حصل الكاتب إبراهيم عيسى على سمعة متميزة في مجلة «روز اليوسف» التي كانت أعدادها تنفد بمجرد صدورها، وكان وجودها في أكشاك الصحف والمكتبات لا يتجاوز بضع ساعات على أفضل تقدير، وبدأ تجربة أخرى شغلت أوساط الإعلام في مصر مع جريدة «الدستور» في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وحفلت هذه الصحيفة بمواد كثيرة تعرضت للتاريخ المصري والعربي، وللتراث الإسلامي، فناقشت مواضيع مثل شخصية صلاح الدين، وقدمت فيما قدمت روايات أخرى تعرض لسيرته بوصفه ديكتاتوراً مستبداً، وكانت هذه المراجعات تثير نقاشات واسعة في أوساط نخبوية وعامة، وفي سنوات قليلة تحول عيسى إلى رقم صعب في الإعلام المصري، وأحد آباء المهنة بالنسبة للجيل الجديد من الصحافيين، وأصبحت صورته في ميدان التحرير أثناء ثورة يناير 2011 تعطيه مزيداً من الشرعية في ذلك الوقت.
في بضعة أشهر بعد الثورة، وأثناء حكم الرئيس محمد مرسي، تماهت مواقف عيسى مع الدولة العميقة، التي ناصبت تجربة الرئيس القادم من صفوف الإخوان المسلمين العداء، وراهن عيسى على موقف الجيش، وعلى وزير الدفاع الذي أصبح مرشحاً رئاسياً في فترة وجيزة، بوصفه ممثلاً للدولة المدنية، متناسياً ومتجاهلاً، حقيقة الدائرة المغلقة التي تقوم في جوهرها على الإقصاء والتهميش أياً كانت هوية السلطة، وتحولت رؤى عيسى من النضال في إنشاء وعي جمعي من خلال دور تنويري، إلى فرض مدنية الدولة، التي توظف أدوات فوقية وسلطوية تفرضها على المجتمع، وتغيبت عن ذاكرة عيسى، نماذج كثيرة لم تفلح في فرض هذه التوجهات وتأصيلها في المجتمع، مثل علمانية أتاتورك وبورقيبة.
التغيير يختلف عن التنوير، فالتغيير يمكن أن يمضي في أي اتجاه، أما التنوير، وهو الصعب والتحدي الحقيقي الذي يحتاج إلى أستاذية وبطولة
المفكر يحب السلطة، أفلاطون نفسه سعى إلى تطبيق تجاربه في تأسيس المدينة الفاضلة، بالتواصل والتقرب من بعض الحكام، ولكن التجارب التاريخية كلها أثبتت فشلها، وحتى امبراطور فيلسوف مثل ماركوس أوريليوس، فإن مشروعه الفعلي من أجل الإمبراطورية كان يتمثل في توريث ابنه غير المؤهل كومودوس ليدشن الأخير عصراً كارثياً وحرباً أهلية في روما. ثقافة عيسى الغارقة في نماذج كتب العصور الوسطى، التي حفلت بالنوايا السياسية، والعيوب التوثيقية، والميل إلى الروايات الشفهية، والتي يمكن أن تنتقد بصورة جذرية تفكك مرجعيتها من الأساس، إذا أعملت أدوات نقدية معاصرة في تتبع مصادرها، جعلته يناصب التراث عداءً جذرياً متعصباً، ويظهره بوصفه متعصباً ليبرالياً، لا يمنعه أو يردعه شيء عن التحالف مع السلطة، بعد تسويق مشروعه المتخيل حول دولة مدنية لا يعرف منها إلا أنها دولة تنبذ الدين وتقصيه إلى الوراء، أما عن بقية مستلزمات هذه الدولة من، حرية وديمقراطية فعيسى يمكنه أن يمنحها صكوك المغفرة، ويلقي بنفسه في خضم تحالفات السياسة وتسوياتها وتنازلاتها. آخر ما جادت به قريحة عيسى هو حديثه عن مصر متخيلة لم تكن يوماً موجودة، حسب ما تظهره الأعمال الروائية والدرامية، والدراسات العلمية والتاريخية، فيتحدث عن الجدات اللواتي كن يرتدين ملابس السباحة على النمط الغربي (المايوه) قبل ما يصفه بالغزو الوهابي لمصر، في تعبير عن رؤيته التي تختزل مصر طبقياً في مجتمعات محدودة، استطاعت أن تستحوذ على الجانب المرئي من المجتمع وفضائه العام، ولكنها لم تكن تعبر عن مصر الفقيرة والمتعبة والمرهقة، عن ملايين من البشر لم يتمكنوا من الحصول على عطلة لأسابيع أو أيام في المصايف الساحلية من أجل الترفيه عن أنفسهم وارتداء ما يستهويهم.
