الخرطوم ـ «القدس العربي»: تمسكت إثيوبيا، أمس الثلاثاء، بالملء الثاني لسد النهضة، المقرر في تموز/ يوليو المقبل، فيما شدد مصدر حكومي سوداني على رغبة بلاده بأن «يكون الملء والتشغيل وفق اتفاق دولي ملزم متفق عليه وبمشاركة وشهادة المجتمع الدولي».
الناطق باسم الخارجية الإثيوبية، دينا مفتي، قال في بيان إن بلاده أبلغت المبعوث الأمريكي دونالد بوث خلال لقائه بنائب رئيس الوزراء دمقي مكونن قبل سفره للخرطوم أنها «ستمضي في عملية الملء الثاني لسد النهضة في موعده المحدد في شهر يوليو/ تموز المقبل، باعتبار أنها عملية ضرورية في الوقت الراهن».
وزاد: «بالرغم من أن إثيوبيا تساهم بنسبة 86٪ من نصيب مياه نهر النيل، إلا أن 60٪من مواطنيها ما زالوا يعيشون في الظلام، وتهدف إثيوبيا إلى تغيير ذلك بمجرد الانتهاء من بناء السد».
وأوضح أن إثيوبيا «ليست لديها مصلحة في الإضرار بدول حوض النيل الأدنى وتحرص على استمرار المحادثات التي يقودها الاتحاد الافريقي برئاسة جمهورية الكونغو الديمقراطية».
وبين: «يجب التعامل مع المحادثات لتغيير طرائق المفاوضات وفقًا لبنود إعلان المبادئ الذي وقعته الثلاثية في عام 2015».
في المقابل، قال مصدر مطلع في القصر الرئاسي في الخرطوم لـ«القدس العربي» أمس: «نحن مطلبنا آلية واضحة المعالم لتبادل البيانات خلال الملء، إن كان الثاني أو الثالث أو الأخير، وأثناء التشغيل أيضا لأن سلامة سد الرصيرص تكون مهددة للغاية بحال عدم وجود هذه البيانات».
وتابع، دون كشف هويته «إثيوبيا راوغتنا كثيرا وقامت بالملء الأول، لذا نحن نرفض أي اتفاق جزئي حول الملء الثاني إن كان في أسبوع أو في شهرين، نحن نريد أن يكون الملء والتشغيل وفق اتفاق دولي ملزم متفق عليه وبمشاركة وشهادة المجتمع الدولي».
وزاد «مراوغة إثيوبيا بتقديم بيانات تخص الملء الثاني وتمديده لشهرين لن تنطلي علينا، وإن كانت نواياها صادقة، عليها أن تقدم هذا المقترح في إطار قبول المبادرة الرباعية التي اقترحناها، وتضم الاتحاد الأفريقي نفسه والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة».
وأوضح: «نحن كثيرا ما قلنا للإثيوبيين إننا نؤمن بحقهم في إقامة مشاريع للكهرباء والتنمية والزراعة، لكن لا نعرف السبب الحقيقي لرفضهم التوقيع على اتفاق دولي ملزم للملء والتشغيل نضمن به سلامة سدودنا وسلامة الأجيال المقبلة بدل أن ترتهن إرادتهم لأي دولة طلبا للمياه أو الكهرباء، كما لا يمكن لإثيوبيا أن تحتفظ بالكيكة وتأكلها في الوقت نفسها هذا غير مقبول وسنقاومه ونرفضه».
يأتي ذلك بعد يوم من إبداء موفد المبعوث الأمريكي للسودان وجنوب السودان، دونالد بوث ومبعوث الاتحاد الأوروبي روبرت فاندول، رغبتهما بالتوسط بين السودان وإثيوبيا وتحويل سد النهضة من نقطة خلافية إلى إطار للتعاون بين الدول الثلاث « يضمن لإثيوبيا التمتع بالكهرباء، وللسودان سلامة أراضيه وتأمين سدوده ولمصر حقوقها المائية».
وكان بوث وفاندول التقيا، أول أمس، وزير الري السوداني ياسر عباس وسط تكتم شديد على مخرجات اللقاء، كما التقيا رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان.
وحسب إعلام القصر الرئاسي في الخرطوم «اللقاء بحث مسيرة السلام في السودان، بجانب الخلافات بين السودان ومصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة والتطورات على حدود السودان الشرقية مع إثيوبيا».
