إذا ذهب ترامب قد يأخذ نتنياهو معه

ينتظر العالم نتائج الانتخابات الأمريكية لما لها من تأثير على العلاقات الدولية، وعلى الأوضاع الداخلية في كل بلاد العالم تقريبا. قد يكون هذا التأثير حاسما في حالة معينة، وقد يكون هامشيا في حالة أخرى، ولكن لا أحد يريد أو يستطيع تجاهله. وما من شك بأن إسقاطات ما سيحدث في الثالث من نوفمبر، ستكون له تبعات مهمة على قضيّة فلسطين وعلى قضايا المنطقة، وتنتظر النخب السياسية في الشرق الأوسط بفارغ الصبر نتيجة المعركة: ترامب أم بايدين؟
لا تشغل قضية فلسطين حيّزا كبيرا في الانتخابات الأمريكية، وترامب يتطرق إليها وإلى ما يتعلّق بها أكثر من منافسه الديمقراطي، حيث يعرض أمام قاعدته الإنجيلية، سلسلة إنجازاته لصالح إسرائيل: إلغاء الاتفاق النووي مع إيران، اغتيال سليماني، الاعتراف بضم الجولان، الاعتراف بالقدس «الموحدة» عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة إليها، الاعتراف بشرعية الاستيطان، طرح «صفقة القرن» وفق المقاييس الإسرائيلية، إغلاق سفارة فلسطين في واشنطن، السعي لشطب قضية اللاجئين وتفكيك «الأونرا» وقطع الدعم المالي عنها، الضغط على الدول العربية للتطبيع والتحالف مع إسرائيل والتوقيع في واشنطن على اتفاقيتي «السلام» مع الإمارات والبحرين.
كل هذه إنجازات في صالح إسرائيل، جعلت من نتنياهو «بطلا» قوميا وزعيما أوحد، وساعدته كثيرا على البقاء في منصبه وعلى كرسيّه. وتتطلب المحافظة على هذه «البطولة» بقاء ترامب في البيت الأبيض. ويخشى نتنياهو ومعه اليمين الإسرائيلي، من وقف تدفّق إنجازات من هذا النوع، في حال فاز جو بايدين بالرئاسة، فهو سيكتفي بالدعم الأمريكي التقليدي، وبدعم إسرائيل كدولة، وليس بالضرورة الرقص على ألحان اليمين الإسرائيلي، كما فعل ترامب ومن حوله. وبعيدا عن المبالغات واتهام نتنياهو بأنه المسؤول عن أنّ إسرائيل خسرت الحزب الديمقراطي، هناك في الحقيقة فتور غير معهود بين الطرفين، لأن نتنياهو وقف ويقف إلى جانب الجمهوريين، حيث دعم ميت روماني مقابل باراك أوباما في انتخابات 2012، وساند ترامب ضد هيلاري كلينتون في انتخابات 2016، وهو يواصل التدخل في الشؤون الداخلية الأمريكية ويدعم ويؤيّد ترامب هذه السنة أيضا. وإذ يثير هذا السلوك غضب الديمقراطيين، فإنّ هناك سببا آخر لهذا الجفاء في العلاقة، وهو زيادة قوّة التيار التقدمي وارتفاع في تمثيل وتأثير الأقليات في صفوف الحزب الديمقراطي، وهي قوى ليست داعمة لإسرائيل مثل التيارات المركزية في الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
تراقب إسرائيل عن كثب التحوّلات الديمغرافية، ليس في فلسطين فحسب، بل في الولايات المتحدة ايضا، وتخشى من تأثيرها على السياسة الأمريكية. حيث تدل كل الاستطلاعات، على أن دعم إسرائيل يحظى بأغلبية بين البيض، وبأقلية بين الأقليات، التي يرتفع وزنها عاما بعد عام. قبل عشرين سنة، شكّل البيض نسبة 76% من أصحاب حق الاقتراع، والأقليات 21%، أما اليوم فقد انخفضت نسبة البيض إلى 67% وارتفع وزن الأقليات إلى 30% (13% سودا، 13% لاتينيين، 4% آسيويين). ويحظى الحزب الديمقراطي بأغلبية ساحقة في صفوف الأقليات، حيث يدعمه 83% من السود وحوالي 63% من اللاتينيين ونسبة 72% من الآسيويين. وتصب هذه التحولات المستمرة في مصلحة الديمقراطيين على الصعيد الأمريكي عموما، وتأثيرها داخل الحزب الديمقراطي ليس في صالح إسرائيل، التي ترى في هذا التطوّر نقطة ضعف، قد تؤثر فيها مستقبلا.
ولابد هنا من كلمة بحق قيادات في الجالية الفلسطينية في الولايات المتحدة، التي تقوم بجهود كبيرة لاستمالة قيادات الأقليات لصالح قضية فلسطين، عبر تحركات بعضها علني وبعضها لم يصل بعد إلى العلن. تقضّ التغييرات الديمغرافية في الولايات المتحدة مضاجع حلقات التفكير الاستراتيجي في إسرائيل، التي تجمع على أن على القيادة الإسرائيلية الإسراع في بناء علاقات مع قيادات الأقليات في الولايات المتحدة، وعدم الاكتفاء بعلاقة التحالف السياسي الوثيق مع الإنجيليين، التي أصبحت في عهد نتنياهو أقوى واهم حتى من العلاقة مع يهود أمريكا. هناك خشية حقيقية لدى النخب السياسية والأكاديمية الإسرائيلية من انّ سياسات نتنياهو الداعمة علنا للجمهوريين تخرّب العلاقة مع الحزب الديمقراطي، بعد عشرات السنين من المحافظة على علاقة ودعم من الحزبين على السواء. لقد بدأت جهات عديدة في إسرائيل بالتحضير لترميم العلاقة مع الديمقراطيين، في حال فاز جو بايدين، وهناك رهان على أن الطواقم، التي من المتوقّع أن يشكّلها ستكون غالبا من «محبّي إسرائيل» حتى لو لم تكن من محبّي اليمين الإسرائيلي.

