عمان – «القدس العربي» : الانطباع قوي وسط النخبة السياسية والدبلوماسية الأردنية بأن سيناريو عودة بنيامين نتنياهو الوشيك إلى حد ملموس، يعني الاستعداد مجدداً لصدام محتمل في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل «مع الحائط» وللمرة الثانية، فعمان التي ترى في نتنياهو شبحاً مقلقاً للجميع تحتفظ بأسوأ الذكريات عن مشهد نتنياهو الختامي عندما حمل معولاً وزرع شجيرة بالقرب من حدود الأردن تحت عنوان ضم الأغوار.
اطلعت رئاسة الوزراء مؤخراً على تقرير معمق يتحدث عن احتمالية قوية لأن ينجح نتنياهو بجمع 63 صوتاً في انتخابات الكنيست المقبلة. «تلك أغلبية ائتلافية واضحة ومريحة»، قال مسؤول بارز أمام «القدس العربي» وهو يضيف: إذا حصل ذلك، نحن نستعد للاصطدام بالحائط.
طبعاً، عمان لا تفضل بأي صيغة، عودة نتنياهو إلى الواجهة في إسرائيل، لكن لديها سيناريو متكاملاً للتحرك والرد والترقب إذا ما حصلت هذه النتيجة المؤسفة، خصوصاً أنها ستصبح مؤسفة أكثر إذا ما كان سيحصل في انتخابات نوفمبر الإسرائيلية، يقابله عودة مجموعة دونالد ترامب في الانتخابات النصفية الأمريكية في نوفمبر أو فيما يليها.
واضح لكل مراقب حصيف أن شبح نتنياهو وعودته أسس لمساحة مشتركة مع الطاقم العامل الآن برفقة الرئيس الأمريكي جو بايدن، لا بل أيضاً انتهى باستقبال مائير لابيد في عمان ظهر الأربعاء. وبحثت المسألة مع وليام بينز خلف الستارة رئيس الاستخبارات، وبحثت برفقة تطمينات لا تبدو جدية مع وزير الخارجية توني بلينكن.
والانطباع زاد على هامش قمة جدة الشهيرة بأن العمل ضد الشبح الوشيك هو مساحة مشتركة فعلاً بين واشنطن وعمان، لكن دون ضمانات أو مبادرات في الاتجاه المعاكس بعد. بلينكن وبيرنز أبلغا الأردنيين: ينبغي أن نعمل معاً ومع السلطة الفلسطينية على توفير فرصة تدعم تحالفات مائير لابيد وتنقلها من صيغة المؤقتة إلى صيغة المنافسة لاحقاً. نصح الأمريكيون عمان ورام الله بالعمل أكثر مع أعضاء الكنيست العرب، لا بل ذهبت النصائح إلى مستوى العمل بضوء أمريكي من أجل توحيد القوائم العربية التي تشارك في انتخابات الكنيست.
وفي المشهد الأردني بدأت تتردد أسماء أعضاء عرب في الكنيست تتواصل أو تريد أن تتواصل معهم دوائر عمان، من بينهم أحمد الطيبي ومنصور عباس وآخرون. واكتشف المعنيون أثناء القراءة التحليلية الأولية مسألتين:
الأولى، هوامش المناورة في التأثير والاختراق ضعيفة ومحدودة، وقد تصبح نادرة قريباً إذا ما دخلت إيران أكثر على الخط الفلسطيني برفقة النظام السوري، وعبر توجيه مجموعات مسلحة لتنفيذ عمليات هجومية على إسرائيل.
الثانية أن العنصر التفضيلي الواضح حتى اللحظة مرتبط بمقدار توفير القدرة على إقناع العرب في أراضي عام 1948 على الذهاب إلى صناديق الاقتراع، مع قراءة ميدانية استطلاعية تشير إلى أن الصوت العربي في انتخابات الكنيست إذا زادت كثافته بمعدل 15 % فقط، قد يستطيع تحصيل ما بين 2 إلى 3 مقاعد إضافية ستكون في غاية الأهمية لإقصاء أو تهميش فرصة نتنياهو.
يحتاج التواصل مع مجموعة عام 1948 إلى جهد كبير ووسائل مقنعة، وأحياناً بعض التنازلات المهمة، سواء من سلطة رام الله أو من حكومة عمان. لكن الغطاء العربي أيضاً مهم، والإدارة الأمريكية لا يبدو أنها تستخدم ثقلها إلا بتوجيه النصائح والإرشادات لعرب الكنيست وعمان ورام الله، فيما يزيد الانطباع بأن بعض أطراف الإدارة الأمريكية مهتمة جداً بنظرية الرئيس بايدن عن «الفراغ في المنطقة». وهو فراغ عندما يحصل بعد الحرب الروسية على أوكرانيا يفترض أن دولاً مثل الصين وروسيا وإيران بصدد إشغاله.
قال الأردنيون للأمريكيين خلف الكواليس بأن تعبئة الفراغ الحاصل الآن والذي سيحصل مستقبلاً، بكلمات منمقة عن مشاريع اقتصادية، لا تكفي، وأن العودة للحل السياسي للقضية الفلسطينية هو الأساس. ولذلك، صرح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني علناً، ملمحاً بأن مسألة التمكين الاقتصادي عبر مشاريع في الإقليم دون الفلسطينيين مرفوضة، وهي مرفوضة أيضاً دون حلول سياسية للصراع.
تخطط عمان على الأقل أو تحث عن خطة للاختراق في عمق المشهد الانتخابي الإسرائيلي.
ويبدو أن المخاطرة أو المغامرة تحصيل حاصل في هذه الحالة.
لكن النتائج تدرس بعناية الآن، وما تظنه مستويات القرار الأردني هو إمكانية الاستثمار، ولو مرحلياً، في مخاوف نظرية الفراغ عند الرئيس بايدن الذي سيجد نفسه مضطراً للتحدث بالقضية الفلسطينية وعنها كلما أراد التحدث عن الفراغ في الإقليم والمنطقة.
ليس سراً أن عمان ترى في المحاولة هنا حصرياً رهاناً متاحاً.
وليس سراً أن الأمريكي لا يتجاوب بعد، لكن المحاولة لا تنطوي على خسائر، خصوصاً بعدما خطف الأردن من الأمريكيين لقاء قمة ثنائياً خاصاً وبياناً مشتركاً في جدة على أمل أن يسهم ذلك في اتجاهين.
الأول هو نقل الخطاب الأمريكي حول حل الدولتين من المستوى اللفظي والرومانسي إلى مستوى متقدم أكثر، والثاني تدشين أو توفير غطاء لخطة منسقة تحاول تصعيد التقدم في انتخابات الكنيست لجبهة نتنياهو ورموزها. فثمة على الأرجح تكتيكات في الطريق بهذا السياق.. هل تنجح؟ الأيام المقبلة ستكشف عن الإجابة.