الحلول السلمية
وجدد البرهان، خلال اللقاء وفق البيان: «التزام السودان المبدئي بالحلول السلمية والدبلوماسية بشأن القضايا الخلافية مع دولة إثيوبيا» مشيرا إلى أن «انتشار القوات المسلحة في منطقة الفشقة جرى داخل الأراضي السودانية، وفق اتفاقية 1902 وما أكدته التفاهمات اللاحقة مع الجانب الإثيوبي».
ودعا «الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي للمساهمة في تعزيز مسيرة السلام في السودان والتوصل لاتفاق مشترك حول ملف سد النهضة».
ونقل البيان عن بوث وفاندول «استعدادهما للتوسط في قضية سد النهضة» وأكدا «إيمانهما بضرورة التوصل إلى حل دبلوماسي بشأن الخلاف حول السد وفق مقاربة ترضي الأطراف الثلاثة، تضمن لإثيوبيا التمتع بالكهرباء، وللسودان سلامة أراضيه وتأمين سدوده ولمصر حقوقها المائية». كما التقى المبعوثان بوزير الطاقة والنفط السوداني، جادين علي عبيد، في مكتبه أمس الثلاثاء، وتناول اللقاء حسب بيان رسمي، عددا من القضايا المهمة وعلى رأسها «توقيت المرحلة الثانية من تعبئة سد النهضة الاثيوبي وتأثيره على منسوب مياه النيل على محطات التوليد الكهربائي».
وقال جادين إن «توقيت المرحلة الثانية من تعبئة سد النهضة من يونيو(حزيران) إلى أغسطس(آب) سيؤدي لانخفاض منسوب المياه لأدنى مستوى مما يؤثر على محطات التوليد المائي وإنتاج الطاقة الكهربائية في السودان» مشيرا الى «أهمية الوصول إلى اتفاق بين كل الأطراف قبل بدء إثيوبيا بملء السد من طرف واحد».
مضاعفة معاناة الكهرباء
وكيل قطاع الكهرباء، خيري عبد الرحمن، الذي شارك في اللقاء، بين أن «الوقت المناسب للسودان للملء الثاني للسد ينبغي أن يكون ابتداء من شهر سبتمبر/ أيلول».
وأشار إلى «حجم المعاناة التي تعيشها البلاد في إنتاج الطاقة بسبب مشاكل التوليد المائي».
وتابع : «نرى من الضروري، تمديد فترة التعبئة الثانية» موضحاً أنه «في حال قررت إثيوبيا التنفيذ في التوقيت التي ذكرته بدون اتفاق بين البلدين، فإن ذلك سيضاعف من حجم المعاناة في قطاع الكهرباء في السودان بسبب انخفاض منسوب المياه».
ونقل بيان وزارة الطاقة عن بوث قوله «تأتي الزيارة في إطار تأكيد اهتمامهم بقضايا الطاقة في البلاد» معرباً عن رغبته في «تشارك المعلومات للوصول إلى حلول دبلوماسية وبناء الثقة بين الأطراف فيما يخص قضية خلاف سد النهضة».
وشدد المبعوث الأمريكي على «سعيهم للوصول إلى اتفاقيات مرضية لجميع الأطراف ومساندة السودان للتحول الديمقراطي أثناء الفترة الانتقالية» وذلك بعد «استفساره عن التوقيت الذي يتناسب مع السودان في المرحلة الثانية من تعبئة السد، وإمكانية تقارب وجهات النظر في هذه القضية».
إلى ذلك، وصل الى الخرطوم أمس الثلاثاء وفد يضم أعضاء مجلس السلم والأمن الأفريقي، ورئيس مفوضية الشؤون السياسية والسلم والأمن في الاتحاد الأفريقي، في زيارة تستغرق ثلاثة أيام يلتقي خلالها الوفد بالقيادات السياسية وقيادات الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني، كما سيزور ولاية شمال دارفور ويلتقي بولاة ولايات دارفور وسيزور مقر اليوناميد ومعسكرات النازحين.
وأعلنت وزارة الخارجية في بيان لها قبيل وصول الوفد أن «الهدف من الزيارة الوقوف على تطورات الأوضاع في البلاد، والتحديات التي تواجه الفترة الانتقالية، وتأكيد تضامن الاتحاد الأفريقي ومجلس السلم والأمن الأفريقي، على وجه الخصوص مع الشعب السوداني وحكومته، وللتعبير عن الالتزام الكامل بدعم المرحلة الانتقالية».
وأشارت إلى أن «الزيارة تكتسب أهمية في ظل التطورات المهمة التي تحققت خلال الفترة الماضية، سيما في ملف السلام، وبداية تنفيذ الاتفاقية بتكوين مجلس شركاء السلام والحكومة الانتقالية، إضافة إلى رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، والعديد من الاصلاحات الاقتصادية».