أقصى ما يمكن أن نتوقعه في الانتخابات الأمريكية هو التخلّص من لعنة ترامب، ولكن لا أمل في الحصول على بركة من بايدن

ماذا لو خسر ترامب الانتخابات؟ في هذه الحالة سيخسر نتنياهو حليفا شخصيّا، ودرعا واقيا، وسيّدا مطيعا، ليصبح أكثر عرضة للضغوط وأقل قدرة على صدّها، وتزول عنه هالة السياسي الداهية، الذي يتحكّم بالرئيس الأمريكي بكل ما يتعلّق بمصالح إسرائيل، ويحصل منه على هدايا سياسية واستراتيجية ثمينة، طالما حلمت بها القيادات الإسرائيلية السابقة، ولم تنل منها شيئا. هذه الهدايا هي أهم «إنجازات» نتنياهو، وهي التي منحته الأكسجين، بعد أن كادت تخنقه ملفات الفساد والفشل في إدارة أزمة كورونا وتبعاتها الصحية والاقتصادية، وإذا ذهب ترامب فقد يأخذ نتنياهو معه..
ما من شك بأن للانتخابات الأمريكية تأثير مهم في مجريات الأمور في إسرائيل وعلى توازناتها الحزبية وعلى سياساتها ومواقفها. ويبالغ البعض بالقول إن تبعاتها حاسمة أكثر حتى من الانتخابات الإسرائيلية ذاتها، وإن الناخب الأمريكي هو الذي سيقرر مستقبل إسرائيل أكثر من الناخب الإسرائيلي نفسه. لقد كان لترامب وإدارته ومستشاريه دور مركزي في السياسة الإسرائيلية، لدرجة أن الطواقم الإسرائيلية والأمريكية كانت طواقم مشتركة، عملت بتعاون وتنسيق وأوصت وخططت وقررت معا. من المؤكّد أن خسارة ترامب ستؤدّي إلى بعض التغيير في الأوضاع، لكنها لن تكون انقلابا حاسما كما يتوهم بعض معارضي نتنياهو في إسرائيل، فهؤلاء فشلوا في إسقاطه وطرح بديل سياسي حقيقي له، ويراهنون في عجزهم على الانتخابات الأمريكية. يريد الإسرائيليون أن يبقى ترامب في السلطة، ولو جرت الانتخابات الأمريكية في إسرائيل لفاز فوزا ساحقا. ويدل استطلاع للرأي العام أجراه «المعهد الإسرائيلي للديمقراطية» على أن التأييد لترامب في إسرائيل يصل إلى نسبة 56% مقابل 16% فقط لمنافسه جو بايدين. وإذ يرتبط اسم نتنياهو باسم ترامب، فإنّ شعبية الرئيس الأمريكي في اسرائيل تزيد من شعبية نتنياهو، ولكن إذا خسر ترامب فإن هذا سيؤثّر سلبا في نتنياهو، الذي يبحث عن فرصة مواتية لإجراء انتخابات مبكّرة، ونتائج الثالث من نوفمبر سيكون لها تأثير كبير في موعدها ونتائجها.
من الواضح أن كلا الحزبين وكلا المرشحين للرئاسة في الولايات المتحدة يدعمان إسرائيل، كل على طريقته في بعض الأمور وبالطريقة نفسها في أمور أساسية أخرى. من المؤكّد أنه لن يحصل تغيير جدّي في المساعدات العسكرية السنوية لإسرائيل، التي ارتفعت في عهد أوباما لتصل بمجملها إلى حوالي 4 مليارات دولار، وكذلك لن يكون هناك تراجع في التزام الحزبين والمرشحين باتفاقيات وبمبادئ التعاون الاستراتيجي، التي تشمل تدفقا سلسا للمعلومات