ليس هنالك دولة في العالم تتبوأ مكانة مميزة مثل تلك التي تتبوؤها إٍسبانيا في مخيلة الإنسان العربي. هذا البلد الدافئ بمختلف جوانبه كان وسيبقى رمزا من رموز الرقي الحضاري العربي في المجال الثقافي، العلمي، الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي والديني. أحياناً يبدو وكأنه من غير الممكن التطرق لعظمة الماضي، مقارنة بالحاضر، أو استشراف المستقبل بدون الرجوع للميراث العربي- الإسباني، الذي تدفق شعاعه للعالم من مدن مثل غرناطة، قرطبة، اشبيلية وطليطلة. خصوصية تلك الفترة بالتحديد جعلت من ‘عصر الأندلس’ حقبة من أبهى الحقب التاريخية التي تستحضر فكرياً، وتستجدى شعورياً بكثير من الرومانسية، لا يضاهيها في الوجدان العربي سوى ذاك المتعلق بالحقبة النبوية وبالعصر الذهبي الأموي والعباسي.
تجسيداً لهذا الشعور، لا يعقد لقاء رسمي أو شعبي عربي- إسباني بدون استذكار ما خلدته الموشحات من حنين ‘لزمان الوصل بالأندلسي’. حتى هذه اللحظة، تلك الحقبة تستثمر سياسياً، اقتصادياً، ثقافياً، اجتماعياً ودينياً، كما لو لم يكن لها مثيل في تاريخ الشرق والغرب. لها من الأهمية ما يجبر على استثناء من الذكر تلك الجوانب السلبية التي وقعت خلالها، وهي كثيرة وبعضها مؤلم جداً. عوضاً عن ذلك، يفضل التركيز على تلك الجوانب الإيجابية التي يمكن أن تكون قاعدة انطلاق لما يمكن أن يأتي بالخير على مستقبل العلاقة التاريخية بين كافة البلدان الواقعة حول حوض البحر الأبيض المتوسط.
انسجاماً مع المسار الإيجابي، هنالك من يذهب أبعد من ذلك ويعتبر أن مياه هذا البحر الشاسع، عبوراً بمضيق جبل طارق، هي جسر التقاء حضاري طبيعي بين الشعوب التي تقطن على ضفتي هذا البحر، وليس حاجز فصل في ما بينهم. انها النظرة الإيجابية لما كان وما يمكن أن تكون عليه علاقة الترابط بين الإسبان، العرب والغرب. لتقوية أواصر الترابط، التي مازالت قائمة بمخيلة الساسة، إنشاء جسر فوق أو تحت مياه هذا المضيق. تنفيذ مثل هذا المشروع هو مسألة إرادة، مال ووقت. حال تم تجسيده على أرض الواقع، سيكون هذا الجسر نقطة تواصل ثابت بين ضفتي حوض البحر المتوسط، من خلال هذا الجسر سيتحرك الأفراد، البضائع والأفكار بسهولة ليس لها مثيل، وسيكون له من الأهمية البينية ما لمشاريع القطارات السريعة التي تروج لها إسبانيا بين مختلف بلدان المغرب والمشرق العربي.
إذا كانت إسبانيا تشكل ركنا مهما في الوجدان العربي، فلماذا لا يكون لتجربتها الحديثة في التحول المنظم من حقبة الاستبداد إلى الديمقراطية نموذج لدول المنطقة. بمعنى، إذا كانت إسبانيا سابقاً مرآة أمجاد العرب، فلماذا لا تكون إسبانيا الحاضر، بتطورها السياسي، الاجتماعي والاقتصادي، نموذجاً ومرآة المستقبل. من دراية بمسار التجربة الديمقراطية الإسبانية يعلم أن هذه التجربة يمكن أن تستحضر عربياً، بحكم كونها ملائمة لطبيعة شعوب المنطقة الراغبة في الخروج من نفق الاستبداد إلى نور الحريات. هنالك علاقة تجانس بين العقلية العربية والإسبانية تبلورت تاريخياً بشكل مشترك. تشابه تركيبة المجتمعات العربية الراغبة بالتحرر، والمجتمع الإسباني حديث التحرر، خاصة ذاك التشابه المتعلق بدور المجتمع المدني، المؤسسة العسكرية والدينية، إضافة لحداثتها وقربها الزمني، يجعل منها الأكثر ملاءمة لتجاوز عصر الديكتاتوريات العربي بكثير من الانضباط.