المرأة المصرية في بدايات القرن العشرين كانت أمينة زوجة السيد أحمد عبد الجواد في ثلاثية نجيب محفوظ، مضطهدة وغير صاحبة رأي، وتخشى الخروج من المنزل، وبعد تثوير المرأة فإن المستفيدات من الوضع الجديد، الذي عززته الثورة كان يتركز في نساء المدن، والطبقة الوسطى، ومع أنها كانت أوسع مما هي عليه الآن، إلا أنها لم تشكل يوماً السواد الأعظم بين المصريين، وبقيت المرأة تعيش في أجواء وصفها يوسف إدريس في أعماله ومقالاته، بعيدة كل البعد عن النموذج الذي يتخيله عيسى والذي وصل إلى ذروته في الستينيات والسبعينيات، وقبل التحالف الذي عقده السادات مع الجماعات الإسلامية للقضاء على بقايا المشروع القومي، الذي قوضته هزيمة 1967، وهو المشروع الذي كان يقدم تصورات جديدة للمرأة. يكثر عيسى اليوم الحديث عن المشروع الوهابي، ومع أن أثره في إحداث تحولات اجتماعية من خلال سيطرته على الكثير من الأدوات الإعلامية يبدو واضحاً، إلا أن ذلك المشروع لم يكن ليحقق التقدم إلا على أرضية التراجع للمشروع النقيض، وفي المقابل، وبعد أن أصبح الغزو الوهابي اليوم يتراجع أمام إجراءات كثيرة تتخذها دولة مركزية في المنطقة مثل السعودية، فإن ما يحول في المقابل عن محاصرته هو مشروع حقيقي بديل، مشروع يمكن للإنسان العربي أن يراه تحقيقاً لأحلامه وطموحاته في حياة كريمة، وهو المشروع الذي يفشل الليبراليون في تقديمه إلى اليوم، ويقاربونه بصورة خاطئة، صورة الأقليات والهويات الفرعية التي تجعل من الإنسان العادي مغترباً عن كل ما يحدث، وعلى العكس، فإن ما يراه من عناية بالأقلية واسترضاء لميولها، عاملاً لإحداث التوتر والمقارنة، وتضحية بالجوهري من أجل الشكلي. يوجد تطور تاريخي يتفاعل مع الظروف الاجتماعية، ففي أوروبا نفسها كانت تفرض قيود صارمة على الملبس في العصر الفيكتوري، وحدثت ثورة اجتماعية مناهضة واسعة، وبقيت جيوب تقاوم هذه التحولات، وفي الولايات المتحدة الأمريكية ما زالت تعيش مجتمعات متعصبة ومتزمتة مثل الآميش، وتوجد مجتمعات مشابهة في أوروبا، ومباشرة الحديث عن حق المرأة في ارتداء ما تشاء من ملابس، وحق الفرد بشكل عام في ممارسة حياته الشخصية بالصورة التي يراها مناسبة، هو أمر مهم، والأهم هو تأصيل هذه الحريات في الوعي الجمعي، وحماية الحقوق الفردية بصورة قانونية، ولكن المشكلة أنه لا يمكن الحديث عن حرية الملبس بصورة منعزلة عن حرية الرأي والتعبير والعمل السياسي، لأن ذلك يولد مجتمعاً متناقضاً وآيلاً للسقوط في التاريخ والتلاشي في الجغرافيا. ما الذي يريده عيسى، استعادة حقبة الستينيات المنفتحة كما يراها، هو أمر موجود أصلاً في الأوساط الاجتماعية الجديدة ومظاهره واضحة على الشواطئ، ولا يصادر أحد حرية الناس في ذلك، أم يريد أن يجرم الحجاب كما كان يحدث في تركيا أتاتورك، وهل يرى ذلك أسلوباً ناجحاً؟ هل يراه تأسيساً لدولة مدنية حقيقية؟ يمكن لعيسى أن يطوب نفسه على تغيير يقوم على الشكل لا الموضوع، وكثير من أدوات الإعلام تحتفي بما يقدمه ويقوله، ولكنه لن يكون تنويرياً مؤثراً، لأنه لا يمتلك سوى مجموعة من المسميات التي يحاول أن يبحث لها عن تطبيقات واقعية، بعد أن أغراه اقترابه من السلطة والنفوذ وجعله ينصرف عن معركة التنوير الحقيقية، من خلال المواجهة العقلانية التي تراعي السياق التاريخي والاجتماعي للتغيير، وهي مسؤولية المجتمع المدني بمفهومه الواسع من المدرسة إلى النادي إلى الحزب إلى النقابة، وهو ما يتجاهله ويحيده عيسى بصورة كاملة، لأن أعضاءه، الذين يمثلون المجتمع ككل، لا يمكنهم الارتقاء لفكره ولا فهم افتراضاته ولا العيش في نواياه.
التغيير يختلف عن التنوير، فالتغيير يمكن أن يمضي في أي اتجاه، أما التنوير، وهو الصعب والتحدي الحقيقي الذي يحتاج إلى أستاذية وبطولة، فالمهمة صعبة لا تتحقق بمجرد الاستيلاء على ساعات من البث التلفزيوني وهامش خاص من الحرية.
كاتب أردني
حتى لو افترضنا أن المصريات كن يلبسن المايوه، فماذا استفادت مصر من هذا العري؟
ما يغيض هؤلاء أن العربية لا تريد ان تكون ‘ سلعة جنسية’ ، رغم كل ما سخره الوكلاء للايقاع بالعربية في مهاوي ” الجنسنة” الا انها لا زالت تلجأ و تأوي الى الفطرة.
و دعني اسأل هؤلاء : كيف ستكون حياة اسرة لو ابيح فيها كل محظور و محرم دينيا؟ احتفاظ المجتمع العربي باخلاقة سببه رفض نسائه التجاوب مع دعوات اللبرلة و التغريب و الجنسنة!!
اذكر قبل بضع سنوات ان التقيت إيرانيا ليبراليا يعيش في اوروبا وقال لي الامر نفسه الذي تفضلت به تقريبًا .
وبرأيي إبراهيم عيسى ليس أكثر من مثال ساطع على الوصف البليغ الذي نحته ادوارد سعيد وهو ” الوكيل المحلي ” .
ادهشتني ايزيس سيد القمني، في رأيها وأفكار والدها واعترافه بأنه كاااااافر، زخم من أفكار تجعل الشخص يشعر بأن يوم القيامه اقترب.. انا متابع هذه الفيديوهات علي اليوتيوب..
السلام عليكم / احسنتم
(1)..
معظم كلام ابراهيم عيسى ما هو إلا هذيان و افتراء و هذا الأخير المثال الساطع على ذلك، لانه لم يكن المجتمع المصري و الصعيدي خاصة عبر تاريخه خارج نطاق المجتمع المحافظ و المتحفظ
و ان نساءه كن دوماً من المحافظات على اللبس المحتشم و كن أكثر تحفظا في تلك الفترة التي قصدها منهن اليوم،
لأن النقاب كان في تلك الفترة هو السائد بينما اليوم ظهور الوجه و الكفين بات أكثر،
وفي العموم لم يخرجن يوماً عن لباس الحشمة و غالباً بالزي المحترم المقبول شرعاً و عرفاً ..