المخابراتية والأمنية والعسكرية، وضمان التفوق الأمني الإسرائيلي ومشاريع مشتركة لا تعد ولا تحصى. ومهما كانت نتيجة الانتخابات سيبقى الالتزام الأمريكي بعدم ممارسة الضغط على إسرائيل للتوصل إلى تسوية سياسية، وكذلك سيبقى كما هو دعم ما يسمى «حق إسرائيل في الدفاع عن النفس» الذي يشكل قناعا لكل الجرائم والاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني، وعلى عدد من الدول العربية. ونذكّر الذين يتفاءلون خيرا بعودة الديمقراطيين إلى الحكم بدعم أوباما غير المشروط للحرب الإسرائيلية الإجرامية على غزة عام 2014، التي ذهب ضحيتها 2200 مواطن فلسطيني، وموقف أمريكا فيها لم يكن سوى صدى الموقف الإسرائيلي «دفاعا عن النفس».
هناك بالطبع فرق بين ترامب وبايدين في بعض جوانب التعامل مع القضية الفلسطينية، وقد توسّع هذا الفرق في السنوات الأربع الأخيرة، بعد أن ذهب ترامب بعيدا في العمل وفق أجندة اليمين الإسرائيلي. أما بايدين فلم يقل كلمة واحدة جديدة بهذا الخصوص، وحافظ على الموقف الديمقراطي التقليدي، الداعم لإسرائيل والأقرب إلى مواقف اليسار والوسط فيها. التغيير إذن هو عند الجمهوريين، الذين أمعنوا بقيادة ترامب في الانزياح نحو اليمين، وليس نتيجة تحوّل عند الديمقراطيين. إنّ أقصى ما يمكن أن نتوقعه في الانتخابات الأمريكية هو التخلّص من لعنة ترامب، ولكن لا أمل في الحصول على بركة من بايدين. لقد ارتكب ترامب كل الموبقات وصار بنظر الكثيرين ممثلا للشيطان على الأرض لدرجة أن منافسه الباهت، الذي لا يقول شيئا يذكر، أصبح ملاك رحمة يراهن عليه للتخلص من كابوس السنوات الأربع الأخيرة. قد ينتهي هذا الكابوس قريبا وقد لا ينتهي، وعليه علينا كشعب فلسطين، أن نكون جاهزين لكل الاحتمالات، وبناء قوانا الذاتية للتصدي لعدوان تحالف ترامب ـ نتنياهو ـ بن زايد، في حالة عودة ترامب، وعلينا اتخاذ الحيطة والحذر وعدم الوقوع مرة أخرى في مصيدة أوهام المفاوضات العقيمة وفي فخ عملية سلمية متخيّلة، في حال جاء بايدين إلى الحكم. يجب أن ننتبه جيّدا إلى ما يجري في أعماق المجتمع الأمريكي، ونبحث عن حلفاء لقضية فلسطين العادلة، وتحديدا في الجمهور الذي دعم بيني ساندرز، وفي التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، وفي الحركات الطلابية والشعبية، وفي الحراكات المعادية للعنصرية وفي التعبيرات السياسية عن أقليات وازنة ليست في جيب إسرائيل. يجب التفكير مليا بالعمل على تأطير وبناء كتلة داعمة لفلسطين في الولايات المتحدة، والقاعدة البسيطة، لكن الصحيحة لبنائها اعتماد مبدأ العدالة وطرح قضية فلسطين كقضية تحرر وحقوق وليس كمسألة خلاف بين طرفين.
رئيس حزب التجمع الوطني في أراضي 48

