لا يوجد أمر عزيز أكثر على قلوب حكومات اليمين ووزراء العدل فيها من إعادة المجد السابق والشرب من مياه الشريعة اليهودية. ولكن كل شيء يتغير عندما يتعلق الأمر بضم أراض فلسطينية خاصة إلى المستوطنات في الأراضي المحتلة. من أجل هذا الهدف، المحظور حسب القانون الدولي والمكروه حسب كل رؤية إنسانية، يوافق اليمين على أن تقوم المحكمة ووزارة العدل بقلب القانون العبري رأساً على عقب والتشهير به.
ماذا هو معنى هذا الأمر؟ المحكمة المركزية في القدس وافقت في شهر أيار/مايو على خط العمل الجديد الذي حددته لها وزارة العدل. وحسب هذا الخط، المستوطنون الذين قاموا بشراء أراض فلسطينية خاصة، والتي باعتها لهم سلطات الدولة وكأنها تعود للدولة، يمكنهم أن يصبحوا أصحابها. الوزارة تستند إلى “إجراء السوق”، الذي هو نتاج قانوني إسرائيلي يتفاخر باستناده للقانون العبري. في الوقت الحالي، جرى إنفاذ “إجراء السوق” على أراض هي خارج دولة إسرائيل وخارج سريان قوانينها.
القضاء العبري القديم يدافع عن الشخص الذي اشترى بحسن نية ممتلكات من شخص قام بسلبها من أصحابها الشرعيين. مقاربة القضاء العبري هي حق المالك في العقار هو الأهم. ولكن يجب الاهتمام أيضاً بالمشتري حسب النية. الاهتمام ينبع من أنه إذا تم إلزام الشخص الذي اشترى ممتلكات بحسن نية بإعادتها إلى أصحابها ولم يتم تعويضه، فإن الناس سيخافون من أن يشتروا من بعضهم ممتلكات، والأداء السليم للسوق سيتضرر. يجب الاهتمام بالسوق، لذلك تم تشريع “إجراء السوق”.
القاعدة العبرية القديمة نصت على أن الممتلكات تعاد إلى صاحبها القانوني الأصلي، الذي يقوم بالدفع للمشتري حسب النية ما دفعه للسالب. أحد استثناءات هذا الاتفاق هو إذا كان المشتري بحسن النية قد اشترى الممتلكات محل البحث من “سالب مشهور”، أي من هو معروف بأنه شخص يتاجر بممتلكات ليست له، فلن يكون له الحق بأي دفعات من المالك القانوني.
حسب منطق “إجراء السوق”، فإن حق المالك الفلسطيني الأصلي على أرضه هو الأهم. لذلك فإن المشتري (المستوطن) ملزم بأن يعيد له الأرض. إذا كان المشتري (المستوطن) حسن النية في الوقت الذي اشترى فيه الأرض واعتقد أنها تعود لمن باعها له (الدولة)، فإن المالك الأصلي ستعاد له أرضه، ويعوض المشتري. ولكن إذا اشترى المشتري الأرض من “سارق مشهور”، أي ممن يتاجر بأراض معروفة أنها ليست له، يتم إلزامه بإعادة الأرض ولا يستحق التعويض، ببساطة.
كيف يستخدمون “إجراء السوق” في القضاء العبري من أجل التوصل إلى نتائج معاكسة وشرعنة ضم أراض فلسطينية خاصة للمستوطنات. المادة 10 من قانون الأراضي الإسرائيلي تبنت كما يبدو “إجراء السوق”، لكنها فعلياً انحرفت عنها. هو ينص على أن “من اشترى حقاً على أراض منظمة بمقابل وبالاستناد بحسن نية على التسجيل” يصبح مالك الأرض. وحقه هذا يتفوق على حق المالك الأصلي: هو لن يضطر إلى إعادة الأرض التي اشتراها بحسن نية.
القانون الإسرائيلي ملأ تعبير الزبون في القضاء العبري القديم، “إجراء السوق”، بمضامين جديدة ومستقلة، تناسب نظاماً قانونياً جديداً يرغب في إظهار التزام رمزي بالإرث القانوني القديم. مع ذلك، من أجل تقليص سريان القاعدة التي تفضل المشتري حسن النية على المالك، توضح المادة 10 أن الأمر يتعلق بوضع فيه المشتري اشترى حقاً “على أراض تمت تسويتها”، أي ممتلكات مسجلة بشكل قانوني في الطابو. القاعدة تطبق بحذر وبصورة مقلصة.