إسبانيا الحديثة هي وليدة علاقة التفاهم بين مختلف مؤسسات المجتمع المدني، خاصة الأحزاب السياسية، النقابات العمالية، العسكر، رجال الدين ورجال الأعمال. هذا التفاهم تبلور بعد نهاية حكم العسكري بقيادة الجنرال فرانكو (1975) مما ساهم تدريجياً في تنظيم الفترة الانتقالية من نظام ديكتاتوري لنظام ديمقراطي. رغم ما رافق هذه الفترة من صعوبات، فقد استطاع الشعب ومختلف مؤسسات الدولة تجاوز تعقيداتها بقدر كبير من الحوار والحكمة، مما سرع في إرساء قواعد دولة القانون والدستور، رغم ما تحتاجه هذه الدولة من بعض التطوير، الآن يمكن القول بأنها تعمل بفاعلية عالية، خاصة خلال العملية الانتخابية وفي ما يتعلق بتداول السلطة.
هنالك عناصر حاسمة ساهمت في انجاح المشروع الديمقراطي الإسباني: أولها، رغبة كافة أطياف المجتمع، المتنوع فكرياً وعرقياً، في تثبيت قواعد علاقة التسامح والتصالح. ثانيها، التفاهم والعمل المشترك بين مختلف الاحزاب السياسية اليسارية، الوسطية واليمينية، المعروفة تاريخياً باختلافاتها الأيديولوجية. ثالثها، إرساء وتنظيم الثوابت التي تسمح في أن واحد بفصل وتداخل المجتمع المدني والمؤسسة العسكرية، التي سابقاً كانت تلعب دورا قمعيا وتنظيميا للحياة العامة. رابعها، تحديد السمات الفعلية للعلاقة بين المجتمع بكافة مؤسساته المدنية، الذي بطبيعته هو مجتمع وسطي بين ما هو ديني وما هو علماني، والمؤسسة الدينية القائمة، التي سابقاً كان لها دور مميز في تحديد ملامح الحياة الخاصة والعامة. رغم كل ما يوجه لها من تهم، فقد لعبت هذه المؤسسة دوراً ضابطاً لنمط العلاقة بين مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسة العسكرية، لما كان لها من قوة تأثير على الجانبين، ما ادى إلى خفض حدة الصراع في ما بينهم. هنالك دور لا يقل أهمية من دور المؤسسة الدينية لعبته المؤسسة الملكية، من خلال خلق علاقة توازن واستقرار بين مختلف المؤسسات القائمة، بالتحديد الأحزاب السياسية، النقابات العمالية، العسكر ورجال الدين. هنالك من يعتبر المؤسسة الملكية ماركة ذات جودة وطنية.
كل ما تم إنجازه من استقرار، انتقال ديمقراطي وتحديث تدريجي للدولة وللمجتمع تم رغم وقوع حرب أهلية دامية استمرت لمدة ثلاث سنوات (1936-1939) تدخلت خلالها مختلف القوى العظمى بسوء نية؛ وحشية القبضة العسكرية التي تلت هذه الحرب؛ الركود شبة التام للاقتصاد الوطني؛ زيادة وتيرة الصراع الطبقي، التباين الأيديولوجي بين مختلف القوى السياسية والاجتماعية؛ وأخيراً وقوع محاولة انقلاب عسكرية كادت أن تعصف بالتجربة الديمقراطية الوليدة (1981). سر نجاح إسبانيا في تجاوز كل ذلك كان يكمن في إرادة المجتمع ومختلف مؤسسات الدولة في تجاوز آلام الماضي؛ تفاهم مؤسسات الدولة في ما بينها، تحديداً الاحزاب السياسية، المؤسسة الملكية، العسكرية، الدينية، النقابات العمالية وهيئات رجال الاعمال، في ما يتعلق بنوعية وملامح الدولة الحديثة التي يرغب في تأسيسها، التي جسدت في دستور متطور وضعت فصوله من قبل فقط سبعة من الحكماء المؤهلين سياسياً وقانونياً.
النواة الصلبة لهذا الدستور، الذي تمت الموافقة عليه بعد استفتاء شعبي (1978) هو الإقرار الفعلي لدولة القانون، تفعيل دور المجتمع المدني، تقديس الحريات العامة والخاصة، الفصل التام بين مختلف السلطات، التضامن الجماعي وتكريس كافة مؤسسات الدولة لخدمة الصالح العام. كل ذلك تم بهدف احداث نقلة نوعية في الحياة العامة الإسبانية على اسس من القانون، العدالة، الحرية والديمقراطية، كذلك بهدف مسايرة ركب الحضارة والتقدم الذي كانت الدول الأوروبية المحيطة قد تجاوزت فيه إسبانيا بخطوات شاسعة. بعد نصف قرن من دولة القانون، العدالة، الحرية والديمقراطية، يمكن القول بأن إسبانيا بدأت تسير على نفس النمط الأوروبي من التحضر، لا بل رغم كافة التعقيدات السياسية، خاصة المتعلقة برغبة أقاليم الباسك والكاتالان الانفصال والاستقلال، فقد تمكنت إسبانيا من التساوي في التطور مع دول مثل ايطاليا وبلجيكا، تجاوزت دولا مثل البرتغال واليونان، وتحاول قدر المستطاع الوقوف في صف دول مثل فرنسا.
بعد كل ما عرض بشكل مبسط عن التجربة الاسبانية اليسيرة، مقارنة بتجارب باقي الدول الأوروبية، أليس فيها ما يدعو العرب إلى دراسة معظم جوانبها بعمق، خاصة المتعلقة بكيفية التعامل بين كافة قوى المجتمع وأساليب الانتقال من النظام الاستبدادي الى النظام الديمقراطي. قد تمعنت واحتذت دول في أمريكيا اللاتينية وأوروبا الشرقية بالتجربة الإسبانية، فلماذا لا يفعل ذلك من هم أٌقرب لها تاريخياً وجغرافياً. القيام بمثل هذه الدراسة يمكن أن يساهم في انتقال سلس وسلمي من طور الاستبداد إلى طور الحريات. نحن بحاجة لمثل هذا النوع من الانتقال، خاصة أن الصراعات بمحيطنا العام قد تمادت، وأن عواقبها اضحت وخيمة على الجميع.
بحكم أواصر الصداقة وانطلاقاً مما يربطها بالعرب من علاقة تاريخية وأفاق مستقبلية مفتوحة، يحبذ كذلك لو أن إسبانيا روجت فعلاً لا قولاً لتجربتها السياسية الديمقراطية على مختلف المستويات العربية، كما نجحت في الترويج لنفسها تجارياً، سياحياً ورياضياً. حالياً يبدو كأنها عاجزة أو غير مصممة على لفت انتباه ساسة دول صديقة مثل الجزائر، سورية، تونس، مصر، العراق وليبيا. وليتها لو تستغل حسن علاقة العائلة المالكة بالعائلات الملكية بدول الخليج، المغرب والأردن لتحفز هؤلاء على تمحص تجربتها البرلمانية الفريدة بقدر أكبر من الانفتاح. من غير المستبعد أن تدفع يوما ما بهذا الاتجاه، خاصة أنها تملك رصيدا هائلا من الاعجاب والتقدير بين شعوب وحكام المنطقة. حال تمكن كل طرف من القيام بما يمليه عليه واجبه، فستصبح إسبانياً فعلاً خير نموذج ومرجعية للعرب بعد الثورات، مثل ما كانت دائماً عليه قبل الثورات.
‘ كاتب فلسطيني- إسباني
أشاطرك الرأي والامنية أن تأخذ الشعوب العربية بتجربة أسبانيا بالتحول الأجتماعي والديمقراطي
المشكلة في العقلية العربية تختلف اختلافا كثيرا عن الآسبانية او غيرها من الديمقراطيات الحديثة عدد العالم العربي هو اكثر من ثلاث مائة وستين مليون نسمة يريدوا كلهم ان يكونوا رؤساء فيصبح العالم العربي بدون شعب فعليهم ان يستوردوا شعوبا اخرى من عالم اخر | محمود سالم—-new york
إسبانيا ليست نموذج ايجابي ففيها العنصرية المتوحشة والبطالة (6مليون عاطل) وسوء إدارة الدولة والمافيات التي تسرق المسافرين العابرين لأراضيها بلد يعيش على صدقات أوروبا عائلة مالكة فاسدة تنهب قوت شعبها فأي تطور وأي اقتصاد دولة تحتل أراض وجزر المغرب وأرضها محتلة من قبل بريطانيا واقليم يطالب بالانفصال . بلد يعطي إقامة دائمة لمن يشتري عقار ب10000يورو كفانا غشا لانطمح لنكون مثلهم ..
أهم أسباب نجاح الإنتقال الديمقراطي في إسبانيا ، هي ٨٠ مليار مارك سنويا التي كانت تتدفق من الثنائي الفرنكوــــ ألماني. الإعفاأت الضريبية و الإستثمارات في جميع المجالات بالمليارات من الإتحاد الأوربي . مساعدات مخطط مارشال الأمريكي . فتح الحدود و تسهيل تنقلات اأشخاص و البضائع في أحسن الفترات التي مرت بها أوروبا منذ قرون ،