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول يوسف احمد:

    يا استاذ تأييد اسرائيل والوقوف الى جانيها هو موقف عقائدي لا الجمهوريين ولا الديموقراطيين يختلفون عن ذلك . انسيت ما قدمه اوباما من هدايا عسكريه – ومنها طائرات ال ام 35 ودعم مالي بلغ عشر مليارات دولار لنيتنياهو من اجل ان يؤجل بناء مستوطنه من 600بيت لاحظ تـأجيل مش الغاء . معنى اخر ان ما يزسد على ال 90% من الشعب الامريكي يعتبران المسيحيه هي امتداد لليهوديه لان المسيح كان في الاصل يهودي وعليه فان الديانه المسيحيه ولدت من رحم اليهوديه ولذلك تجد ان الانجيل مقسم الى قسمين العهد القديم وهو التوراه والعهد الجديد وهو الانجيل واقترح ان تتصفح الانجيل ( النسخ الانجليزيه بالذات)لترى بنفسك ما اقول ولك التحيه

    1. يقول عواد العواد:

      هو لم يقل غير الذي قلته بخصوص اتفاق الحزبين على دعم اسرائيل. كل ما قاله لا يناقض ما ذهبت اليه. لكنه محق في عدد من الامور المهمة واللافتة:
      – هناك تغير مهم ولكن بطيئ على مستوى القاعدة الانتخابية لا سيما في صفوف طلاب الجامعات وبين الشباب من حيث تراجع مستوى دعمهم لاسرائيل. هناك قلق اسرائيلي جدّي نحو هذا الموضوع. الصحافة الاسرائيلية نشرت عدة مرات تقارير تفيد بتغير في صفوف القاعدة الانتخابية الشبابية للحزب الديمقراطي وخفوت منسوب دعمها لاسرائيل.

      – ما اقدم عليه ترامب لم يقم به اي رئيس امريكي من قبل، والمساواة بين ترامب واي رئيس امريكي آخر غير عادلة. كلهم يحبون اسرائيل بدون شك، وكلهم يدعمون اسرائيل ويسعون لضمان تفوقها، ولكن حتى اسرائيل لا تقبل مقارنة ترامب بأي رئيس اخر.

      مع محبتي

إشترك في قائمتنا البريدية