..
اما نساء المدن الكبرى و الحواضر فنعم كن اكثر سفوراً و تكشفاً و لكن كذلك لا يمكن تعميم ان الاغلبية كن بالبكيني و الميني جيب و الكت كما صرح المومأ إليه
ناهيك عن أن التصوير بحد ذاته في تلك الفترة لم يكن ترفاً متاحاً للجميع كما اليوم ناهيك عن قلة قليلة فقط من الفئة التي يمكن ان توصم بالمتحررة ممن كن يسمحن اصلاظ بتصويرهن بتلك الازياء الكاشفة حتى لو كن يلبسنها
هذه الصورة الكاشفة كانت فقط في بعض الأفلام و من ممثلات معدودات اشتهرن بالتبرج الصارخ و بما يسمى أدوار الإغراء او راقصات في نوادي ليلية!
و كانت التي تخرج عن الطريق السوي توصم بأنها “أرتيست” تشبيهاً لهن باولئك كوصف قبيح!
..
يتبع لطفاً..
(2)..
تتمة..
.
و كان على ابراهيم عيسى ليثبت كلامه ان يرينا صور للسيدتين الفاضلتين والدته و جدته بالبكيني (ان وجدت)!
…
و لو افترضنا جدلاً انه يوجد بالفعل هكذا صور بل لو افترضنا ان جميع نساء مصر و العالم العربي بأكملهن من تلك الحقبة ارتدين البكيني و الازياء الكاشفة و سبحن علانية على الشواطئ، فهل سيصبحن بهذا السلوك مصدر من مصادر التشريع لزي المرأة الذي اراده الله؟!
سلوك الكثرة ( بإفتراض انه كذلك) ليس بالضرورة دليل على أنه السلوك الصحيح!
(3)
..
و بمقارنة بسيطة، اريد ان اسأل، من كن أكثر حرية في اتخاذ قرارات تخصها، نساء تلك الحقبة ام نساء زماننا هذا الذي نعيشه؟!
الجواب واضح و لا اقصد ان النساء في مجتمعاتنا باتت لهن كامل الحرية في تقرير مصائرهن و حققن ما يصبون اليه ( و الذي بالمناسبة الشرع يتيحه لهن الا في حالات قليلة جداً و بضوابط الشرع التي تشمل النساء و الرجال على حد سواء و بما يناسب خلق كل منهما)
و الجواب هو أن النساء اليوم سواء الأمهات او البنات او الزوجات او الأخوات أصبحن جميعاً اكثر حرية بكثير في اتخاذ قرارتهن مما كن عليه امهاتهن و جداتهن وحتى في موضوع اختيار لباسهن و الذي للأسف و بالأساس كثير منه لا يمت إلى اللباس الشرعي بصلة سوى قطعة القماش التي تسمى غطاء الراس فيه، في حين ان بقية الزي هو من الضيق اللاصق الذي بات يصف و يشف و هو برأيي تشويه بالغ لما يسمى الحجاب الشرعي، بل ان المرأة ذات الزي المحتشم البسيط الذي يغطي معظم الجسد و حتى بدون غطاء الرأس هو اكثر احتراماً ممن تتزيى بلباس مشوه تقول عنه انه حجاب !!
وبات هناك فارق كبير بين المحجبة و المتحجبة.
(4)
..
بالتالي هذا ينسف كل كلام عيسى الذي يريد أن يوصل لنا عكسه تماماً!
..
هذا الرجل يعاني لا شك من حالة نفسية مستعصية من حب الظهور و المخالفة و من مازوشية عشقه ان يُمسح بالأرض، و الذنب ليس عليه فحسب و إنما على من يتيح له منبرا و يسمح له من خلاله بالتقيئ على قارعة الاعلام المتهالك!