في ظل إرسال الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا قوات إلى كابول لترحيل موظفي الدولتين والمتعاونين معها بسرعة بعد دخول قوات طالبان العاصمة، وفي ظل استعادة العالم، صورة الهرب الأمريكي الكبير من فيتنام، نقضت إحدى المحاكم البريطانية حكما سابقا بوقف ترحيل مؤسس «ويكيليكس» جوليان أسانج، إلى الولايات المتحدة. قررت المحكمة منح الحكومة الأمريكية مجالا أكبر لاستئناف القرار الأول الذي كان يستند على تدهورالوضع النفسي الذي يعانيه أسانج وقد يدفعه إلى الانتحار، اذا ما تم ترحيله الى أمريكا، حيث سيواجه فيها 18 تهمة، عن نشر آلاف الوثائق السرية في عامي 2010 و2011، تصل عقوبتها إلى 175 سنة.
واذا كان الانشغال العالمي بالبحث عن أسباب التغيرات العسكرية المذهلة، أو ما بات يُعرف بالاندحار الأمريكي ـ البريطاني في أفغانستان، ومحاولة الإجابة في لحظات الهزيمة المريرة عن تساؤلات كان يجب طرحها، منذ عشرين عاما، حول طبيعة الغزو، فان التاريخ ينقلنا إلى ذات اللحظات، تقريبا، إلى فيتنام ولكن من خلال التطابق شبه الكلي مع حياة وجهود أشخاص، ساهموا في مساءلة ما هو وراء التصريحات الحكومية وكشف الحقيقة معرضين حياتهم للسجن في أمريكا.
قد لا يكون للصحافي جوليان أسانج دور مباشر في الهزيمة المدوية لأمريكا وبريطانيا في أفغانستان، وإلى حد أقل في فشلهما السياسي بالعراق، إلا أنه وآخرين ساعدوا في فضح المخفي والمزيف في غزوها وإحتلالها البلدين. حيث أسس أسانج مع عدد من الباحثين موقع ويكيليكس لتسريب المعلومات، من بينها نشر ما يقارب الاربعمائة ألف سجل عسكري سري، من بين سجلات جيش الاحتلال الأمريكي للعراق، بالاضافة الى نشر وثائق عسكرية أمريكية سرية عن احتلال العراق وأفغانستان، ولم يشمل ذلك هويات المخبرين الذين كانوا يساعدون وكالات الاستخبارات في أفغانستان والعراق وأماكن أخرى، وهو الإدعاء الذي تستخدمه الولايات المتحدة باعتباره فعلا يهدد حياتهم.
كل هذه الوثائق موجودة، الآن، في أرشيف الصحف العالمية مثل «الغارديان». ولعل ما رسخ في الأذهان وأثار ضجة أكثر من غيره، عن العراق، هو تسريب شريط فيديو التقطته مروحية أمريكية، في 2007، يُظهراستهداف طاقم المروحية لمدنيين عراقيين وقتلهم 11 شخصا من بينهم طفلان وموظفان في شبكة «رويترز» بحجة أنهم إرهابيون.
هل سنحتاج لفهم ما يجري فعلا والكشف عن الحقيقة أشخاصا مثل إلسبيرغ وأسانج لتسريب «أوراق طالبان» مثلا؟
من سبق أسانج و«ويكيليكس» أثناء الحرب الأمريكية ضد فيتنام، هو دانيال إلسبيرغ، المحلل الاستراتيجي المتخصص في الاستراتيجية النووية والقيادة والسيطرة على الأسلحة النووية، الذي ساهم عام 1967، بتكليف من وزير الدفاع روبرت ماكنمارا، في دراسة سرية، للغاية، لوثائق سرية حول تاريخ التدخل السياسي والعسكري للولايات المتحدة في فيتنام من عام 1945 إلى عام 1967. أصبحت هذه الوثائق تُعرف باسم «أوراق البنتاغون». كشفت أوراق البنتاغون أن أربع إدارات (برئاسة ترومان وأيزنهاور وكينيدي وجونسون) قد ضللت الجمهور فيما يتعلق بالحرب ضد فيتنام، وأنها كذبت بشكل منهجي لتضمن استمرارها عن طريق توسيع الحرب، بقصف كمبوديا ولاوس والتي لم يتم الإعلان عنها اعلاميا. وفي الوقت الذي أعلن فيه الرئيس جونسون أن الهدف من حرب فيتنام كان تأمين «فيتنام الجنوبية المستقلة وغير الشيوعية» ووضع حد «لحرب أهلية» إلا أن أوراق البنتاغون كشفت أن السبب الأساسي «ليس مساعدة صديق، ولكن احتواء الصين «. مما يدفع المرء الى مقارنة هذه الادعاءات بما أطلقته ادارة جورج بوش بصدد غزو افغانستان والعراق، وحقيقة الديمقراطية وحقوق الإنسان مقابل السيطرة على مصادر الطاقة وإنهاء الحظر الذي فرضته حكومة طالبان، عام 2000، على إنتاج الهيرويين، وأدى إلى إنخفاض ما يقرب من ثلاثة أرباع إمدادات العالم منه.
توصل إلسبيرغ، من خلال دراسة سجلات الحكومة، إلى أن حرب فيتنام لم تكن «حربًا أهلية» بل حرباً استعمارية. وإن «الحرب التي يتم فيها تجهيز أحد الأطراف بالكامل ودفع ثمنه من قبل قوة أجنبية ـ والتي فرضت طبيعة النظام المحلي لمصلحته ـ لم تكن حربًا أهلية… بل عدوانًا خارجيًا، عدوانا أمريكيا». مثل أسانج، قرر إلسبيرغ أن من حق الشعوب أن تطلع على حقيقة ما تقوم به الحكومات باسمها. فقام بتسريب نسخ من الأوراق الى صحيفة «نيويورك تايمز» فنشرت مقتطفات من مجموع الصفحات البالغ عددها 7000. وحين مُنعت الصحيفة من نشر المزيد، سرب إلسبيرج الوثائق إلى صحيفة «واشنطن بوست» ومن ثم إلى 17 صحيفة أخرى. ألقي القبض على إلسبيرغ وقُدم للمحاكمة في مايو 1973، إلا أن القاضي رفض إدانته بسبب السلوك الحكومي المنافي للقوانين وجمع الأدلة غير القانوني.
هل أدى الدور الذي لعبه إلسبيرغ في تسريب أوراق البنتاغون السرية الى الصحافة والرأي العام الى هزيمة أمريكا العسكرية المتمثلة بالهروب الكبير؟ كلا. إلا انه ومن خلال الكشف عن أكاذيب التصريحات الحكومية حول الوضع العسكري في فيتنام، بما في ذلك إختلاق عمليات لم تحدث أبدا، على غرار قصف زوارق البحرية الأمريكية في خليج تونكين، ساهم تسريبه الوثائق في تعميق فجوة المصداقية بين الحقيقة وما تقول الحكومة إنه حقيقي، في تحويل موقف الكثير من الأمريكيين من مؤيدين الى مناهضين للحرب.
واذا كانت تفاصيل الأحداث المتسارعة في افغانستان، اليوم، حبلى بهزيمة السياسة الأمريكية والبريطانية وقوات الناتو مجتمعة، وهي الأقوى عسكريا في العالم، فان ظروف ولادة الوضع الجديد المتمثل باستعادة طالبان الحكم، وتأثيرات ذلك على الدول المجاورة والعلاقة، كما كانت أيام فيتنام، مع الصين، محاطة بغموض ما اتفقت أو لم تتفق عليه الجهات المتفاوضة. واذا كانت أمريكا لم تتغير، هل تغيرت طالبان؟ كيف؟ وهل سنحتاج لفهم ما يجري فعلا والكشف عن الحقيقة أشخاصا مثل إلسبيرغ وأسانج لتسريب « أوراق طالبان» مثلا؟
كاتبة من العراق
يجب على طالبان ترك التشدد والتمسك بالوسطية!
كالحجاب الشرعي بدل النقاب العرفي, وعدم الإختلاط بالجامعات بدلاً من منع النساء من الدراسة والعمل!! ولا حول ولا قوة الا بالله
مع الأسف أصبح أسانج من المنسيين. مهمة الصحفي والإنسان الشريف هي إيصال الحقيقه لكن الكثير الغالب من هؤلاء تحولوا إلى أدوات بيد المال أو السلطه الجائره.
نرجوا أن تتغير طالبان
لا حول ولا قوة الا بالله