إدلب ومتاهة أنقرة: التوتر بين تركيا وروسيا… إلى أين؟

حجم الخط
1

“أكثر من مليون مهجر ولاجئ يشقون طريقهم نحو الحدود التركية”، هكذا حذر رجب طيب أردوغان بعد مكالمة هاتفية أجراها مع دونالد ترامب السبت الماضي. “للأسف الشديد، لا يمكننا استيعاب مليون لاجئ آخر بعد استيعابنا 3.5 – 4 ملايين لاجئ”، أوضح. وتطرق الرئيس التركي إلى التصعيد في المعركة التي حدثت الأسابيع الأخيرة في شمال سوريا، والتي هاجم فيها الجيش السوري وسلاح الجو الروسي تجمعات المليشيات المسلحة التي تمركزت في محافظة إدلب، وأدت إلى هرب نحو 800 ألف شخص من بيوتهم.

غضب تركيا لم يكن فقط بسبب مهاجمة التجمعات السكانية، أو الخوف من موجة جديدة للاجئين، بل لأن 13 جندياً تركياً قتلوا حين كانوا يتركزون في مواقع مراقبة بهدف الدفاع عما يسمى “منطقة منخفضة التصعيد”. قررت تركيا الرد وبقوة. وفي هجوم تركي على القوات السورية قتل بضع عشرات من المقاتلين الموجودين فيها، وبعد ذلك هدد أردوغان بأنه “إذا قتل أو أصيب أي جندي آخر ستشن تركيا حرباً ضد القوات السورية في كل مكان”. أما روسيا فلن تمر مرور الكرام على التهديد الموجه لقوات الأسد، وقال أردوغان إن موسكو تخرق الاتفاقات التي استهدفت ترسيخ وقف إطلاق النار في إدلب بسماحها للأسد بأن يفعل هناك ما يريد.

هذه هي المرة الأولى منذ عودة الدولتين لتكونا حليفتين وشريكتين في الخطوات السياسية في سوريا، التي توجه فيها تركيا اتهاماً مباشراً لروسيا. هذا خروج عن طورها. الأربعاء الماضي، نشرت المتحدثة بلسان وزارة الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا، إعلاناً رسمياً جاء فيه، ضمن أمور أخرى: “الوضع في إدلب متوتر جداً. ونعتقد أن الوضع الخطير كان نتيجة إهمال تركيا في أنها لم تف بالتزاماتها في إطار اتفاق سوتشي”.

حسب اتفاق سوتشي الذي وقع بين الطرفين في أيلول 2018، على تركيا أن تتأكد من نزع سلاح المليشيات المسلحة وطرد مقاتلي المليشيات الإسلامية، التي هي تحت سيطرتها، من محافظة إدلب.

خلال سنة ونصف، ألحت روسيا على تركيا لتنفيذ دورها في الاتفاق دون جدوى. وتركيا لا يمكنها كما يبدو إقناع المليشيات المتطرفة، منها جبهة تحرير الشام (التي كانت تسمى جبهة النصرة) بالتخلي عن سلاحها، وهي تخشى أن تزعجها سيطرة الجيش السوري على إدلب في إقامة منطقة أمنية تطمح بنقل مليون لاجئ على الأقل إليها ممن يعيشون على أراضيها. وإلى جانب ذلك، تعتبر تركيا الحماية التي تمنحها للمليشيات في إدلب رافعة تعطيها مكانة حيوية في الخطوات السياسية. ومن دونها ستتحول تركيا إلى جسم غير مهم في أي حل سيتم التوصل إليه بالنسبة للحرب في سوريا. من هنا، تنبع حاجتها الاستراتيجية لوقف سيطرة قوات الأسد على محافظة إدلب.

في سوريا وفي روسيا، من ناحيتهما، لا تظهر أي نية للتنازل لتركيا. في كانون الثاني وقع اتفاق لوقف إطلاق النار، لكنه تحطم خلال فترة قصيرة عندما بدأت سوريا بالهجوم وأرسلت قوات إلى المنطقة، سيطرت على محورين رئيسيين للحركة هما “ام 5” و “ام6”. إن قطع هذين الطريقين اللذين يربطان بين محافظة إدلب وتركيا حوّل هذه المحافظة إلى محافظة معزولة وأبقى المليشيات دون طرق تموين من تركيا.

