شهدنا في الفترة الأخيرة موجة من التصريحات التي تستهدف «العثمانيين»، بدأت مع إعلان وزير التعليم في السعودية، حمد آل الشيخ، عن تغييرات في المناهج الدراسية للطلاب تظهر أن الدولة العثمانية كانت «غازية ومجرمة»، وتسرد ضمن جرائمها، حسب بيان للوزارة المذكورة: «القتال ضد الدولة السعودية الأولى والثانية، دعم بعض القادة المحليين ضد الملك عبد العزيز، تدمير الدرعية والبلدات المحيطة، وكذلك أجزاء كثيرة من زهران وعسير، إلى جانب تعذيب الإمام عبد الله بن سعود، آخر إمام للدولة السعودية الأولى، واغتياله بعد نقله إلى إسطنبول».
ترافق الإعلان مع حملة على وسائل التواصل الاجتماعي فسر خلالها بعض المعلقين الأمر بسياقات سياسية داخلية معتبرا ما حصل من تغيير في مناهج التاريخ «هدما لما بناه الإخوان ودعاة الصحوة»، فيما أقام البعض مقارنات بين العثمانيين من «المغول الصوفية» وبين «الحضارة السعودية» و»أهل التوحيد».
انتقلت موجة هجاء العثمانيين بعد ذلك إلى لبنان مع تغريدة لرئيس الجمهورية ميشال عون قال فيها إن «محاولات التحرر من النير العثماني كانت تقابل بالعنف والقتل وإذكاء الفتن الطائفية»، مضيفا أن «إرهاب الدولة الذي مارسه العثمانيون على اللبنانيين خاصة خلال الحرب العالمية الأولى أودى بمئات آلاف الضحايا، ما بين المجاعة والتجنيد والسخرة»، وتابع «مع انتهاء الحرب العالمية الأولى وهزيمة العثمانيين ودخول لبنان تحت النفوذ الفرنسي بدأت مرحلة جديدة من تاريخنا، وصلنا معها إلى لبنان الكبير في عام 1920، ثم الاستقلال».
أحلام دستويفسكي وجيش بايرون
تبدو هذه التصريحات وكأنها تتابع خيطا تاريخيا لكره العثمانيين نذكر منه، على سبيل المثال، كلام الأديب الروسي الشهير فيودور دستويفسكي، الذي دافع عن فكرة سيطرة روسيا على العالم وصولا إلى فتح «ملكة المدن» اسطنبول، وقصيدة فيكتور هيغو الذي انفعل بأحداث إحدى الجزر التي انتقلت من النفوذ العثماني إلى الحكم اليوناني، فكتب عن طفل إغريقي «يريد بندقية ورصاصا»، (ما يذكرنا بقصيدة نزار قباني الشهيرة «أصبح عندي الآن بندقية»)، أما الشاعر الإنكليزي بايرون فموّل جيشا لقتال العثمانيين، وامتزج حبّه للهلينية بالعشق الجنسيّ لبعض رجال اليونان، وهناك روايات أن الإغريق كانوا يخططون لتتويجه ملكا عليهم إذا أمن الانتصار على أعدائهم.
على المستوى السياسي، شهدت الأقوال التي هجت العثمانيين والترك ذروة خلال الحقبة التي رافقت صعود الحرب العالمية الأولى، والتي كان التخطيط فيها جاريا، بين الحلفاء الأوروبيين، بريطانيا وروسيا وفرنسا وإيطاليا، على تفكيك الإمبراطورية العثمانية واقتسام أراضيها، وعبّر بعض الساسة عن ذلك الصراع السياسي – العسكري بأشكال من إعلان الكراهية الهائلة للأتراك، كما فعل اللورد كرزون، سكرتير الدولة البريطانية للشؤون الخارجية عام 1919، الذي اعتبرهم «طاعونا»، ورئيس وزرائه في تلك الفترة نفسها، ديفيد لويد جورج، الذي قال إن إسطنبول في يد الأتراك «لم تكن منبعا لكل رذيلة شرقية فحسب بل السم الذي امتد وأفسد بعيدا حتى أوروبا».
حضر إرث العثمانيين والترك في أساسات تشكل الدول العربية الحديثة، وحضر العداء أو الولاء لهم في الأيديولوجيات السياسية التي كان بعض منها طبعات منقحة عن الأيديولوجيات التركية، من المنادية بالعلمانية، كحركة «تركيا الفتاة» وجمهورية مصطفى كمال، أو الدينية التي تنادي بالخلافة، كحزب «التحرير»، أو حركات ما يسمى «الإسلام السياسي»، كجماعة الإخوان و»حركة النهضة» وحزب «العدالة والتنمية» المغربي.
حديث الرئيس اللبناني عن «طائفية العثمانيين»، في بلد كل منظومته قائمة على الطائفية، فيدخل في باب التهريج السياسي في أوضاع سياسية واقتصادية لا تحتمل التهريج.
بيت بمنازل كثيرة
حسب الكاتب اللبناني حازم صاغية، فإن المقصود من تصريح الرئيس اللبناني والتعليقات المؤيدة له هم «السنّة» اللبنانيون، الذين يجري الربط بينهم وبين العثمانية، في «إعادة تأسيس رواية للبنان تضعه في مواجهة السنّة»، فيما انتبه حازم الأمين إلى استخدام عون لمفردة «الإرهاب» الذي «مارسه العثمانيون على اللبنانيين»، الذين، حسب وصفه، «كانوا في حينها أهل جبل لبنان، الذين منحوا حكما ذاتيا قارب الاستقلال، وازدهر اقتصادهم، وسمح لهم بالتواصل مع «عمقهم الاجتماعي والديني» في الغرب، إلى أن وقعت المجاعة التي أصابت كل السلطنة وليس إمارة الجبل فحسب»، معتبرا الأمر كله اقتراحا من عون لمعنى جديد للبنان يكون فيه «جزءا من منظومة دول تشكل الأقلوية جوهر هويتها الوطنية».
يناقش المؤرخ اللبناني كمال صليبي، في كتابه، «بيت بمنازل كثيرة»، بتوسّع، مفارقات السرديّة اللبنانية، معتبرا أن الحرب الأهلية اللبنانية كانت بأحد معانيها حربا على رواية التاريخ بين الطوائف التي يتشكل منها البلد، وأن إمكانية بقاء لبنان كمنظومة سياسية محكوم بفهم تاريخه الحقيقي وعدم محاولة جماعة فرض رؤيتها الخاصة، وهذا في الحقيقة، عين ما يقوم به عون في حديثه المثير للسخرية عن «طائفية» العثمانيين من شخص يقود حزبا طائفيّا في بلد مركّب طائفيا.
بهذا المعنى الآنف فإن كلا الهجومين، في السعودية ولبنان، هما هجومان على طرف أو اتجاه سياسي داخليّ في السعودية ولبنان، غير أن من مفارقات ركوب الرئيس اللبناني في القاطرة التي قادتها السعودية ضد العثمانيين أنه يقوم بتخفيض سياسي للسعودية التي تعتبر راعية للسنّة، وباحتسابه السنّة اللبنانيين على العثمانيين يكون عون قد خصمهم من حساب السعودية، بعد أن كانوا محسوبين عليها، ولا يفهم هذا الخصم إلا بتحالف عون وتياره السياسي مع إيران و»حزب الله» والنظام السوري.
يحفل الهجوم السعودي على العثمانيين أيضا بمجموعة من التناقضات الفاضحة، منها، على سبيل المثال، إخفاءه معلومة أن من قام بالهجوم على الدولة السعودية الأولى واعتقال الإمام عبد الله بن سعود هو جيش محمد علي الكبير، والي مصر، ولعلّ وزير التعليم السعودي خاف، ما دام القصد من التعديلات الحاضر لا الماضي، أن تعتبر هذه المعلومة تعريضا بمصر أو رئيسها عبد الفتاح السيسي، وهو أمر يكشف أن الأمر لا يتعلّق بتصحيح الوقائع التاريخية بل بتحرير كيديّ انتقائي لأغراض سياسيّة آنيّة.
وإذا افترضنا أن إعادة كتابة تاريخ العثمانيين مع الدولة السعودية يتعلّق بالتوجّه الأيديولوجي السعودي الجديد الذي يحاول فكّ الارتباط مع «الإخوان ودعاة الصحوة»، كما قالت إحدى التعليقات، فإن الاكتفاء باستهداف الحيثية العثمانيّة بهدف التعريض بما يسمى «الإسلام السياسي»، ينقض، ولو بشكل غير مباشر، السرديّة الكبرى التي بُني عليها التاريخ السعودي الحديث، والقائم على شكل من «الإسلام السياسي» أيضا، مثله التحالف بين السعوديين والشيخ محمد بن عبد الوهاب، وجسدته حروب «الإخوان» معهم (وهم ليسوا طبعا «جماعة الإخوان» التي نشأت في مصر)، في تجسيد للارتباط العضويّ بين الدولة السعودية والاتجاه الإسلامي السلفيّ.
باستهداف العثمانيين، لا يمكن للسرديّة الكبرى للسعودية أن تختفي.
يمكن طبعا لـ«هيئة الترفيه» أن تحلّ محل «هيئة النهي عن المنكر»، ويمكن لأحفاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الانتقال من المسؤوليات الدينية إلى المسؤوليات الأمنية والسياسية والرياضية، كما هو حال تركي آل الشيخ، مستشار ولي العهد السعودي (ومدير هيئة الترفيه وكاتب الأغاني ومدير الفرق الرياضية)، أو حمد آل الشيخ، وزير التعليم الحالي، ولكنّ المملكة ستظل تنوء تحت ثقل تاريخها الماضي الذي لا يمكن إعادة صياغته ليناسب متطلبات الحاضر.
… أما حديث الرئيس اللبناني عن «طائفية العثمانيين»، في بلد كل منظومته قائمة على الطائفية، فيدخل في باب التهريج السياسي في أوضاع سياسية واقتصادية لا تحتمل التهريج.
٭ كاتب من أسرة «القدس العربي»
الدولة العثمانية إنتهت بإنقلاب الماسونيين على آخر خليفة للمسلمين السلطان عبدالحميد سنة 1909 ! عندها بدأ الأتراك القوميين بفرض لغتهم على العرب!! ولا حول ولا قوة الا بالله
إذا كانت دولة العثمانيين فوق النقد، وإذا كانت إدانة إحتلالهم للبلاد العربية نابعة من تأثير الإستشراق، وليس بسبب قسوتهم وبعدهم عن المدنية ونهبهم للخيرات، فلماذا سقطت هذه الدولة على يد أحد أكبر جنرالاتها وأشد المقربين من السلطان العثماني، أي أتاتورك، دون أن يثير ذلك أي رد فعل من الناس في تركيا ؟ كيف تنهار دولة بهذه الكرامات دون أي أسى أو أسف من الشعب التركي ؟
لقد أثار سقوطها الكثير ولكن من يقرأ التاريخ يعرف.
يسلّم الأيادي يا حسام.
عندما أزور اسطنبول أشعر بالغيرة من الأتراك لها، و كيف أن دمشق – رغم إرثها التاريخي كأقدم مدينة في التاريخ – لم يعد لها حاضر اسطنبول بعد احتلال النظام السوري لها.
الأستاذ حازم صاغية كان محقاً عندما عندما كتب أن بأن هجوم الجنرااااال عون على العثمانيين، كان يقصد به «سنّة» لبنان. لأن احترام هذا الجنراااااال، الذي هرب من النظام السوري بالپيجاما السفارة الفرنسية، للسنّة في لبنان، لا يزيد أو يقلّ عن احترام بيبي نتنياهو للفلسطينيين.
عداء نظام آل سعود لتركيا سببه عداءهم لاردوغان، النابع من عداء نظام آل سعود لكل حركات الاسلام السياسي في العالم. مع أن نظام آل سعود قام و لا يزال قائماً، لأنه مبني على الاسلام السياسي. نظام آل سعود يرى في «السنّية التركية» تحدياً خطيراً على هيمنتهم على العالم الإسلامي لأنهم «خدمة الحرمين الشريفين» مع أنهم في الحقيقة حراميتها!
واضح ان الموضوع يدخل في إطار المماحكات السياسية سواءا موقف السعودية من العثمانيين او موقف السياسي اللبناني..
لكن هناك تناقضات في موقف السعوديين من الدولة العثمانية:
فهي دولة غازية ودمرت الدولة السعودية الأولى واعتبرت الوهابيين خوارج.. الخ
وهذا الاتجاه يجد صداه عند السياسيين الجدد وبعض الإعلاميين المحسوبين على التيار الليبرالي المتشبهين في موقفهم هذا بالقوميين العرب الأوائل..
وفي ذات الوقت هي دولة سنية كبيرة تعتبر امتداداً لأهل السنة وقفت في وجه المد الشيعي الصفوي وحمت الحجاز من التشيع..
لذلك نجد التردد واضحاً عند النخبة الدينية والسياسية السعودية اتجاه الدولة العثمانية وتاريخها بين هذين الرأيين..
ويبقى السؤال مطروحاً لماذا كل هذه المواقف السعودية (الشديدة) من الدولة العثمانية وتاريخها تظهر في هذا الوقت بالذات؟!
يخلط مسيحيون بين الإسلام وبين إمبراطورية عثمانية نشأت من قبائل مغول بإرث همجي يناقض الإسلام فدمرت ونهبت البلقان وشرق أوروبا وقتلت رجال وسبت نساء وجندت يتامى أطفال بجيش إنكشاري همجي وجوعت وقصفت مدنيين عزل داخل أسوار القسطنطينية بمنجنيقات حارقة وهجرت الباقين غرباً وشمالاً وحولت كنيسة آيا صوفيا لمسجد وذبحت مليون أرمني وشردت الباقين بل وقمعت مسلمين عرب وفرس وأكراد، وكل ذلك يناقض ثقافة أول دولة مدنية بالعالم أنشاها محمد (ص) بوثيقة المدينة تحترم مكونات وحقوق إنسان ومرأة وطفل وتحمي نفس ومال وعرض وعدالة
أرجو و لعل و ربما يتخلص التاريخ من عبء السياسي اليومي لنبدأ اخيرا بتفكيك و فهم أشياء و احداث مثل السفربلك دون الحاجة لنظريات مؤامرة أو استثمار سياسي ، الهجوم و الدفاع سياسيان و ليسا تاريخيان للأسف الكبير
الدولة العثمانية كانت صوفية وبتحارب السلفيين اللي مخالفينها فكريا بشراسة في نفس الوقت اللي كانت بتسايس أمورها مع أعداء الإسلام
بس لو ف ظهري ألف طعنة منها عمري ما أكون ف خندق واحد مع الغرب ضد العثمانيين
عزيزي حسام
من الأخطاء الفادحة التي ارتكبها العرب هو ان الشريف حسين اقام الحرب على العثمانيين بعد أن صدق وعود الانكليز برسائل مكماهون فماذا حصدنا؟ ببساطة ثلاثة خوازيق: وعد بلفور، سايكس بيكو، سان ريمو، والتي نعاني منها لليوم ، فلو بقينا على الحياد كان افضل لنا بكثير وحافظنا على صداقتنا مع السلطنة التي كانت مدافعة عن فلسطين اكثر من العرب المهرولين اليوم الى تل ابيب
يا أخي كروي داوود , أرجو أن تصحح مفاهيمك الدولة العثمانية سلطنة عسكرية كانت تقوم على الملك العضوض وارتكبت الكثير من المساوئ في حق الإسلام والمسلمين كغيرها من السلطنات الجبرية المتعاقية على حكم المسلمين منذ تسلط بني أمية .
الخلافة يا أخي نظام أمرشوري أي يقوم على الشورى البينية بين جميع أفراد المسلمين ـ وأمرهم شورى بينهم ـ والذي يعرف عند الغربيين بالديمقراطية المباشرة ،والدولة الوحيدة التي تقترب من هذا النظام هي الجمهورية السويسرية ؛ وليس شورى إثنينية بين حاكم متسلط ومستشار شخصي كما هو الحال في عالمنا العربي والإسلامي ٠
ولهذا فإن آخر خليفة في الإسلام هو الإمام علي بن أبي طالب رحمة الله عليه ولهذا لو عادت الأمة كلها سنة وشيعة وخوارج وبنينا عليه لختفت الفرقة بين المسلمين وعاد نظام الخلافة على منهاج النبوة ،والسلام
أنا لاحظت الكثير لم ينتبه إلى أنّ دولة الحداثة تم تكوينها على أنقاض عنوان («إرهاب العثمانيين»: هندسة العرب الكاريكاتورية للتاريخ!) خصوصاً بعد إنهاء أول زيارة لتركيا الأسبوع الماضي،
وقد تبين لي كيف يتشابه أهل تركيا مع أهل ألمانيا واليابان، في زاوية الرؤية لمفهوم الإنتاج،
والذي يختلف على أرض الواقع عن زاوية الرؤية عند أهل ما بين دجلة والنيل، أو بلاد فارس، وبلاد شبه القارة الهندية.
ولذلك الكثير أساء فهم كيفية تصرّف أهل شرق آسيا، مع أهل الدولة العثمانية السلبي تجاه الجيل الأول من الثورة الصناعية،
في حين ساهم أهل تركيا (بواسطة مشروع الفاتح) مع أهل شرق آسيا (بواسطة مشروع القدوة) لتخفيض وزن الحقيبة المدرسية،