ولكن لأن القانون الإسرائيلي لا يسري على المستوطنات والأراضي فيها “غير منظمة”، كما يقتضي قانون الأراضي، فإنهم يبثون روح الحياة في المادة 5 من الأمر بشأن الأملاك الحكومية (يهودا والسامرة، رقم 59 من العام 1967). المادة 5 يمكن تفسيرها بأنها تعطي أفضلية للمشتري (المستوطن) على المالك الأصلي (الفلسطيني)، ليس فقط بخصوص “أراض منظمة”، مثلما في إسرائيل، بل على أي ممتلكات اعتبرها المسؤول عند إجراء الصفقة بأنها أملاك حكومية. أي يخلقون “إجراء سوق” يقلب مبادئ القانون العبري رأساً على عقب.
هذا هو التفسير الذي هندسته وتبنته وزارة العدل والمحكمة المركزية من أجل شرعنة سرقة الأراضي الخاصة الفلسطينية في المناطق المحتلة. اليمين والأيديولوجيون فيه يغفرون المس بالقانون العبري لأن خصيه يخدم حسب رأيهم هدف أسمى، وإلا سيضطرون إلى تفعيل قانون التسوية، الذي يسرق ويضم بصورة واضحة وعلى رؤوس الأشهاد. والعالم يمكنه أن ينتبه لذلك ويغضب. لا يوجد قانون عبري ولا بطيخ: الهدف يبرر كل الوسائل.
من المثير للاهتمام حول الموضوع نفسه، أنه في السبعينيات لم يكن هناك أمر مكروه على اليمين أكثر من برك السباحة في الكيبوتسات، التي كانت مغلقة أمام سكان البلدات المجاورة، لا سيما أمام سكان بلدات التطوير. برك السباحة للأشكناز، أبناء “النخبة القديمة”، تحولت إلى رمز للانفصال والتعالي والعنصرية ضد الإسرائيليين الشرقيين. مناحيم بيغن عرف كيف يؤجج المشاعر حول هذه الكراهية، ويعصر منها الأصوات التي رفعته إلى السلطة.
آفي الكبيتس، الذي أصيب بالاشمئزاز من برك السباحة المغلقة لأبناء الكيبوتسات لم يرتدع عن أن يعد سكان مدينته العفولة بأنه إذا جرى انتخابه لرئاسة البلدية فسيقوم بإغلاق المتنزه البلدي في وجه العرب في البلدات المجاورة. وهو الآن مع مجلس البلدية يطبق وعده العنصري ويقوم بإقصاء العرب عن المتنزه البلدي. الكبيتس يتصرف خلافاً للقانون، وخلافاً لقيم المساواة واحترام الإنسان، وخلافاً للاشمئزاز العلني من العنصرية عندما ينظر إليها على أنها موجهة من الأشكناز ضد الشرقيين. ولكن العملية التي اتخذها تتناسب مع الرغبة الانفصالية لعدد من سكان العفولة الذين لا يريدون الاستجمام في المتنزه بوجود مواطنين إسرائيليين عرب.
ما الصلة بين الأمرين؟ على المستوى الأول، إنهما يدلان على أن الاستعداد المتزايد لإسرائيليين يهود للمس بالسكان العرب، سواء داخل الخط الأخضر أو في المناطق المحتلة. ويكفي الضريبة الكلامية من أجل التغطية على المس “المادة 5 من الأمر بشأن الأملاك الحكومية تنص على إجراء سوق يشرع الصفقات”؛ “متنزه بلدي استهدف بطبيعته سكان المدينة فقط”. على المستوى الثاني، هما يدلان على ابتعاد الأخلاق العالمية، الذي لا يميز بين البشر ويلزم، كما يقول عمانوئيل كان، بفحص كل سلوك لي أنا نفسي على ضوء مسألة كيف أشعر لو أن كل البشر تبنوه واستخدموه ضدي. في المستوى الثالث، هما يدلان على إدارة الظهر للأمر الأخلاقي الرئيس الذي عليه كما هو معروف أسس هيلل العجوز الثقافة اليهودية: ما تتركه لنفسك لا تفعله لصديقك.
بقلم: أوريت كمير
هآرتس 10/7/2019
احتلال كولونيالي استعماري توسعي تفريغي وكل من لايعترف بإسرائيل كاحتلال هو متواطئ