معضلة تركيا وروسيا هي إلى أين ستستطيعان شد أطراف التحالف بينهما. أمس، أجرى وفد تركي رفيع المستوى محادثات في موسكو مع جهات روسية رفيعة المستوى، بعد عدم التوصل إلى تسوية في لقاءات ومحادثات سابقة في هذا الشهر. أما روسيا، في الحقيقة، فتخشى من أن يمس استمرار تصعيد العلاقة مع تركيا بـ”عملية الاستانا” التي استهدفت التوصل إلى اتفاق سياسي لإنهاء الحرب، ولكن لتركيا الكثير مما تفقده بسبب هذا الشرخ. حجم التجارة بين تركيا وروسيا يبلغ 25 مليار دولار، وروسيا هي المزود الأساسي للنفط والغاز لتركيا، وقد اشترت من روسيا نظام الصواريخ المضادة للطائرات من نوع “اس 400″، وتنوي أن تشتري منها أيضاً طائرات سوخوي متقدمة، تعوضها عن صفقة طائرات اف 35 الأمريكية التي أبعدتها الولايات المتحدة عنها.

         وتذكر تركيا ذلك الضرر الاقتصادي الضخم الذي وقع عليها في أعقاب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها روسيا بعد إسقاط الطائرة الروسية في 2015 قرب الحدود التركية – السورية، في الوقت الذي ساعدت فيه نظام الأسد في شمال سوريا. إضافة إلى ذلك، تحتاج تركيا أيضاً إلى دعم روسيا السياسي في مشروع التنقيب عن النفط في البحر المتوسط ضد دعم أمريكا لليونان، التي هي في الوقت نفسه متورطة مع روسيا في الساحة الليبية، والتي تساعد فيها تركيا الحكومة المعترف بها عسكرياً، في حين أن روسيا تؤيد خصمها الجنرال خليفة حفتر.

خيارات قليلة تقف أمام تركيا من أجل النجاة من هذه الفوضى التي أوقعت نفسها فيها. أفضل هذه الخيارات بالنسبة لها هو أن توافق روسيا على إقامة منطقة آمنة في إدلب، تشرف عليها تركيا وروسيا بصورة مشتركة، وانسحاب الجيش السوري إلى مواقعه التي كانت قبل الهجوم الأخير، ثم استئناف العملية السياسية.

ولكن هذا الخيار جرب في السابق ورفضته روسيا وسوريا، اللتان تطمحان إلى استكمال سيطرة الأسد على جميع أجزاء سوريا. الخيار الآخر هو الاعتراف بالوضع الذي نشأ على الأرض، وفي الوقت نفسه أن تمنع بالقوة استمرار تقدم الجيش السوري، ولكنها بذلك تخاطر بمواجهة مباشرة مع الجيش السوري.

الخيار الأسوأ بالنسبة إلى تركيا هو هجوم شامل، يضعها على مسار التصادم المباشر مع موسكو. ومن هذه الخيارات أنه من الصعب العثور على أي خيار يخرج تركيا دون أضرار عسكرية واستراتيجية أو ضرر في مكانتها. في الخلفية تحاول الولايات المتحدة استغلال التوتر بين تركيا وروسيا لتوسيع الشرخ بينهما. وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، والمبعوث الخاص في سوريا جيمس جفري، وقفا إلى جانب تركيا عندما اعتبرا هجوم سوريا مساً بتركيا.

قد لا تكون تركيا سعيدة من بادرة حسن النية الأمريكية، لأنها تضعها في وضع محرج أمام حليفتها روسيا. وهذه هي نفس واشنطن التي تواصل تهديد تركيا بالعقوبات في أعقاب صفقة الصواريخ مع روسيا، وهي أيضاً الدولة العظمى التي تزعج تركيا في السيطرة على المحافظات الكردية في سوريا.

هذه الاعتبارات لا تعني الثلاثة ملايين مواطن في محافظة إدلب السورية، الذين يتعرضون للقصف المتكرر من قبل الجيش السوري والطائرات الروسية. ودون مستشفيات عاملة ومع خدمات مدمرة للبنى التحتية، أمام هؤلاء السكان مسار واحد فقط للنجاة بأنفسهم، وهو الوصول إلى تركيا. ولكن سيكون عليهم، في الطريق، مواجهة القوات التركية التي ستعمل على منع دخول أي لاجئ سوريا يحاول اجتياز الحدود.

بقلم: تسفي برئيل

هآرتس 18/2/2020

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول Sahrawi:

    أمام كل هذه الفوضى وتنازع المصالح التركية مع الشرق والغرب أصبح من الأحسن لها التراجع إلى حدودها الدولية ومنع الاجءين من دخول اراضيها وتركهم تحت رحمة النظام فيحاكم من يستحق المحاكمة ويعفو عن مواطنيه من غير الارهابيين وكفى المؤمنين شر قتال .

إشترك في قائمتنا البريدية