كمقياس، فقارن بين أعداد ألمتظاهرين المعارضين، ومعظمها بالالاف، وبين اعداد المتظاهرين المؤيدين التي هي بالكاد بالعشرات. أم تراك صدقت سعيّد عندما قال أن مليون وثمانية ألف تظاهروا لتأييده.
      أما عن سمعة تونس فإن أكبر عار يلطخ سمعة تونس حاليا، لم يذكره كريشان، هو أن تونس يقودها شخص مثل سعيّد. الرجل ي}لف أيات قرأنيةن ولا يعرف المليون من المليار ولا يعرف ما هي مؤسسات التصنيف السياديّة، وكذب حين إدعي محاولة إغتياله بظرف مسموم، وثبت كذبه وقال أن الإحتلال الفرنسي لتونس لم يكن إحتلالا بل حماية…..

  2. يقول المتشاءم:

    الخطير في الأمر أن قيس سعيد تم استقطابه من طرف النظام الجزائري للدخول في التحالف مع روسيا، مما يعرض البلد لتجاذبات الصراعات الدولية. ، التي ستحدث اضطرابات مزلزلة ، مثل ما هو عليه الحال في ليبيا و سوريا و العراق و لبنان و اليمن.

  3. يقول اثير الشيخلي - العراق:

    نعم للأسف….بعد مصر لم تعد تونس هي تونس التي في خاطري !
    يبدو واضحا المخطط الجهنمي ، هي عملية تأديب شاملة لمن حققوا أفضل تجربتين فيما بدا انه اكبر نجاحين للربيع العربي !!

    اصحاب هذا الخطط يريدونن أن يقولوا لنا لا تفرحوا كثيرا و لا طويلاً…
    هاكم السيسي و هاكم خلف السبسي و إياكم أن تفكروا في ربيع عربي من جديد ..إياكم!
    ..
    لكن هؤلاء لا يعلمون أن الله غالب على أمره!

  4. يقول S.S.Abdullah:

    اسمح لي بتمام الاختلاف معك يا سي (محمد كريشان)، كممثل إلى مهنة الإعلام، بالذات، في عنوان (أي سمعة لتونس اليوم؟!)، لأن من وجهة نظري، الإشكالية في زاوية الرؤية، تجاه مفهوم الدولة، أو مفهوم الموظف في الدولة، وكأن يجب أن يكون الرياء أو التمثيل أو النفاق هو الأساس،

    وليس الإنجاز في زمن مُحدّد، حتى يمكن حساب أي تكاليف، لكي يمكن إنتاج إقتصاد منافس لدول الجوار، على الأقل، حتى يأتي أهل العقل والمال المُنتج، للإنتاج في (تونس)،

    بدل غيرها في سوق العمل في أجواء العولمة بعد عام 1945، حيث لا شفاعة أو محسوبية أو واسطة كرشوة لفلان، وبالتأكيد على حساب علان، أليس كذلك، أم لا؟!

    الفوضى الخلّاقة، التي كان يعيش فيها، مُمثلي الديمقراطية بقيادة (الغنوشي)، هل هي منطقية أم موضوعية، أو فيها أي شيء من الإنتاج، غير الفوضى؟!

    في مصر، أضطر (عبدالفتاح السيسي) يوم 3/7/2013، حتى (يمنع) سلسلة فوضى المطالبات، بحق كل إنسان أو أسرة أو شركة، تم التعدي على حقوقه في الدولة، بداية من الرئيس (محمد نجيب) بعد الإنقلاب عليه، أن ينقلب على الرئيس (د محمد مرسي)، بينما الرئيس (قيس سعيد) لم يفعل ما فعله الإجرام (الفرعوني)، ضد كل التيارات والأحزاب،

  5. يقول S.S.Abdullah:

    التي رفضت موضوع (هيبة (فرعون) الدولة)، فما الخطأ في ذلك، يا سي (محمد كريشان)؟!

    أنا لدي حل، لزيادة الإيرادات في دولة الحداثة للإنسان والأسرة والشركة المنتجة للمنتجات الإنسانية وبالتالي الدولة، ويمكنك طلب عنواني، من إدارة وحوكمة موقع جريدة القدس العربي،

    لو لكما رغبة في مساعدة (تونس) بنقلها إلى تنفيذ سوق صالح (الحلال)، كمنافس لسوق حكمة الصين (علي بابا) أو منافس لسوق فلسفة أميركا (الأمازون)، في دائرة البريد التابعة لوزارة الاتصالات، في أي دولة.??
    ??????

  6. يقول سامح //الأردن:

    *للأسف (تونس) تتجه نحو المجهول في عهد هذا الرئيس سعيد الذي يتخبط..؟؟؟!!!
    حسبنا الله ونعم الوكيل في كل فاسد مستبد.

  7. يقول جلال:

    الهدف الحقيقي من وراء دعم هذا المستبد هو القضاء على حركة النهضة كما فعل السيسي بحركة الإخوان، والرجوع بالحكم إلى ما هو متعارف عليه بين العرب: حكم استبدادي يحكم بالقمع وقوة السلاح..

  8. يقول محمد:

    مع تحياتى للاخ محمد كريشان …….
    اذا كان ما تقوله هو الصحيح لماذا لم نشاهد الشعب التونسى العظيم الملهم والقوى والقادر على القضاء على اى حاكم يخرب تونس او يرجعها الى الوراء
    لماذا الشعب التونسى لم يقوم بمظاهرات مليونية حتى الان ضد قيس سعيد ؟؟؟؟.
    هل بسبب ان الشعب التونسى يؤيد قيس سعيد فى كل قراراته او ان الشعب التونسى بالخبرة يعرف ان الافضل ان يكون قيس سعيد بالسلطة وليس النهضة او الاحزاب التى ضد قيس سعيد ……..
    هل عدة الاف او مئات يقوموا بمظاهرات ضد قيس سعيد تكفى ؟ ؟؟
    مع تحياتى لك

  9. يقول alaa:

    تونس الخضراء وشعبها البطل قاموا بثورة سلميه من اجل الحرية ورفض الديكتاتوريه

  10. يقول إبن آكسيل:

    تونس بخير و الدليل جميع العالم يريدها أن ترجع تحت حكم الظلاميين ….لكن هيهات هيهات …لنا اليوم رئيس نزيه و و طني و إصلاحي ….

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية