تأتي الذكرى الثانية والعشرون لاستقلال إريتريا عن الجارة اثيوبيا، التي تصادف يوم الرابع والعشرين من مايو/ أيار الجاري، والبلاد في أسوأ حالاتها. ويبدو ان الخيارات السياسية الخاطئة التي أنتهجها أهل السلطة هناك عند بدايات عهدهم في مطلع تسعينيات القرن المنقضي، مثل تجاهل الأصوات التي كانت تنادي ببسط الديمقراطية والعدالة، وضمان إشراك كل الفصائل الإريترية التي شاركت في إنجاز الاستقلال، وحفظ أدوار الشخصيات الوطنية التي عبدت دروب الانتصار وتحملت عبء البدايات الاولى القاسية في مفتتح الأربعينيات، وكان لها الدور الأبرز في المسيرة التحررية للبلاد، والتعامل مع التعدد الاثني والثقافي والعقيدي للمجتمع الإريتري باحترام، وتجنب إبراز أيٍ من هذه العوامل على حساب الأخرى. ولكن للأسف، ذهبت كل تلك النداءات الناصحة أدراج الرياح، حيث تم تكريس الديكتاتورية في أبشع تمظهراتها، وساد نهج الإقصاء والتهميش وكل التوابع القبيحة المتولدة من الشعور الذي يتلبس عادة الديكتاتوريين، ويدفع بهم إلى وضع انفسهم في مصاف الآلهة. وأن تلك الأخطاء التي تراكمت وغدت جبلاً يصعب زحزحته، كان بالإمكان تلافيها لو أن حكام البلاد انتهجوا سياسات واقعية ومتوازنة تعلي من شأن الديمقراطية، وتحرص على ان تسود الثوابت الوطنية التي توافق عليها الآباء المؤسسون للمشروع الوطني الإريتري. وعلى مدى العشرين عاماً الماضية طبق الرئيس أسياس أفورقي سياسات مدمرة، أدت إلى إعاقة عجلة التنمية. وأدخلت البلاد في عزلة، نتيجة للعقوبات المفروضة عليها من قبل مجلس الأمن في العام 2008 على خلفية دور السلطات الإريترية في زعزعة استقرار دول منطقة القرن الإفريقي. ولدورها غير البناء في الصومال تحديداً، حسب المجلس، إضافة للعدد المهول للسجناء السياسيين وسجناء الرأي الذي تقدره منظمة العفو الدولية بنحو عشرة آلاف سجين، التي أصدرت خلال الأسابيع الماضية نداءات للسلطات الإريترية، عبر رسالة وجهتها للرئيس الإريتري ضمنتها مطالبها بإطلاق سراح المعتقلين من سجناء الرأي، الذين يحتجزون في ظروف غير إنسانية، بل وتحدثت تقارير لمنظمات حقوقية إريترية عن وفاة العديد منهم بسبب انعدام الرعاية الصحية والعلاجية. ولا يزال تآكل الجيش الإريتري مستمراً بسبب هروب الآلاف من عناصر الخدمة الوطنية وكوادره المتمرسة، وبعض قياداته من كبار الضباط، مقتدين بوزير دفاعهم السابق مسفن حقوص، الذي انفصل عن النظام تعبيراً عن رفضه للسياسات المتبعة. وقبله يمكن تذكر الكثير من أعضاء السلك الدبلوماسي من سفراء وقناصل انفصلوا بدورهم. ويمكن أيضاً تذكر المنتخب الوطني الأول لكرة القدم الذي رفض العودة من مشاركة خارجية له منتصف العام الفائت. وكابتن الطائرة الرئاسية الذي هرب بها إلى المملكة العربية السعودية. والكثير من حالات الهرب والانفصال، وكان آخرها وزير الإعلام السيد علي عبد، الذي غادر هو الآخر البلاد، وترك الرئيس في حالة من الوجوم لما شكله هروبه من حرج بالغ لسلطاته. قد تعد ذكرى الاستقلال فرصة لمراجعة تلك السياسات العقيمة، وإطلاق مبادرات سياسية تساعد على تسكين آلام المواطن الذي بات فريسة لرحى الأزمات، وأن تكون أولى تلك المبادرات اطلاق سراح كافة السجناء وإعلان عفو عام، وبدء مرحلة حوار وطني، يضم كل الأطياف السياسية في الداخل والخارج، وتمهيد الأرضية لبدء حياة سياسية معافاة، تضمن الأمن والاستقرار.